شرح العقيدة الطحاوية (1 – 5)
العقيدة الطحاوية
الحلقـــة الأولي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
وبعد :
فان العقيدة الطحاوية التي ألفها الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى سنة (322هـ) من الرسائل الجامعة في هذا الباب ، وقد تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول والرضا ، ونالت شهرة واسعة ، وتصدى لشرحها غير واحد من أهل العلم ، واتفقوا على صحة ما جاء فيها وموافقته للكتاب والسنة ومعتقد سلف الأمة ، إلا أحرف يسيرة لا يخلو منها كتاب على وجه الأرض إلا كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة ، تنزيل من حكيم حميد .
العقيدة الطحاوية
الحلقـــة الأولي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
وبعد :
فان العقيدة الطحاوية التي ألفها الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى سنة (322هـ) من الرسائل الجامعة في هذا الباب ، وقد تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول والرضا ، ونالت شهرة واسعة ، وتصدى لشرحها غير واحد من أهل العلم ، واتفقوا على صحة ما جاء فيها وموافقته للكتاب والسنة ومعتقد سلف الأمة ، إلا أحرف يسيرة لا يخلو منها كتاب على وجه الأرض إلا كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة ، تنزيل من حكيم حميد .
وقد ضمنها الإمام أبو جعفر الطحاوي ما يحتاج المгلم إلى معرفته واعتقاده والتصديق به والعمل به ، من أصول الدين كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة ، والبعث واليوم الآخر والقول في الصحابة .. وغير ذلك من مسائل الاعتقاد .
أهمية العقيدة : مما لا يختلف فيه المسلمون أن علم العقيدة هو اشرف العلوم إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع ، ولهذا سمي الإمام أبو حنيفة رحمه الله ما قاله وجمعه في أوراق في أصول الدين ( الفقه الأكبر ) وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة ، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة ، لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته و أفعاله ،و يكون مع ذلك كله احب إليها مما سواء ، ويكو سعيها فيما يقربها اله دون غيره من سائر خلقه .
ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفته ، وإدراكه على التفصيل فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين ، واليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ، ولمن خالفهم منذرين ، وجعل مفتاح دعوتهم و زبده رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته و أفعاله ، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها ثم يتبع ذلك اصلان عظيمان :
أحدهما : تعريف الطريق الموصل إليه ، وهي شريعته متضمنة لمرة ونهيه .
والثاني :تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم .
فأعرف الناس بالله عز وجل اتبعهم للطريف الموصل إليه ، واعرفهم بحال السالكين عند القدوم علية.. ونضيف إلى ما سبق في أهمية العقيدة ودراستها وتعلمها وتعليمها ونشرها ما يلي :
1 – إن العقيدة هي التي استطاعت أن توحد بين القلوب ، وتؤلف بين النفوس وتجمع الأمة على هدف واحد ، وهو محاربة الشرك ،و الضلال والظلم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ونشر التوحيد والعدل والحق والخير بين الناس .
قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) – آل عمران 103 .
وقال : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) – الأنفال 63 . فلا يخفى حال العرب قبل الإسلام من فرقة وتشتت وعداوة وبغضاء وحروب طاحنة ، وحياة بلا أهداف ، فجاءت هذه العقيدة فصنعت منهم في سنوات قلائل اعظم أمة على وجه الأرض ، وصاروا رعاة أمم بعد أن كانوا رعاة غنم ، فسبحان الله العظيم مغير الأحوال.
وليس هناك ما يوحد بين صفوف المسلمين ويجمع كلمتهم سوى هذه العقيدة المباركة لا قومية ولا إقليمية ولا وطنية ولا اشتراكية ولا رأسمالية ولا غيرها من المذاهب الأرضية .
فهذه العقيدة العظيمة القائمة على الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة ،وهي عقيدة البناء والتربية والتعليم ،والتوجيه والانطلاق ، وهي عقيدة واضحة لا لبس فيه ولا غموض ، ولا لبس فيها ولا غموض ، ولا صعوبة ولا فلسفة مضلة ، بل كانت تعرض على البدوي فيفهمها ويقتنع بها ثم ينطلق بها إلى قومه وعشيرته فيؤمنون بها ، وينطوون تحت لوائها .
2- ونحن نعتقد اعتقادا جازما لا تردد فيه انه ما لم تتمسك امتنا بالعقيدة السلفية الصحيحة ، الصافية النقية ، الموروثة عن سلفنا الأوائل رضي الله عنهم أجمعين فلن تكون هي الأمة المسلمة بحق كما قال تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفكيهم الله وهو السميع العليم ، صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عبدون ) – البقرة 137-138.
فهذه العقيدة هي صبغة الله تعالي هي دينية وفطرته التي أرادها الله تعالى وهي التي تستحق رضوانه ومحبته ، ونعيمه والجنة . وهي التي تستحق نصره تأييده على عدوها ، وتستحق أن يعليها الله تعالي على الأمم لأنها أعلت كلمته ودينه ( أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .
فلا نصر في الدنيا ، ولا فوز في الآخرة ، إلا بهذه العقيدة .
3- ولا يقبل الله تعالى عملا صالحا من العبد إلا بعد أن توجد هذه العقيدة الصحيحة في قلبه ، وتستقر في نفسه ، وإلا ذهبت أعماله أدراج الرياح ، قال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) – النحل 97 .
وقال ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) – الكهف 30 – وقال ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنا له كاتبون ) – الأنبياء 94 .
وأما الكفار المعرضين عن الإيمان فإن عملهم كما وصف الله تعالى ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ) إبراهيم .
الحلقة الثانية:
أهمية العقيدة:
4. ومما يبين لنا أهمية العقيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ثلاثة عشر سنة من دعوته التي بمكة كلها في تأسيس العقيدة الإسلامية وتثبيت أركان الإسلام والايمان في النفوس وهكذا كان شأن الآيات النازلة عليه بمكة فإنها لا تكاد تخرج من هذا الباب إلا قليلا حتى إذا اطمأنت النفوس إلى هذا الأصل العظيم ورسخت في المجتمع دعائمة نزلت آيات العبادات والأحكام والمعاملات
5. والعقيدة هي التي اتفق عليها الانبياء والمرسلون فلم يختلفوا وإن اختلفت شرائعهم قال سبحانه (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) النحل 36
وقال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) الانبياء 25
وقال (( ان الدين عند الله الاسلام وما اختلفت الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)) آل عمران 19 ، قال ابن كثير رحمة الله تعالى : وقوله تعالى (( إن الدين عند الله الإسلام)) إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فمن لقى الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته فليس بمقتبل منه كما قال تعالى (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )) الايه 2 وقال صلى الله عليه وسلم الانبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد والعقيدة تحي العلم بأشرف معلوم وهو الله تبارك وتعالى والعلم بالله تعالى أحد أركان الايمان بل هو اصلها وما بعدها تبع لها وليس الايمان مجرد قول القائل : ىمنت بالله : بل ان حقيقة الايمان ان يعرف الرب الذي يؤمن به بل ويجب عليه ان يبذل جهده في معرفة اسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين وبحسب علم العبد بربه تكون درجة ايمانه فكلما ازداد معرفة بربه ازداد ايمانه والطريق الشرعي للعلم بالله واسمائه وصفاته هو تدبر القرآن وفهم ماجاء فيهما
*ثم ان الله تعالىخلق الخلق ليعبدوه قال تعالى(( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)) الذاريات 56 – ولا يمكن ان يعبدون دون ان يعرفوه فلا بد من معرفتهم له سبحانه ليحققوا الغايى المطلوبة منهم والحكمة من خلقهم.
والاشتغال بمعرفته سبحانه اشتغال العبد بما خلق له وتركه وتضييعه اهمال لما خلق وتركه وتضييعه اهمال لما خلق له وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة وفضله عليه عظيم متوال من كل وجه ان يكون جاهلا بربه معرضا عن معرفته ومعرفة اسمائه وصفاته.
· ويكفي لمعرفة شرف هذا الباب أن القران الكريم لا تخلو ايه من اياته من صفة لله سبحانه وتعالى او اسم من اسمائه الحسنى ، قال شيخ الاسلام احمد بن تيميه رحمه الله تعالى والقرآن فيه من ذكر اسماء الله وصفاته وافعاله أكثر مما فيه من ذكر الاكل والشرب والنكاح في الجنه والايات المتضمنة لذكر اسماء الله وصفاته اعظم قدرا من آيات المعاد فأعظم آيه القرآن الكريم المتضمنه لذلك كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لأبي بن كعب ( اتدري أي اية في كتاب الله أعظم قال (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فضرب بيده في صدره وقال ليهنك العلم أبا منذر.
