أرشيف الفتاوى

حكم الإحتفال بالإعياد الأجنبية

 ( الكريسماس – عيد الحب – عيد الفصح )

السؤال:

ما حكم الإسلام في الاحتفال المدارس الأجنبية الخاصة بأعياد النصارى المختلفة مثل ما يسمى بالكريسمس وعيد الحب وعيد الفصح؟

الجواب:

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه،

أما بعد:

فقد دلت نصوص الكتاب والسنة وعمل الأمة على حرمة مشاركة المشركين وأهل الكتاب من يهود ونصارى في أعيادهم وشعائر دينهم.

فمن الكتاب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} (الفرقان: 72).

فقد قال مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة وغيرهم أن المقصود هو: أعياد المشركين، كما في تفسير ابن جرير وغيره. وهذا لما فيه من الباطل والمنكر والفواحش والخنا كما هو معلوم ومشاهد.

وأما من السنة: فروى أنس بن مالك قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن ا لله قد أبدلكم بها خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» متفق عليه.

فوجه الدلالة من الحديث: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إن ا لله قد أبدلكم بها يومين آخرين» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذْ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (8/432).

وعن الثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا، قال: « فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم» قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» رواه أبو داود (3313)، وإسناده على شرط الشيخين.

وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم، ومحل أوثانهم، معصية لله تعالى. كما أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة مشابهة لهم، وتولياً لهم ولذويهم، وقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ} (المائدة: 51).

وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» رواه الترمذي بسند حسن.

وقال أيضاً: «ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم» رواه أحمد.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة وقد ذكرنا منها ما يكفي.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة:

«والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قومٌ منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عموماً (المصدر السابق 1/435).

وقال في موضع آخر ما معناه: الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب، من اعتقادات وإرادات وغير ذلك.

وأمور ظاهرة: من أقوال وأفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن، والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك.

وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر، من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً.

وقد بعث ا لله محمداً صلى الله عليه وسلم وشرع له من المناهج والشريعة ما يخالف سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في هديهم الظاهر، لما في مشابهتهم من المفاسد، ومنها:

1- أن المشاركة في الهدي الظاهر، تُورث تناسباً وتشاكلاً وتقارباً بين المتشابهين، وهذا خلاف المعاداة التي أمر ا لله تعالى بها المؤمنين.

2- أن المشاركة في الهدي الظاهر، تُوجب الاختلاط، وارتفاع التمييز بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.

3- أن اتباع هديهم سبب للخسران وغضب ا لله تعالى وسخطه، فالمشارك لهم فيه مشارك لهم في أسباب الغضب والخسران في الدنيا والآخرة.

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام ظاهراً وباطناً ـ وليس مجرد التسمية به ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم وعاداتهم أشد.

إلى آخر كلامه رحمه ا لله تعالى، وليرجع من أراد الاستزادة إلى كتابه.

وبناءً على ما تقدم، تبين لنا حرمة مشاركة أهل الكتاب أو المشركين في أعيادهم.

وفقنا ا لله جميعاً لاتباع سبيل النجاة والرضوان ،وجنبنا أسباب السخط والخسران، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى ا لله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى