المرأة المسلمة والحجاب 1
المرأة المسلمة والحجاب
رسالة للشيخ عبدالله السند رحمه الله
تحقيق وتعليق / محمد الحمودالنجدي
تمهيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
وبعد :
فبين يدك – أيها القارئ الكريم – رسالة مختصرة في حجمها ، كبيرة في فحواها ، تُعالج داء من أدواء أمتنا الإسلامية ، فشا فيها حتى كاد أن يكون هو المعروف وما سواه المنكر في بعض البلاد ، وعمَّ بعد أن كان مخصوصاً بأهل الشر والفساد ، ألا وهو التبرج والسفور ، الذي ابتلي به كثير من النساء ، هداهن الله تعالى إلى سواء السبيل ، وفكَّهنَّ من أسْرِ (1) أهوائِهن ، وأنقذهنَّ من حبائل شياطين الإنس والجن الذين ما فَتِئوا يُزيِّنون تبرجها وتكشفها وخروجها من بيتها واختلاطها بالرجال ، ويُحرِّضُونها على عصيان الأب والأخ والزوج ، وأن ذلك هو تحللها !! عفواً تحررها !! ووالله الذي لا إله إلا هو لقد آذانا وآذى كل مسلم غيور شهم ، تلك المناظر التي نراها في الطرقات والأسواق والمؤسسات ووسائل الإعلام المختلفة من هذه الفئة المتمردة على أوامر الله تعالى ورسوله r من النساء اللواتي تجردن من الحجاب ، وألقين الجلباب ، وتزيَّنَّ بكل زينة أُمِرنَ بإخفائها ، ولسان حالها يقول : ألا تنظرون إليَّ ! ألا ترون كم أنا جميلة وجذَّابة ! فهل من راغب في الوصال ؟!! شاءت هذا أم أبت ، رضيت أم كرهت !
وصدق من قال :
ورُبَّ قَبيحةٍ ما حَالَ بينـي
وبينَ رُكوبِها إلا الحيـاءُ
إذا رُزِقَ الفتى وَجْهاً وَقَاحاً
تَقَلَّب في الأمور كما يشاءُ
ثم العجب من كثير من الناس كيف أنهم لا يهتمون بهذا الأمر ، ولا يُزعجهم انتشاره في المجتمع ! مع أنه أخطر من قضية المخُدِرات بكثير!! لا نقول هذا مبالغين ، بل هذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، ودليل هذا : أن المخدِرات شهوة منحرفة يقع ضحيتها بعض الناس ممن شَذُّوا عن الفطرة السليمة ، أما الميل للنساء فهو فطرة وجبلة فُطِرَ عليها الرجال ، ولا يخلو منها إلا من كان به خللٌ في جسده! .
فإذا لم تُوجَّه هذه الفطرة نحو المباح من العلاقة – وهو الزواج – فإنها تجرف المجتمع بأسره إلى الفاحشة والعلاقة الآثمة ، التي هي نتيجة طبيعية وحتمية لهذا التبرج والتكشف والاختلاط ، ولهذا قالr : ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء (2) ، ولما ذكر الله تبارك وتعالى الشهوات بدأ بالنساء قبل بقية الأنواع فقال : ) زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ..( الآية ، فأيهما أولى بالحرب والمكافحة وأسهل كلفة : المخدرات أم التبرج ؟!!(3) .
ومن ناحية أخرى فإن فساد المرأة يعني فساد المجتمع كلَّه!! ، وذلك أن المرأة هي نصف المجتمع وتلد لنا النصف الآخر وتُربِّيه ، فإذا فسدت أخلاقها ، وتركت دينها فماذا يبقى لنا ؟! .
قال الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله : ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال : أصل كلِّ بلية وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام ، والطَّواعينُ المتصلة.
ولما اختلط البغايا بعسكر موسى ، وفشت فيهم الفاحشة : أرسل الله عليهم الطاعون ، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً ، والقصة مشهورة في كتب التفسير .