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أن (( قل هو الله أحد)) وتعد ثلث القرآن الذي كان يقرأها ويقول إني لأحبها لانها صفة الرحمن بان الله يحبه فبين ان الله يحب من يحب ذكر صفاته سبحانه وتعالى وهذا باب واسع .
· جهود السلف الصالح في حفظ العقيدة:
من أجل هذا كله برزت جهود السلف الصالح رضي الله عنهم في العناية بالعقيدة والذب عنها تعلما وتعليما وتدريسا وتأليفا وتصنيفا وليس هذا فقط بل ومحبه وبغضا فيها وموالاة ومعاداة من أجلها وتقيدا عمليا بها وهذا من صدقهم مع أنفسهم رحمهم الله تعالى وفي مجال التصنيف خاصة نتبين جهودهم في جانبين:
الأول:
كتب الرد والمناظرة لأصحاب الفرق الضالة وإفحامها وكشف حقيقتها وزيفها بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
الثاني:
تأليف الكتب ابتداء في بيان العقيدة الصحيحة المستقاة من نصوص الكتاب والسنة وفهم السلف.
*فمن الأمثلة على النوع الأول:
(الرد علي الجهمية) و ( النقض على بشر المريسي) وكلاهما لأبي سعيد الدرامي (ت282هـ) وهما من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها وكان شيخ الاسلام بم تيميه يوصي بهما اشد الوصية والرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل ولابن أبي حاتم ولابن مندة و ( الرد على من يقول ان القرآن مخلوق) لأبي بكر النجاد و ( الرد على أهل الأهواء والبدع * للملطي و ( منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية) لشيخ الإسلام ابن تيميه و ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) و (اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية) كلاهما لشمس الدين قيم الجوزية وغيرها.
· ومن الأمثلة على النوع الثاني
(العقيدة الطحاوية) وهي محل بحثتنا هذا و (خلق أفعال العباد) للإمام البخاري و (السنة) للامام عبدالله بن أحمد بن حنبل وللبربهاري (ت 319هـ) و ( الشريعة) لأبي بكر الآجري و (عقيدة السلف أصحاب الحديث) لأبي عثمان الصابوني (ت449هـ) و ( كتاب التوحيد) للإمام ابن خزيمة و (التوحيد) و ( الإيمان) لابن مندة و (شرخ اصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لابي القاسم اللالكائي وغيرها كثير.
· ترجمة الإمام الطحاوي
هو الامام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري الطحاوي نسبة إلى قرى الصعيد بمصر.
ولد سنة 239هـ ونشأ في بيت علم وفضل فأبوه كان من أهل العلم والبصر بالشعر وروايته وأمه معدودة من أصحاب الشافعي الذين كانوا يحضرون مجلسة وخاله هو الامام المزني افقه اصحاب الامام الشافعي وناشر علمه.
الحلقة الثالثة
وقد عاصر الائمة الحفاظ من اصحاب الكتاب والسنة ومن كان في طبقتهم وشارك بعضهم في مروياتهم وقد استمدت ثقافته الأولى من اسرته العلمية ثم صار يذهب الى حلقات العلم التي تقام في مسجد عمرو بن العاص (بمصر) فحفظ القرآن ثم تفقه على خاله المزني وسمع من مختصره الذي استمده من علم الشافعي ومن معنى قوله ولما بلغ سن العشرين ترك قوله الأول وتحول الى منهج ابي حنيفة في التفقه .
وكان من أسباب تحوله أمور منها:
1. أنه كان يشاهد خاله يطالع كتب أبي حنيفة ويديم النظر اليها.
2. ماكان يحضر مساجلات علمية تقع بين كبار اصحاب الشافعي واصحاب ابي حنيفة
3. حضوره لحلقات العلم المختلفة التي كانت تقام في مسجد عمرو بن العاص
4. تأثره بالشيوخ الذين ينتحلون مذهب أبي حنيفة ممن ورد الى مصر والشام كالقاضي بكار بن قتبيه وابن ابي عمران وأبي خازم وليس هذا بمستنكر فقد تحول غير واحد من أهل العلم ممن تقدمه عن مذهب وهو شأن الباحث المتحرى للدليل والحق وهكذا كان السلف رحمهم الله.
