الكلم المجموع في الهجر المشروع
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له قيوم السماوات والأرض ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، إمام الأنبياء وخاتم المرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين .
أما بعد :فإن الهجر الذي جاء في الكتاب والسنة على نوعين : الأول : الهجر بمعنى الترك للمنكرات والمحرمات .
والثاني : هجر الواقع فيها ، عقوبة له حتى يتركها .
فالأول هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم (( .. والمهاجر من هَجَرَ ما نهى الله عنه )) رواه البخاري من حديث ابن عمرو .
ومنه ما جاء في كتاب الله تعالى من وصف المؤمنين بأنهم يهجرون أماكن اللغو واللهو والباطل ، مثل قوله تعالى : (( قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون )) [ المؤمنين : 1 ـ 3 ]
وقوله : (( وإذا سَمعوا اللغوا أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين )) [ القصص :55 ].
وقوله : (( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغوا مروا كراما )) [ الفرقان : 72 ] .
وأوصى الله تعالى عباده بهجر هذه الأماكن فقال : (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يَخوضوا في حَديث غيره وإما يُنسينك الشيطان فلاتقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين )) [ الأنعام : 68 ]
وهذه الآية مكية وقد أعاد الوصية مرةً أخرى في سورة النساء وهي مَدَينة فقال : (( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكُفُرُ بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامعُ المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )) [ النساء : 140 ] .
وذلك أن جلوس المؤمنين معهم حال كفرهم واستهزائهم بآيات الله يدل على رضاهم بما يفعلون ويقولون ولذا قال تعالى : (( إنكم إذا مثلهم ))أو على أقل الأحوال فيه تكثير لسوادهم وعددهم وهو أمر حرمه الله تعالى .
فقد أنكر تبارك وتعالى على من أقام بين أهل الباطل والكفر وهو قادر على مفارقتهم إلى أهل الإيمان والتوحيد والعدل ، قال سبحانه : (( إن الذين توفاهم الملائكةُ ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كُنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرضُ الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنمُ وساءَت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا فأولئك عَسَى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا [ النساء : 97 ـ 99 ] فعَذَرَ أهل الضعف وعدم القدرة وقلة الحيلة من الرجال والنساء والولدان ولم يعذر غيرهم في عدم تركهم لبلاد الكفر والهجرة إلى بلاد الإسلام لما في الإقامة بينهم من تكثير سوادهم والرضا ظاهراً بحالهم وأخلاقهم .
وأما النوع الثاني : وهو الهجر بمعنى العقوبة فهو ما جاء في قوله تعالى : (( واللآتي تََخَافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا )) [ النساء : 34 ] .
فأرشد الله تعالى الزوج الذي يخاف من نشوز امرأته وتمردها وترفعها عن طاعته أن يعظها وينصحها ، فإذا لم يجد معها النصح والتذكير فعليه أن يهجرها في فراشها ويعرض ويصد عنها ، فإن لم يؤثر ذلك فيها ، فلهُ أن يضربها ضرباً غير مُبرح .
والهجر بهذا المعنى من الأدوية الشرعية النافعة التي أرشد إلى استعماله الله تبارك وتعالى في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته كما سيأتي ، إذا استعمل بضوابطه الشرعية وراعى الهاجر أحوال الناس واختلاف مراتبهم وحاجاتهم ، ومدى تأثير الهجر فيهم سلباً وإيجاباً .
ممن يكون هذا الهجر ؟
يكون هذا الهجر ممن له سلطة مادية ـ كالزوج والأب والحاكم ـ أو معنوية ـ كالعالم ـ على المهجور .
1 ـ وقد حصل هذا النوع من الهجر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هجر أزواجه شهرا كما في حديث أنس :
(( آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وقعد في مشربه له ( أي غرفة ) فنزل لتسع وعشرين فقيل : يا رسول الله : إنك آليت شهراً ؟ قال : إن الشهر تسع وعشرون )) رواه البخاري في كتاب النكاح ( 9 / 300 ) وكُنَّ قد طالبنه بزيادة النفقة .
ويستفاد منه :
أن هجر الزوجة مشروع فيما زاد على ثلاث ، إن كان القصدُ منه الردَّ عن معصية أو إصلاح دينها ، أو لغرض شرعي كفسق وابتداع وإيذاء وزجر .