فمن أعظم أسباب الموت العام : كثرة الزنا ، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال ، والمشي بينهم متبرجات متجملات ، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية – قبل الدين – لكانوا أشدَّ شيء منعاً لذلك .
وقال قبل ذلك في بيان واجبات ولي الأمر :
ومن ذلك : أن وليّ الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ، ومجامع الرجال .
قال مالك رحمه الله ورضي عنه : أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم ، وأرى أن لا يترك المرأة الشَّابة تجلس إلى الصناع (4) ، فأما المرأة المُتَجالَّة والخادم الدُّون ، التي لا يُتَّهم على القعود ولا يتَّهم مَنْ تقعد عنده : فإني لا أرى بذلك بأساً . انتهى
فالإمام مسئول عن ذلك ، والفتنة به عظيمة ، قالr : ما تَركتُ بعدي فِتْنةً أضرُّ على الرجال من النساء (5) ، وفي حديث آخر : أنه قال للنساء : لَكُنَّ حَافَّات الطريق (6) .
ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ، ومنعهن من الثياب التي يكنَّ بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ، ومنع الرجال من ذلك .
وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة – إذا تجملت وتزينت وخرجت – ثيابها بحبرٍ ونحوه ، فقد رخّص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب ، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية ، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ، ولا سيما إذا خرجت متجملة ، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية ، والله سائل وليّ الأمر عن ذلك .
وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال ، والاختلاط بهم في الطريق ، فعلى وليِّ الأمر أن يقتدي به في ذلك .
وقال الخلال في جامعه : أخبرني محمد بن يحيى الكحال : أنه قال لأبي عبد الله : أرى الرجل السوء مع المرأة ، قال : صِحْ به . اهـ (7) .
وبعد : فقد تناول المؤلف رحمه الله تعالى هذه القضية بأسلوب سهل مبسط ، بيّن فيه الأدلة من الكتاب والسنة ، وخاطب فيه عقول الرجال بما فيه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وحَذِّرهم من مَغبة التساهل في هذا الأمر مع حلائلهم وكرائمهم ، وأنه لولا غضهم الطرف عنهن لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .
وقد قمت بمراجعة الكتاب وتصويب الأخطاء الطباعية ، وخرَّجت أحاديثه من مظانها مع تحقيق ما يحتاج منها إلى ذلك ، وأضفت بعض العناوين والتعليقات النافعة إن شاء الله تعالى ، راجياً من المولى الكريم تبارك وتعالى أن يقبل منا هذا العمل الصالح ، وأن يجعله خالصاً لوجهه ، وأن ينفع به المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، وأن يهب المسيئين منا للمحسنين ويتجاوز عنَّا وعن والدينا وذرياتنا وإخواننا والمسلمين بمنِّه وكرمه ، إنه هو الجواد الكريم ذو الفضل العظيم .
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين .
وكتب
محمد بن حمد الحمود النجدي
عامله الله تعالى بلطفه
الكويت – ليلة الثلاثاء الثامن عشر
من جمادى الآخرة سنة 1412 هـ
****************************************************
: ترجمة المؤلف
· اسمه ونسبه : قال هو عن نفسه كما في كتابه (( مائدة النبوة )) : أنا عبد الله بن عبد الرحمن بن علي بن سليمان بن سند بن محمد بن أحمد بن راشد بن حمد بن ناصر بن راشد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن مدلج بن حمد بن رباح البورباع .
· أسرته : قال في الكتاب الآنف الذكر : وقد كان لأجدادنا وعشيرتهم أسفار لطلب الرزق في أنحاء الأرض : نجد والعراق والكويت والشام ، وكانت لهم إقامة في (( هيت )) على ضفة نهر الفرات ، ولهم موالي وأملاك إلى يومنا ، وكان سند بن محمد له ابن اسمه عثمان ولد في جزيرة (( فيلكا )) ونشأ في الكويت وقرأ على الشيخ عبد الله الشارخ ، واشتهر في العلم ، وسافر من الكويت إلى البصرة سنة 1217هـ وتولى القضاء والتدريس في البصرة وتوفي رحمه الله في بغداد سنة 1251هـ وله مؤلفات كثيرة .