شيوخــــة:
روى الطحاوي رحمة الله عن جملة من كبار العلماء منهم خاله اسماعيل بن يحيى المزني والقاضي بكار بن قتيبه وابو عبدالرحمن النسائي صاحب السنن والحافظ يونس بن عبد الأعلى المصري والربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي والحافظ ابو زرعة الدمشقي والحافظ على بن عبدالعزيز البغوى شيخ الحرم والحافظ ابو بكر بن ابي داود السجستاني والحافظ ابو بشر محمد بن سعي الدولابي والحافظ أبو أمية الطرسوسي وغيرهم كثير
تلاميـــــذه:
رحل اليه الكثير الكثير من طلبة الحديث والعلم ومنهم الامام الحافظ وأبو القاسم الطبراني صاحب المعاحم الثلاثة والامام الناقد ابو احمد بن عدى الحافظ ابو سعيد بن يونس المصري والشيخ أ[و سليمان بن زبر الدمشقي والحافظ ابو بكر المقرئ وغيرهم
أقوال أهل العلم:
قال الامام السمعاني في الانساب (4/52) كان اماما ثقه ثبتا فقيها عالما لم يخلف مثله
وقال ابن الجوزي في المنتظم (6/250) كان ثبتا فهما فقيها عاقلا
قال الذهبي في (مسير أعلام النبلاء) (15/27) الامام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها
وقال : ومن نظر في تواليف هذا الام علم محلة من العلم وسعة معارفه
وقال ابن الكثير في البداية (11/186) الفقيه الحنفي صاحب التصانيف المفيدة والفوائج الغزيرة وهو أحد الثقات الاثبات والحافظ الجهابذة.
مصنفاته:
صنف الطحاوي رحمة الله تصانيف متنوعة في العقيدة الحديث والتفسير والفقه وغيرها ومن أهمها:
1. شرح معاني الآثار وهو أول تصانيفه وهو كتاب مفيد يدرب الطالب العلم على التفقه ومناقشة الأدلة وطرق التفقه وطرق الاستنباط وقد طبع في الهند ومصر
2. شرح شكل الآثار وهو كتاب نفيس يحتوى بيان ما أشكل من الأحاديث النبوية ونفي التضاد المتوهم فيها بينها وقد طبع منه أربع أجزاء بالهند تقدر بثلث الكتاب الأصلي وفيها أخطاء وتصحيفات كثيرة
3. العقيدة الطحاوية وهي موضوع بحثنا هذا وقد حظيت شهرة واسعة وتلقتها الأمة بالقبول وتناولها غير واحد بالشرح منهم أكمل الدين محمد بن محمد البابرتي (712/786)، الامام القاضي علي بن علي بن ابي العز الحنفي الدمشقي (ت 792 هـ) وشرحه من أحسن شروح الطحاوية ، الفقيه المحقق عبد الغني الغنيمي الميداني الحنفي الدمشقي (ت 1298 هـ) (مطبوع) ، العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى في شرح مختصر وغيرهم.
4. سنن الشافعي وهو كتاب جمع فيه الطحاوي مسموعاته عن خاله المزني عن الشافعي (مطبوع في مجلد )
5. مختصر الطحاوي في الفقة الحنفي وهو على شاكلة مختصر المزني (مطبوع في مجلد)
6. الشروط الصغيره وهو مختصر في المعاني التي يحتاج الناس الي انشاء الكتب عليها في البياعات والشفع والاجارات والصدقات والمملوكات والموقوفات (مطبوع في مجلدين)
مناصـــــبة
أختار القاضي محمد بن عبده الامام الطحاوي ليكون كاتبه لما عرف عنه من الصفات الحميدة والعلم الوافر وتوثقت صلته بالقاضي حتى استخلفه وجعله نائبا عنه وظل في هذا المنصب الى سنه 292هـ ثم تولى منصبا آخر وهو الشهادة امام القاضي وكان هذا المنصب لا يتولاه الا من اقر له أهل العلم بالعلم والفضل والمعرفة والعدالة والنزاهة واستمر على ذلك الى نهاية حياته
عملي في الكتاب:
حاولت أن أكتب شرحا مختصرا ميسرا للعقيدة الطحاوية مستفيدا أولا من شرح الأمام على بن أبي العز الحنفي الرائع الذي استفاد معظمه من كتب وبحوث وفتاوي شيخ الاسلام ابي العباس ابن تيميه والامام المحقق شمس الدين ابن القيم رحمهم الله جميعا ، ومن هذه البحوث البحوث التي استفاد منها الشارح بن ابي العز : (درء تعارض العقل والنقل) و ( كتاب الايمان) و (ومنهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعه والدقرية ) وغيرها من كتب ابن تيمية رحمه الله وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ) و ( مدراج السالكين) و ( والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) و ( مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) و ( الروح ) كلها لأبن القيم رحمة الله تعالى
وسنتجنب الاسطتراد والتطويل قدر المستطاع مع الاعراض عن طريق المباحث الكلامية وتكرار شرح بعض العبارات في كلام الطحاوي كما وقع في شرح ابن أبي العز في ( القدر) مثلا واختصار الكلام على الأحاديث التي نوردها اثناء الشرح ووضع العناوين الهامشية لزيادة الايضاح.