ولأن قوله تعالى (( واهجروهن في المضاجع )) مطلق فلا يقيد إلا بدليل . [ الفتح ( 9 / 301 ) ]
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : عمن له زوجة لاتصلي هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة ؟ وإذا لم تفعل هل يجب عليه أن يفارقها أم لا ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : (( نعم يجب عليه أن يأمرها بالصلاة ، ويجب عليه ذلك ، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به ، إذا لم يقم غيره به وقد قال تعالى : (( وأمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )) وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا قُوُا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة )) وينبغي مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة ، كما يحضها على ما يحتاج إليه ، فإن أصرت على ترك الصلاة ، فعليه أن يطلقها وذلك واجب على الصحيح ، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يُصلي باتفاق المسلمين ، بل إذا لم يُصل قتل ، وهل يقتل كافراً مرتداً ؟
على قولين مشهورين ، والله أعلم )) [ مجموع الفتاوى ( 32 / 276 ـ 277 ) ]
2 ـ وهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلفوا عن غزوة (( تبوك )) كما جاء في الحديث عن كعب بن مالك : (( ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ، من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي الأرض فما هي التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنتُ أشب القوم وأجلدهم ، فكنتُ أخرج فأشهدُ الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول غي نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام عليَّ أم لا ؟ .. ) أخرجه البخاري في المغازي ( 8 / 113 ) ومسلم في التوبة ( 4 / 2120 ) .
وفي القصة : دليل على هجران الإمام والعالم والمطاع لمن فعل ما يستوجب العَتَب ، ويكون هجرانُهُ دواءً له بحيث لايضعفُ عن حصول الشفاء به ، ولا يزيد في الكمية والكيفية عليه فيهلكه ، إذ المُرادُ تأديبه لاإتلافه . [ زاد المعاد ( 3 / 575 / 578 ) ]
وقال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا : دليل على أنه جائز أن يهجر المرءُ أخاهُ إذا بَدَت منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له ، وزجراً عنه [ التمهيد ( 6 / 118 ) ] وقال النووي : إن كان الهجر لعذر بأن كان المهجور مذموم الحال ، لبدعة أو فسق أو نحوهما ، أوكان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلاتحريم وعلى هذا يحمل ماثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ، ونهيه صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامهم وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضا [ روضة الطالبين ( 7 / 367 ـ 368 ) ]وقال البغوي : وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خَافَ على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه ، فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم ، وعَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم . [ شرح السنة ( 1 / 226 ـ 227 ) ]
3 ـ وقال صلى الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يُخالل )) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح .وفيه التحذير من صحبة من تضر صحبته من المنافقين والفاسقين والمبتدعة واجتناب مجالسهم وأماكنهم .
4 ـ وقال صلى الله عليه وسلم : (( مثل الجليسُ الصالح والجليس السوء : كحاملُ المسكِ ونافخُ الكير ، فحامل المسكِ إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك وإما أن تَجِدَ ريحاً خبيثة )) متفق عليه .
قال الحافظ ابن حجر : (( وفي الحديث : النهي عن مجالسة من يُتأذى بمجالسته في الدين والدنيا ، والترغيب في مجالسة من يُنتفع بمجالسته فيهما )) [ الفتح ( 4 / 324 ) .
وقال النووي : وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أويكثرُ فجره وباطله ونحو ذلك من الأنواع المذمومة [ شرح مسلم ( 16 / 178 ) ]
5 ـ وقال صلى الله عليه وسلم : (( من سَمِعَ بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يَحسِبُ أنه مؤمن ، فيتبعه مما يَبعثُ به من الشبهات )) رواه أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح .
وهو يدلُّ أيضاً على اجتناب أهل الشُّبه والمجادلين بالباطل ، خشية أن يتأثر بهم المسلم فيتبعهم وينحرف عن الصراط المستقيم .
ومازال السلف : الصحابة والتابعون ومن بعدهم يهجرون من خالف السنة أو انحرف عن الاستقامة ، أو من دخل عليهم من كلامه مفسدة ، وهذه بعض الأمثلة :
1 ـ فعن عائشة رضي الله عنها أنها حُدثت أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشةُ : (( والله لَتَنتهين عائشة أو لأَحجرن عليها فقالت : أهو قال هذا ؟ قالوا : نعم ، قالت : هو لله عليَّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبداً ، فاستشفع ابنُ الزبير إليها حين طالت الهجرةُ فقال : لا والله لا أشفع فيه أبداً ولا أتحنث إلى نذري ..حتى شفع فيه المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وأكثروا على عائشة من التذكرة والتخريج حتى كلمته وأعتقت في نذرها ذاك أربعين رقبة )) [ أخرجه البخاري في المناقب ( 6 / 523 ـ 524 ) وفي الأدب ( 10/ 491 ) ] وعائشة رضي الله عنها لما كانت من أمهات المؤمنين وهي خالة عبد الله بن الزبير ، فقد هَجَرته لما أخطأ في حقها بقَسَمه أن يمنعها من التصرف في نفسها ومالها ، وهَجرُها له كان تأديبا وزجراً ، وقد أثر فيه وردعه عما كان قاله في حق الصديقة العاقلة الرشيدة رضي الله عنها .