وكان علي بن سليمان بن سند رحمه الله والد والدنا (( عبد الرحمن )) يتولى التدريس في الجامع المسجد الأموي في دمشق خمسة عشر سنة ، من سنة 1229هـ إلى سنة 1244هـ .
· وهذه ترجمة موجزة بقلم الشيخ عبد الله العقيل حفظه الله تعالى كتبها في تقديمه لكتاب (( من مائدة النبوة )) :
. . تربطني بالمرحوم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السند صلة رحم ، كما أنني وإياه من بلدة واحدة ، غير أنَّ معرفتي العلمية تبدأ من لقاءاتي به في مجالس العلم التي كان يعقدها مشايخ الزبير أمثال العلامة المرحوم الشيخ ناصر بن أحمد مدير مدارس النجاة الأهلية ، والشيخ عبد الله السند إمام وخطيب مسجد النجادة ، والشيخ عبد الله الرابح مدير مدرسة الدويحس الدينية ، والشيخ إبراهيم المبيض إمام مسجد (( الرواف )) .
وكان رحمه الله من رواد هذه المجالس المشاركين فيها وقد عمل مدرساً في مدرسة (( النجاة الأهلية )) التي أسسها العلامة المرحوم محمد أمين الشنقيطي (8) والتي تعاقب على التدريس فيها ثلة من العلماء أمثال القاضي الشيخ عبد المحسن أبابطين ، والقاضي الشيخ أحمد خميس الخلف ، والدكتور تقي الدين الهلالي ، والشيخ جاسم العقرب ، والشيخ عبد الرزاق الدايل ، والشيخ عيسى الشرهان ، والأستاذ عبد الله الشارخ ، والشيخ عبد الله المزين ، والشيخ إبراهيم المبيض ، والشيخ عبد العزيز الربيعة ، وغيرهم من أفاضل العلماء .
· لقد اتصف المؤلف رحمه الله بالتزام الكتاب والسنة وتحري الدليل في كل حكم والبعد عن البدع والتحذير منها . . وكان حريصاً على تعلم العلم وتعليمه للناس بالكلمة المسموعة والمقروءة حيث أصدر الكثير ونشر العديد من المقالات وألقى الدروس والمواعظ والخطب والنصائح في مساجد الزبير والكويت ونفع الله بها العباد .
· وقد انتقل إلى جوار ربه أوائل شهر ذي القعدة سنة 1397هـ وحزن الكثيرون على فقده وشارك في تشييعه جَمعٌ غفير من إخوانه وتلامذته ومحبيه وعارفي فضله ، وترك فراغاً نسأل الله أن يُهيء له من العلماء من يملؤه .
· والفقيد – كما ذكر أخي الكريم عمر بن عبد الرزاق الدايل في كلمته التي رثاه بها في مجلة المجتمع – من مواليد الزبير تتلمذ على العلامة المرحوم الشنقيطي ثم عمل بمدرسة (( النجاة الأهلية )) وترك التدريس إلى الأعمال الحرة ، ثم انتقل إلى الكويت حيث عمل إماماً وخطيباً في (( جامع العثمان )) بالنقرة عدة سنوات ثم إماماً وخطيباً في جامع الصانع ثم جامع القطان وأخيراً إماماً في مسجد جمعية الإصلاح الإجتماعي وخطيباً في جامع الروضة الضاحية .