ونسأل الله العليم والحكيم أن يعيننا على هذا المقصد وأن يفتح علينا ويلهمنا الرشد والصواب فمنه الإيجاد ومنه الإعداد ومنه الإمداد إنه هو السميع البصير وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي : (نقول في توحيد معتدين بتوفيق الله : أن الله واحد لا شريك له)
الشرح:
اعلم أن التوحيد (توحيد الألوهيه) أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وا,ل مقام يقوم فيه السالك الى الله عز وجل قال تعالى
(لقد ارسلنا نوحا الى قومة فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) الاعراف :59) وقال هود عليه السلام لقومه (أعبدوا الله مالكم من إله غيره) (الاعراف:73) وقال شعيب عليه السلام لقومه: (أعبدوا الله مالكم من إله غيره ) (الاعراف) ص85 وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل:36)
وقال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) الأنبياء 25.
وقال صلى الله عليه وسلم : (أمرت أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله )
ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله/ لا (النظر) ولا (الشك) كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم
بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول مايؤمر به العبد: الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا ميز أو بلغ
فالتوحيد أول مايدخل به الاسلام وآخر مايخرج به من الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه الا إله الا الله دخل الجنه)
فهو أول واجب وأخر واجب أي توحيد الألوهية فأن التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع:
أحدها: توحيد الأسماء والصفات
ثانيا: توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شئ ومالك كل شي ومدبر كل شي.
ثالثا: توحيد الألوهية ويقال له أيضا (توحيد العبادة وهو استحقاقه سبحانه وتعالى ان يعبد وحده لا شريك له.
أما النوع الأول: فأن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد كجهم بين صفوان والضال المبتدع رأس الجهمية ومن وافقه فأنهم قالوا : اثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب
وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة فان اثبات ذات مجردة من جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الخارج وانما في الذهن قد يفرض المحال ويتخيله وهذا غاية التعطيل.
وهذا القول قد أفضى بقول الى القول بـ (الحلول والاتحاد) وهو أقبح من كفر النصارى فأن النصارى قالوا بحلول الرب في المسيح فكفرهم الله تعالى بكتابه فكيف بمن قال بحلول الرب في كل شيء؟
ومن فروع توحيد هذا : أن فرعون وقومه كاملو الإيمان عارفون بالله على الحقيقه.
ومن فروعه: أنه لافرق في التحريم والتحليل بين الأم والأخت والأجنبية ولا فرق بين الماء والخمر والزنا والنكاح والكل ومن عن واحدة لا بل هو العين الواحدة ومن فروعه : أن الانبياء ضيقوا على الناس تعالى عما يقولون علو كبيرا
النوع الثاني: وهو توحيد الربوبية: وهو اعتقاد العبد أن الله تعالى هو الرب المنفرد بالخلق والرزق والملك التدبير وانه المحيي المميت النافع الضار المنفرد بإجابة الدعاء عند الأضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير وكله القادر على مايشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الأيمان بـ (القدر ) وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الاسلام بل لابد ان يأتي بلازمة من توحيد الألهيه لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) يونس 32
وقال تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) الزخرف 88 وقال (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ) العنكبوت 64 فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين بل قال تعالى عنهم (وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون) يوسف 107) فايمانهم عنهم هو توحيد الربوبية وأما شركهم وكفرهم فدعاؤهم غير الله تعلى وسؤالهم لأصناهم وتوجههم لهم بالذبح والنذر والتعظيم وزعمهم وغير ذلك من الشركيات وهذا التوحيد لم يذهب الى نقضيه طائفه معروفه من بني ادم بل القلوب مفطوره على الأقرار به أعظم من كونها مفطوره على الاقرار بغيره
الحلقة الخامسه:-
منكرو توحيد الربوبية
وأشهر من عرف بتجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون لعنه الله وقد كان مستقينا به في الباطن كما قال له موسى عليه السلام ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر) الاسراء 102 ، وقال تعالى عنه وعن قومه (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) النمل 14 ، ولهذا قال : ومارب العالمين؟ على وجه الأنكار له قال له موسى (رب السموات والأرض وما بينهما ان كنتم موقنين) الشعراء 24 ، ولم يعرف عن احد من الطوائف أنه قال : ان العالم له صانعان متماثلان في الصفات والافعال فان الثنوية من المجوس والمانويه القائلين بالأصلين : النور والظلمة وأن العالم صدر عنهما : متفقون على أن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود وأن الظلمة شريرة مذمومه وهم متنازعون في الظلمة هل هي قديمة أو محدثة ؟ فلم يثبتوا ربين متماثلين .
الربوبية عن النصارى:
واما النصارى القائلون بالتثليث فانهم لم يثبتوا للعالم ثلاث ارباب ينفصل بعضهم عن بعض بل متفقون على ان صانع العالم واحد ويقولون باسم الاب والابن وروح القدس إله واحد.
وقولهم في التثليث متناقض في نفسه وقولهم في الحلول أفسد منه ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير عنه لايكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد !!!!
**وهذا النوع- هو توحيد الربوبية هو الغاية عند كثير من أهل الكلام وطائفة من الصوفيه وظنوا انه التوحيد الذي دعت اليه الرسل عليهم السلام وليس الامر كذلك بل الذي دعت اليه الرسل هو النوع الثالث وهو الآتي:-
النوع الثالث: توحيد الالوهيه:-
وهو افراد الله تعالى بالعبادة وحدة لا شريك ونبذ كل الأنداد التي تعبد في الأرض بغير الحلق كالأحجار والشموس والأقمار والنجوم والقبور وغيرها .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن اثبات الألوهي لله وحده بأن يشهد أن لا اله إلا الله لا يعبد الا اياه ولا يتوكل الا عليه ولا يوالي الا له ولا يعادي الا فيه ولا يعمل الا لأجله وذلك يتضمن اثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء ، والصفات قال تعالى ( والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ) البقر 163 وقال تعالى ( وقال الله لا تخذوا إلهين اثنين انما هو اله واحد فإياي فارهبون) النحل 51.
وقال تعالى ( ومن يدع مع الله الها اخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون ) المؤمنون 177 وقال تعالى ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) الزخرف 45 ، وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس الى عبادة الله وحد لا شريك له وقال ( قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالو لقومهم انا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ابد بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) الممتحنه 4 .
وقال عن المشركين ( انهم كانو إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون ) الصافات 35-36 وهذه في القرآن كثير.
وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربويه وهو اعتقاد ان الله وحده خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من اهل الكلام والتصوف كنا اسلفنا فان هذا الامر مستقر عند جميع الامم على اختلاف شركها وكفرها كنا قال تعالى ( قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله افلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه ان كنت تعلمون سيقولون لله قل فأني تسحرون ) المؤمنون 84-89
فهم كانوا : مثرين بهذا التوحيد ولكنهم يخلطون بالشرك كما قال أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) يوسف 106
أي مع ايمانهم بتوحيد الربوبية هم يشركون في العبادة والدعاء والتوجه لغير الله تعالى مع ان توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الأولهية وأن لا يعبد الا الله كما قرر ذلك الله تعالى في كتابه في مواضع عدة وجعل الأول دليلا على الثاني كقول تعالى ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون امن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ماكان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قيلا ماتذكرون ) الآيات من سروة النمل 59-64 ، فيقول الله تعالى في آخر كل آيه إأله مع الله ) أي : أإله مع الله فعل هذا ؟ وهذ استفهام إنكار يتضمن نفي ذلك وهم كانو مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله تعالى فاحتج عليهم بذلك ، وكذا قوله تعالى ( يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقره 21 ، وكذلك قوله ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله ياتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) الانعام 46 .
((يتبع))