2 ـ وجاء أن عبدا لله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال له أحد التابعين ـ وهو يحيى بن يَعمر ـ : يا أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويَتَقَفَّرون العلم ( أي يطلبونه وقيل يجمعونه ) وذكر من شأنهم ، وأنهم يزعمون أن لاقدر ، وأن الأمر أُنُفُ ، فقال له ابن عمر : (( فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريْ منهم وأنهم بُراءُ مني ، والذي يَحلفُ به عبدا لله ابن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر )) أخرجه مسلم في الإيمان ( 1 / 36 ـ 37 )
فابن عمر رضي الله عنهما صحابي جليل ، وعالم من العلماء ، وإمام متبع في وقته ، أظهر هجره وبراءته ممن أحدث هذه البدعة الغليظة وهي (( القدر )) التي تنطوي على نفي علم الله تعالى السابق للأشياء !! وأوصى محُدثه أن يُبلغهم هجره وبراءته منهم ، تحذيراً له وللمسلمين من شر هذه البدعة المنكرة .
3 ـ وجاء عنه أيضا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لايَمنَعَنَّ رجل أهله أن يأتوا المساجد ))فقال ابن لعبد الله بن عمر : فأنا نمنعهنَّ ! فقال عبد الله (( أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا ؟ قال : فما كلمه عبد الله حتى مات )) أخرجه بهذا السياق الإمام أحمد ( 2 / 36 ) بسند صحيح ، وأصله في البخاري ( 2 / 347 ، 382 ) ( 9 / 337 ) ومسلم ( 1 / 327 ) .
فعبد الله بن عمر هنا هَجَر ابنه بوصفه والده يملك حق تأديبه وزجره لأنه صرح برد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير عذر أبداه أو تأويل استند إليه .
4 ـ وعن عبد الله بن المُغفل أنه رأى رجلاً يَحذف ( وهو رمي الحصى ) فقال له : (( لاتخذف ! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف ـ وقال : (( إنه لا يصاد به صيد ، ولا ينكأ به عدو ولكنها تكسرُ السن وتفقأ العين )) ثم رآه بعد ذلك يخذف ! فقال له : أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف ـ أوكره الخذف ـ وتحذف ؟ ! لا أكلمك كذا وكذا )) وفي رواية : (( لا أكلمك أبدا )) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد ( 9 / 607 ) ومسلم في الصيد ( 3 / 1547 ) .
قال النووي في شرحه : (( فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنُابذي السُّنَّة مع العلم (1) وأنه يجوز هجرانه دائما ، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هَجَر لحظ نفسه ومعايش الدنيا ، وأما أهل البدع ونحوهم ، فهجرانهم دائما ، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له ، كحديث كعب بن مالك وغيره . (( شرح النووي على مسلم ( 13 / 106 ) .
وقال الحافظ ابن حجر : (( وفي الحديث : جواز هجران من خالف السُّنَّة ، وترك كلامه ، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث ، فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه )) ( الفتح ( 9 / 608 ) .
والذي يظهر أن عبد الله بن المغفل رأى في الرجل استهتاراً بالسنة وإعراضاً عن العمل بها ، لاسيما بعد تحديثه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهجره تأديباً له وزجراً لأمثاله .
( 1 ) ـ أي مع علمه بها أما الجاهل والمتأول لها تأويلاً سائغاً فلا يحل هجره لأنه معذور عند أهل العلم .
وقال القرطبي : (( وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا ، فتجنب أهل البدع والأهواء أولى )) (( تفسير القرطبي ( 5 / 418 ) )) وقال البغوي رحمه الله تعالى : (( وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مُجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم )) شرح السنة ( 1 / 227 ) .