· ومن مؤلفاته رحمه الله :
1- كتاب ( الأحكام المفيدة ) وفيه جملة من الآيات القرآنية وعدد من الأحاديث النبوية مما اتفق عليه البخاري ومسلم أو انفرد به أحدهما رحمهما الله تعالى ، وقد رتَّب ذلك كله على أبواب كتب الفقه وأضاف إليه دعاء ختم القرآن .
وقد أثنى على الكتاب المذكور فضيلة الشيخ محمد سليمان الأشقر وأثنى عليه أيضاً أثناء زيارته للكويت مؤخراً فضيلة الشيخ القاضي يحيى الغسيل ( من علماء اليمن ) ورئيس مكتب الإرشاد والتوجيه في صنعاء وقال أنه مناسب ليقرر على طلاب المعاهد الدينية في اليمن .
2- ذكرى : وتضمن مجموعة الخطب المنبرية في الجمعة والعيدين . . التي ألقاها في جامع العثمان .
3- منسك الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي .
4- نصيحة الإنسان عن استعمال الدخان .
5- مجالس رمضان .
6- المرأة المسلمة والحجاب .
7- من مائدة النبوة . . وهو الذي نصدره بهذه المقدمة حيث ضَمَّ طائفة مختارة من أحاديث المصطفى r جمعها من أمهات كتب الحديث النبوي الشريف ، وسرَّ تناولها ليهتدي المسلمون برسول الله صلوات الله وسلامه عليه الذي أرسله الله للناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .
وليقتدوا به في كلِّ أقوالهم وأعمالهم : ) لقد كانَ لَكُم في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَة ( ، ونحن مأمورون بطاعة الله والرسول والأخذ بما أمرنا به والامتناع عما نهانا عنه ) مَنْ يُطع الرَّسُولَ فقدْ أطاعَ الله ( و ) ما آتاكُم الرسُولُ فخُذُوهُ وما نَهَاكُم عنه فانتَهُوا ( .
والله نسأل أن يتغمد الفقيد برحمته وأن يُسكنه فسيح جناته وأن يوفق المسلمين إلى الإلتزام بكتاب الله وسنة رسولهr ففيهما الفوز والنجاة والسعادة والنجاح ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين اهـ (9) .
ـالهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسير الهوى أعظم مصيبة وبلاء من أسير العدو ، فإن أسير العدو إن مات في أسره وهو متقٍ لربه صابر محتسب دخل الجنة ، وأما أسير الهوى فإن مات على ذلك فإلى أين يكون مصيره ومثواه ؟!! .
(2) أخرجه البخاري في النكاح في باب : ما يُتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى : ) إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم ( ( 9/137 ) ومسلم في الرقاق ( 4/2097-2098 ) من حديث أسامة بن زيد ، وقَرَن معه مسلم : سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل .
(3) ولا يعني هذا أننا نُهونُ من شأن المخدرات ، كلا! ولكن لندرك خطورة الأمر .
(4) كالخياط ونحوه ، ومن أهل المحال التجارية .
(5) سبق تخريجه .
(6) رواه أبو داود ( 5/5272 ) والبيهقي في (( شعب الإيمان )) (7822 ) عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه أنه سمع رسول الله r يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق ، فقال رسول الله r اسْتَأخِرْنَ ، فإنه ليس لكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق ، عليكم بحافَّات الطريق فكانت المرأة تلتصق بالجدار ، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
وروى مرسلاً بنحوه .
وفي سنده ضعف ، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة : أخرجه ابن حبان ( 1969 – موارد ) وابن عدي في الكامل (4/1321 )وعنه البيهقي في (( شعب الإيمان )) ( 7823 ) ولفظه : ليس للنساء وسط الطريق وفي سنده : مسلم بن خالد الزنجي صدوق كثير الأوهام . فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم .
(7) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ( ص 280 – 281 ) .
(8) وهو غير محمد الأمين الشنقيطي صاحب تفسير (( أضواء البيان )) رحمه الله تعالى .
(9) مقدمة (( من مائدة النبوة )) ( ص 3-4 ) .