وقال : (( وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة ، وظهور الأهواء والبدع فيهم ، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم ، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئاً من ألا هواء والبدع معتقداً ، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ، ويتبرأ منه ويتركه حيا وميتا فلا يسلم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ ، إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق )) المرجع السابق ( 1 / 224 ) وفي هذا نقول كثيرة عن السلف من التابعين وغيرهم رحمهم الله تعالى :
1 ـ فعن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (( يخوضون في آياتنا )) قال : يستهزؤن ، نُهي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن يَنسى فإذا ذَكَرَ فليقم ، وذلك قوله (( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) رواه ابن جرير وابن أبي شيبة وابن بطة في الإبانة ( 2 / 430 ) وغيرهم بسند صحيح .
2 ـوعن معمر عن قتادة (( فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره )) قال نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها ، وإن نسي فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين . الإبانة ( 2 / 430 ـ 431 ) بسند صحيح .
3 ـ وقال أبو قلابة : لاتجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لاآمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون .
رواه الدار مي ( 1 / 108 ) وابن وضاح في البدع واللالكائي ( 244 ) وابن بطة ( 2 / 435 ) بإسناد صحيح
4 ـ وعن الأصمعي قال : لم أرَ بيتاً أشبه بالسنة من قول عدي:
عن المر لا تسأل وأبصر قرينه
فإن القرين بالمقارن يقتدي
5 ـ وعن الحسن قال : لاتمكن أذنيك من صاحب هوى فيمرض قلبك ، ولاتجيبن أميرا وإن دعاك لتقرأ عنده سورة من القرآن فإنك لاتخرج من عنده إلا بشر مما دخلت عليه . الإبانة ( 2 / 444 ـ 445 ) وابن وضاح بلفظ قريب منه ( ص 50 ) .
6 ـ وجاء رجل إلى ابن سيرين فذكر له شيئا من القدر فوضع ابن سيرين إصبعيه في أُذنيه وقال : إما أن تخرج عني وإما أن أخرج عنك . أخرجه ابن سعد في لطبقات ( 7 / 197 ) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 1 / 133 ) والآجري في الشريعة ( 57 ) وغيرهم .
7 ـ وقال حماد بن يزيد : كنت مع أيوب ويونس وابن عون فمر بهم عمرو بن عبيد ـ وكان معتزلياً ـ فسلم عليهم ووقف فلم يردوا عليه السلام . ميزان الاعتدال ( 3 / 274 ) .
8 ـ ولما مرض سليمان التيمي بكى بكاء شديداً فقيل له : ما يبكيك ؟ الجزع من الموت ؟ فقال : لا ، ولكن مررت على قدري فسلمت عليه ، فأخاف أن يحاسبني ربي عليه . أخرجه أبو نعيم في الحلية ( 3 / 32 ) وابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 13 ـ 14 ) .
9 ـ وقال محمد بن كعب القرطبي : لاتجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم . وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول : من كان قدرياً فليقم .
وعن طاووس وأيوب وسليمان التيمي ويونس بن عبيد وغيرهم معنى ذلك . قال القاضي : وهو إجماع الصحابة والتابعين . الآداب الشرعية ( 1 / 232 ) .
10 ـ وقال الإمام أحمد : يجبُ هجرُ من كَفَر أو فسق ببدعة أودعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه ، أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره . الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ( 1 / 268 ) .
أي يهجره حفاظاً على دينه ووقاية له .
11 ـ وقال ابن هانئ النيسابوري : شهدتُ أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ في طريق مسجد الجامع وسلم عليه رجل من الشاكة فلم يرد عليه السلام فأعاده عليه فدفعه أبو عبد الله ولم يسلم عليه . مسائله عن الإمام أحمد ( 2 / 153 ) .
12 ـ وسئل الإمام أحمد عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعته أيجالس ؟ قال : (( لا يجالس ولايُكلم ، لعله أن يرجع ). المرجع السابق .
وقال ابن قدامة : (( كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم ، والاستماع لكلامهم .( الآداب الشرعية . 1/263 ) .
ويهجرون أيضاً بترك الصلاة خلفهم وعليهم .
فالمظهر للمنكر يجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتا إذا كان فيه كف لأمثاله ، فيتركون تشييع جنازته . انظر الآداب الشرعية ( 1 / 233 ـ 234 ) .
قال المر وذي : قلت لأبي عبد الله : اطلعنا من رجل على فجور وهو يتقدم يصلي بالناس ، أخرج من خلفه ؟
قال : أخرج من خلفه خروجاً لا تفحش عليه . المصدر السابق
قال ابن فرحون : ولا يصلى خلف أهل البدع رَدعاً لهم ، وقيل : لفساد عقيدتهم .
وقال : ولاتشهد جنائز أهل البدع ردعاً لهم . تبصرة الحكام ( 2 / 136 ) .
[ تحقيق فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية: فيمن يجب أو يجوز بغضه أو هجره ]
الحمد لله رب العالمين ، ولاعدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين .
فقد رأيت من باب إتمام الفائدة ، وتكميل البحث إلحاق هذا الجواب لشيخ الإسلام أبى العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى لما يحويه من ظوابط وفوائد في مسألة (( الهجر الشرعي )) .
فقد سئل رحمه الله تعالى :
عم يجب أو يجوز بغضه أو هجره ، أوكلاهما لله تعالى ؟ وماذا يُشترط على الذي يُبغضه أو يهجره لله تعالى من الشروط ؟ وهل يدخل ترك السلام في الهجران أم لا ؟ وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الرد عليه أم لا ؟ وهل يستمر البغض والهجران لله عز وجل ، حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهجره عليها ؟ أم يكون لذلك مدة معلومة ؟ فإن كان لها مدة معلومة ؟ فإن كان لها مدة معلومة فما حدها ؟ أفتونا مأجورين .
فأجاب : الهجر الشرعي نوعان : ( أحدهما ) بمعنى الترك للمنكرات . ( والثاني ) بمعنى العقوبة عليها .
فالأول : هو المذكور في قوله تعالى : (( وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يَخوضوا في حديث غيره ، وأما يُنسينكَ الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) وقوله تعالى : (( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا معتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنكم إذا مثلهم )) .
فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة ، مثل قوم يشربون الخمر ، يجلس عندهم ، وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك ، بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم ، أو حضر بغير اختياره ، ولهذا يقال : حاضر المنكر كفاعله ، وفي الحديث : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشرب عليها الخمر )) (1) وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات . كما قال صلى الله عليه وسلم : (( المهاجرُ من هَجَر ما نهى الله عنه )) .
ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان ، فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ، ومن هذا قوله تعالى : (( والرجز فاهجر )) [ المدثر : 5 ] .
حديث حسن ، أخرجه الترمذي (2801 ) عن جابر مرفوعا بلفظ ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير مئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ) وقال حسن غريب ، وفيه ليث بن أبي سليم صدوق وربما يهم بالشئء قاله البخاري . لكن له طريق أخرى عند الحاكم ( 4 / 288 ) يتقوى به
النوع الثاني : الهجر على وجه التأديب ، وهو هجر من يظهر المنكرات ، يُهجر حتى يتوب منها ، كما هَجَر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون : الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم ، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ، ولم يهجر من أظهر الخير ، وإن كان منافقاً ، فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير .
و (( التعزير )) يكون لمن ظَهَر منه ترك الواجبات ، وفعل المحرمات ، كتارك الصلاة والزاة والتظاهر بالمظالم والفواحش ، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع .
وهذا حقيقة قول من قال من السلف والائمة : إن الدعاة إلى البدع لاتقبل شهادتهم ، ولا يصلى خلفهم ، ولا يؤخذ عنهم العلم ، ولايناكحون . فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ، ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية ، لأن الداعية أظهر المنكرات ، فاستحق العقوبة ، بخلاف الكاتم ، فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ، ويكل سرائرهم إلى الله ، مع علمه بحال كثير منهم .
ولهذا جاء في الحديث : (( إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر ضرت العامة )) (1) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الناس إذا رأوا المُنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه )) (2)
فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها ، بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة .
[اختلاف الهجر بحسب قوة المؤمن وضعفه وبحسب رجحان المصلحة واختلاف الزمان والمكان ]
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم ، فإن المقصود به : زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله ، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يُفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا ، وإن كان لا المهجور ولاغيره يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والهاجر ضعيف ، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته ، لم يُشرع الهجر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجرُ لبعض الناس أنفع من التأليف : ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين ، كما أن الثلاثة الذين خُلفوا كانوا خبيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم ،لما كان أولئك كانوا سادة مطاعون في عشائرهم ، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم ، وهؤلاء كانوا مؤمنين ، والمؤمنون سواهم كثير ، فكان في هجرهم عزُّ الدين ، وتطهيرهم من ذنوبهم ، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة ، والمهادنة تارة ، وأخذ الجزية تارة ، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح .
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ، ولهذا كان يُفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة ، والتنجيم بخرا سان ، والتشيع بالكوفة ، وبين ما ليس كذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم ، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه .
معنى حديث ، رواه أحمد ( 4 / 192 ) وابن المبارك في كتاب (( الزهد )) ( 1352 ) والطبراني في الكبير ( 17 / 130 ) والطحاوي في (( مشكل الآثار )) ( 2 / 66 ) والبغوي في (( شرح السنة )) ( 14 / 346 ) .
عن عدي بن عدي الكندي قال حدثنا مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك ، عذب الله العامة والخاصة ))
قال الهيثمي في المجمع ( 7 / 267 ) : وفيه رجل لم يسم . (( وهو المولى المذكور )) وله شاهد من حديث العرس بن عميرة بنحوه ، أخرجه الطبراني في الكبير ( 17 / 130 ) . قال في المجمع ( 7 / 268 ) : ورجاله ثقات .
قلت : وهو إسناد حسن ، لكن فيه خالد بن يزيد ، لم يتميز لي من هو ؟ وشاهد ثان : أخرجه الخطيب في رواة مالك عن طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعاً بنحوه ـ كما في الدر المنثور ( 3 / 127 )
( 2 ) حديث صحيح ، أخرجه أحمد ( 1 / 2 ، 5 ، 7 ) وأبو داود في الملاحم ( 4338 ) والترمذي في الفتن ( 2168 ) وفي التفسير ( 3057 ) وابن ماجة ( 4005 ) وابن حبان في صحيحه ( 1837 ) عن أبي بكر الصديق قال : يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
[ الحذر من أن يكون الهجر لغضب النفس وانتقامها ]:
وإذا عرف هذا ، فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله ، فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله ، وأن تكون موافقة لأمره ، فتكون خالصة لله صوابا ، قمن هَجَر لهوى نفسه ، أو هجر هجراً غير مأمور به : كان خارجاً عن هذا وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله !
والهجرُ لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث ، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيصد هذا ويصدُ هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) فلم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثرمن ثلاث .
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : تُفتحُ أبواب الجنة كل اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ، إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا )) فهذا الهجر لحق الإنسان حرام ، وإنما رُخص في بعضه ، كما رُخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذانشزت ، وكما رُخص في هجر الثلاث .
فينبغي أن يُفرق بين الهجر لحق الله ، وبين الهجر لحق نفسه . ف(الأول ) مأمور به و( الثاني ) منهي عنه ، لأن المؤمنين إخوة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( لا تقاطعوا ولاتدابروا ، ولاتباغضوا ، ولاتَحَاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم )) (1) وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن : ( ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة ، والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : (( إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول تَحلقُ الشعر ، ولكن تحلق الدين (2 ) . وقال في الحديث الصحيح : (( مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )) ( 3 )
( 1) رواه مسلم في البر والصلة ( 4 / 1986 ) عن أبي هريرة ، لكن لفظه (( لاتحاسدوا ولاتناجشوا ولاتباغضوا ولاتدابروا ولايبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه .. )) وله ألفاظ أخرى عن أنس .
( 2 ) حديث صحيح ، أخرجه أبو داود ( 4919 ) والترمذي ( 2509 ) وأحمد ( 6 / 445 ) وابن حبان ( 5070 ) عن أم الدر داء به ولفظه (( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا بلى ، قال : (( إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة )) .
قال الترمذي : حديث صحيح ، وهو كما قال . وأما قوله (( لا أقول تحلق الشعر .ز الخ )) فهي قطعة من حديث الزبير بن العوام : أخرجه الترمذي ( 2510 ) وأحمد ( 1 / 165 ، 167 ) عن يعيش بن الوليد أن مولى الزبير حدثه أن الزبير حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( دب إليكم داءُ الأمم الحسدُ والبغضاء ، هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أنبئكم بما يُثبتُ ذاكم لكم ؟ أفشوا السلام بينكم )) وفيه جهالة مولى الزبير .
ورواه البزار ( 2002 ـ زوائد ) لكن جعله من مسند ابن الزبير ، وفيه العلة السابقة ، ومع هذا فقد قال الهيثمي ( 8 / 30 ) : وإسناده جيد !
( 3 ) رواه مسلم ( 4/ 1999 ـ 2000 ) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه .