قطف الأزهار في آداب الأسفار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فهذه رسالة لطيفة في آداب السفر ، اكتبها ونحن في أوائل شهور العطلة الصيفية حيث يكثر السفر والمسافرون ، لتكون تذكرة وموعظة للمتقين ، للاقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره ، وامتثالا لقول رب العالمين ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا( ( الأحزاب : 21 ) .
وسميتها : (( قطف الأزهار في آداب الأسفار )) .
وذكرت فيها أيضا : مزالق السفر ومنكراته التي فشت في هذه الأيام ، نسأل الله العظيم الحليم أن يقينا شرها ، ، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين ، إنه سميع الدعاء ، وهو ولي الصالحين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
وكتبه محمد الحمود النجدي .
في المحرم من سنة 1415 هـ
أنواع السفر
السفر ينقسم إلى مذموم ومحمود ومباح
فأما المذموم : فهو ماكان في معصية الله تعالى ، كسفر العاق لوالديه ، وكسفر المرأة دون محرم ، وكالسفر للوقوع في الفواحش والمحرمات ، والسفر من بلد وقع بها الطاعون ( 1) .
وأما المحمود : فمنه ما هو واجب كالحج والسفر لطلب العلم الذي هو فريضة على كل
مسلم (2) .
ومنه ما هو مستحب : كشد الرحال لزيارة المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى .
وكزيارة العلماء للتخلق بأخلاقهم وآدابهم ، وتحريك الرغبة للاقتداء بهم ، واقتباس الفوائد العلمية من أنفاسهم .
وأما المباح : كالسفر لطلب المعاش والمال .
ومن كان قصده بطلب المال التعفف عن السؤال ، وستر الأهل والعيال ، والتصدق بما يفضل عن الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من المستحبات ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) (3) .
ويدخل في السفر المباح : السفر بقصد الاستجمام والترويح عن النفس ، مادام ذلك في حدود ما أباح الله تعالى لعباده من الطيبات ، وإذا قصد بذلك العودة إلى العمل الصالح بنشاط وقوة فإنه يؤجر عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( … النظر إلى الأشجار والخيل والبهائم إذا كان على وجه استحسان الدنيا والرياسة والمال فهو مذموم ، لقوله تعالى : (( ولاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى )) ( طه : 131 ) .
وأما إذا كان على وجه لا ينقص الدين ، وإنما فيه راحة النفس فقط ، كالنظر إلى الإزهار ، فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق )) (4) .
( 1) ـ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلاتخرجوا منها )) متفق عليه ) من حديث أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وانظر حكم النهي عن الخروج في الفتح ( 10 / 189 )
(2) ـ وهذا كثير في السلف رضي الله عنهم انظر كتاب (( الرحلة في طلب الحديث )) للخطيب البغدادي وغيره .
انظر (( موعظة المؤمنين )) ( ص 238 ) .
ـ مختصر الفتاوى المصرية للبعلي ( ص 21 ) .
أما السياحة المجردة ففيها تضييع للأعمار ، وتشتيت للقلب وإجهاد للبدن ، ولا تخلو من إسراف في إنفاق المال .
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ما السياحة من الإسلام في شيء ، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين ، ولأن السفر يشتت القلب ، فلا ينبغي للمريد أن يسافر إلافي طلب علم ، أو مشاهدة شيخ يقتدى به . اهـ (1) .
وجاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه : إن رجلا قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى )) (2)
آداب السفر :
1 ـ تقديم الاستخارة : فعن جابر رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول : اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولاأقدرُ ، وتعلم وأعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : في عاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه ، وإن كنت تعلم إن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : في عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيثُ كان ثم رضني به ويسمي حاجته )) .
والاستخارة هي استفعال من الخير أو الخيرة ، واستخارة الله : طلب من الخيرة ، وخار الله له أعطاه ما هو خير له ، والمراد : طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما ( 3)
فما خاب من استشار الخالق سبحانه في أموره كلها ، فإنه لا يدري أين تكون مصلحته ، وفي الإستخارة تفويض أمره إلى ربه سبحانه ليختار له فيه الخير .
_______________________________
ـ الآداب الشرعية والمنح المرعية (( لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي ))
( 1 / 431 )
( 2 ) رواه أبو داود ( 2486 ) والحاكم ( 2 / 73 ) بسند صحيح .
( 3 ) ـ الفتح ( 11 / 183 )
2 ـ التوبة إلى الله تعالى من المعاصي ، ورد المظالم ، وقضاء الديون وإعداد النفقة لمن تلزمه ، ورد الودائع إلى أصحابها إن كانت عنده ، ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب ، وليأخذ قدراً يوسع به على رفقائه ، ولابد في السفر من طيب الكلام ، وإطعام الطعام ، وإظهار مكارم الأخلاق ، والسفر من أسباب الضجر ، ومن أحسن خُلُقه في الضجر فهو الحسن الخلق .
ومن تمام حسن خلق المسافر : الإحسان إلى المكاري ( الذي يؤجر دابته للحمل والركوب ) ومعاونة الرفقة والأصحاب بكل ممكن ، وإعانة المنقطع بمركوب أو زاد ، وتمام ذلك مع الرفقاء بمزاح ، ومطايبة في بعض الأوقات من غير فحش ومعصية ، وليكون ذلك شفاءً لضجر السفر ومشاقه (1) .
3 ـ استئذان الوالدين للسفر ، إذ لا يجوز السفر المباح والمستحب إلا بإذنهما ، وأن تستأذن المرأة زوجها ، وأن لا تسافر إلامع ذي محرم كأب أو أخ أو زوج أوعم ونحوه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تسافر المرأة إلامع ذي محرم )) متفق عليه .
4 ـ أن يطلب الرفقة الصالحة الخيرة ، لتعينه على الخير إذا ذكره ، وتذكرة به إذا نسيه ، وقد أمر الله تعالى بمصاحبة الصالحين ، فقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولاتعدُ عيناك عنهم تُريدُ زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )) ( الكهف ) .
وقال سبحانه : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) ( سورة التوبة ) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لاتصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلاتقي )) رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن .
وليحذر المسلم ـ وخصوصا الشباب ـ من مصاحبة الأشرار وأهل الأهواء والشهوات المضلة ، الذين يُزينون له الفواحش على أنها بطولة ورجولة ، ويدلونه على أماكن الشر والفساد فيزدرونه
5 ـ أن يخرج في رفقة ثلاثة أو أكثر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( المسافر شيطان والمسافران شيطانان ، والثلاثة ركب )) رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم الناسُ مافي الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده )) رواه البخاري . قال الحافظ ابن حجر : (( لو يعلم الناس …) أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك .
6 ـ وأن يقول المسافر للمقيم (( أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه )) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن ابن ماجة بسند صحيح .
وأن يقول المقيم للمسافر : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يقول للرجل : تعال أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول : (( استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك )) ورواه أبو داود والترمذي بسند صحيح .
والمراد بالأمانة هاهنا : أهله ومن يخلفه منهم ، وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينة ووكيله ، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر قد يكون سبباً لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق فيها . ذكر ذلك الخطابي وغيره .
وجاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني أريد سفراً فزودني ، قال : (( زودك الله التقوى )) قال زدني ، قال (( وغفر ذنبك )) قال زدني ، قال : (( ويسر لك الخير حيث ما كنت )) رواه الترمذي (3444 ) وحسنه من حديث أنس وهو كما قال .
وقال ابن عبد البر في كتابه (( بهجة المجالس )) : إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع إخوانه ، فإن الله جاعل في دعائهم بركة .
وقال الشعبي : السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه إخوانه فيسلمون عليه وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعائهم [ الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي رحمه الله ( 1 / 421 )
وقال عيسى بن جعفر : ودعت أحمد بن حنبل حين أردت الخروج إلى بابل فقال : لاجعله الله آخر العهد منا ومنك [ المصدر السابق ( 1 / 420 ) .
7 ـ وأن يقول عند خروجه من منزله : بسم الله توكلت على الله لاحول ولاقوة إلا بالله ، فإنه يقال له : كفيت ووقيت ويتنحى عنه الشيطان ، كما في حديث أنس رضي الله عنه رواه الترمذي ( 3426 ) بسند صحيح .
8 ـ ويذكر دعاء السفر في خروجه وعند رجوعه ، فإن فيه خيراً كثيراً وتيسيراً عظيماً للمسافر .
وهو ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال : (( سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) [ الزخرف : 13 ـ 14 ] ، (( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوعنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل )) وإذا رجع قالهن وزاد فيهن (( آيبون تائبون لربنا حامدون )) رواه مسلم .
ومعنى (( مقرنين )) : مطيقين .
9 ـ وأن يكبر الله تعالى كلما علا شرفا ( جبل أوتل أو غيره ) وأن يسبح الله تعالى إذا نزل واديا ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا نزلنا سبحنا . رواه البخاري ونحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما .
10 ـ ويستحب السفر يوم الخميس لحديث كعب بن مالك قال : (( قل ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس )) رواه البخاري .
وقال النووي : فإن لم يكن في يوم الاثنين ، لأنه صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة يوم الاثنين .
11 ـ ويستحب أن يكون في أول النهار ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم بارك لأمتي في بكورها )) رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وفي لفظ (( بورك لأمتي في بكورها )) رواه الطبراني في الصغير والأوسط بسند صحيح .
ومع ذلك فإنه يجتنب التشأوم بالأيام أو الساعات أو الشهور لأن ذلك من التطير المحرم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل ويكره التشأوم .
12 ـ أن يغتنم السير في الليل إذا قدر عليه ، لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الأرض تُطوى بالليل )) رواه أبو داود بسند حسن .
وقد احتج أبو داود وغيره على كراهة السير أول الليل بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لاترسلوا فواشيكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ، فإن الشياطين تبعث إذا غابت الشمس ، حتى تذهب فحمة العشاء )) رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
والفواشي : كل شيء منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها ، وهي جمع فاشية لأنها تفشوا أي تنتشر في الأرض (( نووي ) .
13 ـ وإذا نزل للنوم والاستراحة فليجتنب الطريق ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا سافرتم في الخصب ، فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير ، وإذا عرستم بالليل ، فاجتنبوا الطريق فأنها مأوى الهوام بالليل )) رواه مسلم . وفي رواية : (( فإنها طرق الدواب ، ومأوى الهوام بالليل )) .
والتعريس : النزول آخر الليل للنوم والاستراحة قال النووي رحمه الله : وهذا أدب من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسلم ، لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع وغيرها ، تمشي في الليل على الطرق لسهولتها ، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه ـ وما تجد فيها من رمة ونحوها ، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر به ما يؤذيه ، فينبغي أن يتباعد عن الطريق .
14 ـ أن يؤمروا أحدهم لضبط أمورهم ، وحسم اختلافهم لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم )) رواه أبو داود بسند حسن .
فائدة : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر ، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع . ا هـ .
15 ـ يستحب لهم إذا نزلوا منزلاً أن لا يتفرقوا بل يجتمعوا من غير أن يضيق بعضهم على بعض ، لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان )) فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض . رواه أبو داود بسند جيد .
16 ـ أن يذكر دعاء المنزل ، وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : (( من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك )) رواه مسلم .
17 ـ ويستحب له أن يتعجل الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته من سفره لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه ، فليعجل الرجوع إلى أهله )) رواه البخاري ومسلم ( 3 / 1526 ) .فالسفر يمنع كمال النوم ، لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد ، والسرى والخوف ، ومفارقة الأهل والأصحاب ، وخشونة العيش .
والنهمة : هي الحاجة .
فالمقصود بهذا الحديث : استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء شغله ، ولا يتأخر بما ليس بمهم ( نووي ) .
18 ـ وإذا رجع إلى أهله فلا يدخل عليهم غفلة دون أن يبلغهم قدومه ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ، كان لا يدخل إلاغدوة أو عشية )) متفق عليه .وفي رواية لمسلم ( 3 / 1528 ) : (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجلُ أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم )) .
قال أهل اللغة : الطروق المجي بالليل من سفر أو غيره على غفلة ، ويقال لكل آت بالليل طارق ولايقال بالنهار إلا مجازا .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أطال أحدكم الغيبة ..) يدل على أن ذلك مقيد بالسفر الطويل ، فإما أن يخرج لحاجته مثلا نهاراً ويرجع ليلاً ، فلا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة ، فيقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالباً على ما يكره ، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما ، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية ، والشرع محرض على الستر ، مانع من التجسس ، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله : (( أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم )) .
أما من أعلم أهله بوصوله وأنه يقدم في وقت كذا ، فلا يتناوله هذا النهي . وقد صرح بذلك ابن خزيمة في صحيحة . ثم ساق من حديث ابن عمر قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال (( لاتطرقوا النساء )) وأرسل من يؤذن الناس انهم قادمون [ الفتح ( 9 / 340 ) بتصرف .وقد جاء في رواية جابر .. فلما قدمنا ( يني من غزوة ) ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم : (( أمهلوا حتى تدخلوا ليلا ـ أي عشاءً ـ لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة )) رواه البخاري . وهو يدل أيضا على الإعلام ثم الإمهال قبل الدخول حتى تمتشط المرأة الشعثة أي التي انتشر وتفرق شعرها . وتستحد : مأخوذ من الحديد ، ومعناه الاحتلاق بالموسى ، كحلق العانة وغيره .
19 ـ ويستحب أن : (( يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه ، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به ، فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحب في الطريق لهم )) [ موعظة المؤمنين ( 240 )]
منكرات الأسفار
وتتميما للفائدة نذكر أهم ما شاع في هذا العصر من مخالفات ومنكرات في الأسفار :
1 ـ السفر إلى بلاد المشركين والكفار :
وهو من أعظم المنكرات التي فشت في هذه الأيام ، بل ارتبط مفهوم السياحة بالسفر لدول الكفر في الشرق والغرب ! ولا يخفى على كل مسلم عاقل واقع بلاد الكفر اليوم من الإلحاد ونسيان الله تعالى والدين واليوم الآخر ، فلا تكاد تذكر ، واستباحة الكبائر والفواحش كالزنا واللواط وانتشار ذلك حتى في الأماكن العامة والحدائق ، بل وإتيان الفواحش حتى مع الأطفال والبهائم ! وغير ذلك من الأخلاق السيئة والعادات القبيحة التي هي أضر على العبد من الموت والقتل كما قال تعالى : (( والفتنة أشد من القتل )) ( سورة البقرة : 191 ) .
وإذا كانت بلاد المشركين اليوم تتميز بالجمال والخضرة وبرودة الجو فإنها جنة الكافر التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) رواه مسلم . على أنها جنة مادية ظاهرية لاسعادة للأرواح فيها فإن من أمعن فيها النظر رأى أن أهلها يعيشون في عذاب وتعاسة ، لكثرة الجرائم عندهم من القتل والسرقة والنهب وهتك الأعراض ، إلى جنب القلق والحيرة وضياع الهدف وغيرها من المشاكل النفسية التي تدفع بالعشرات منهم إلى الانتحار ، والحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان .
وقد نهى ربنا جل شأنه عن الإعجاب بالكفار وأموالهم وأولادهم فقال : (( فلاتعجبك أموالهم ولاأولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )) ( سورة التوبة : 55 ) . وقد حذر العلماء الأجلاء ـ رحمهم الله جميعاً ـ قديماً وحديثاً من مخاطر السفر لبلاد المشركين والإقامة بين أظهرهم مستدلين بنصوص الكتاب والسنة ، فمن ذلك : ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ـ الفتوى رقم ( 4873 ) : يقول السائل : أذهب لرحلة كل عام في الخارج (( اليونان ـ النمسا ) أنا وزوجتي وطفلتي ونقضي فترة أسبوعين في البحر والجزر اليونانية الجميلة والحدائق كنوع من الفسحة البريئة ، هل يجوز ذلك مع العلم أنني أحافظ على الصلاة أنا وزوجتي ـ وزوجتي لاتكشف عن جسدها ـ لاناكل إلا الفواكه لانحتك بالأجانب ورؤية عوراتهم أفيدونا بذلك ؟
الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي ، وليس قصد الفسحة مسوغاً للسفر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين )) رواه أبو داود
ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور لما في ذلك من التعرض للفتن ، والإقامة بين أظهر الكفار ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين )) وجاء في هذا المعنى أحاديث أخرى .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز عبد الرزاق عفيفي
عضو عضو
عبدا لله بن قعود عبد الله الغديان
2 ـ ومن منكرات السفر الفاشية بين المسلمين اليوم سفر المرأة دون محرم ، إما جهلا بأحكام الشريعة الغراء ، وإما تهاونا واستهتارا بها ، عياذاً بربنا من ذلك .
وسفر المرأة دون محرم من المحرمات المفضية للوقوع في الفواحش ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم )) رواه البخاري ومسلم .
ولم يقيد هذا الحديث بمسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة ، ولا فرق في ذلك بين المرأة الشابة والعجوز ، فيجب على جميع المسلمات اصطحاب المحارم عند السفر ، ويجب على أولياءهن من الرجال ألا يسمحوا لهن بالسفر دون محرم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )) وألا يلتفتوا إلى قول من يقول : إن السفر اليوم بالطائرات آمن ولاخطر عليهن ! فقد وقع عدة حوادث مؤسفة في هذا المجال ، وكل خير في اتباع الكتاب والسنة وكل شر في مخالفتهما ، والسعيد من اعتبر بغيره .
تنبيه : ومما يدخل في هذا الباب : ركوب المرأة مع السائق وحدها ، لأن هذا من الخلوة المحرمة ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) رواه أحمد والترمذي بسند صحيح .
3 ـ ومن المنكرات في السفر : ما تقوم به بعض المسافرات الجاهلات من نزعهن لحجابهن وكشفهن وجوههن بمجرد ركوب الطائرة !! أو مغادرة بلدهن ! يخالفن بذلك ، قوله تعالى (( وليضبرن بخُمُرهن على جيبوهن )) وقله : (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن .. )) ( سورة النور : 31 ) ، وقوله تعالى (( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن )) ( الأحزاب ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان )) رواه أبو داود .
والمسلمة المؤمنة هي من توقن بأن الله تعالى مطلع عليها في كل زمان ومكان سراً وعلانية ، وأن ما يحرم عليها في بلدها يحرم عليها في غيره من بلاد الله تعالى ، وإذا كانت تستحي من أهل بلدها فالله تعالى أحق أن يُستحيا منه في كل زمان ومكان ، لأنه لاتخفى عليه خافية ولا يغيب عن سمعه وبصره شيء جل وعلا . وبعضهن يتعللن بأنهن يستحين من لبس الحجاب في غير بلادهن خشية السخرية بهن !! فلهن نقول (( عجباً لمن تخجل من الحجاب ؟ ! أتخجل منه ولا تخجل من نظرات الرجال إلى جسدها ؟ ! أتخجل من الفضيلة والشرف والحياء ، ولا تخجل من الوقاحة والاستهتار بمعصية الله ؟ .. )) ( من كتاب المتبرجات للزهراء ) .
وصفات الحجاب الشرعي التي يجب توفرها في لباس المرأة هي :
1 ـ أن يستوعب جميع البدن بلا استثناء .
2 ـ ألا يكون زينة في نفسه .
3 ـ أن يكون سميكاً لا يشف ما تحته من الجسم .
4 ـ أن يكون واسعاً لا يحدد أعضاء الجسد .
5 ـ ألا يكون مطيبا بالعطر أو البخور .
6 ـ ألا يشبه لباس الرجال .
7 ـ ألا يشبه لباس الراهبات والكافرات الفاجرات .
8 ـ ألا يكون ثوب شهرة ، أي ثوباً تشتهر به .
4 ـ ومن المنكرات ما ابتلى به كثير من المسلمات من ملاحقة الأزياء والموديلات الغربية ، وآخر الصرعات ، وبذل الأموال الطائلة ، وتبذير الدنانير في سبيل شرائها أو تفصيلها عند السفر ، أو في البلاد التي يسافرون إليها . وقد قال تعالى : (( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا )) ( الإسراء : 27 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم (( رُب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة )) رواه البخاري .
أي : كم من امرأة كاسية في الدنيا بأنواع الملابس والحلي والزينة ، لكنها يوم القيامة عارية من العمل الصالح والأجر والثواب . وتجد كثيراً من النساء ـ إن لم يكن أغلبهن ـ قد امتلأت خزانات ملابسهن بأنواع الثياب وألوانها ، وهي لاتزال تطلب المزيد ، وصدق صلى الله عليه وسلم حيث يقول (( لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لتمنى أن يكون له واديان ، ولو كان له واديان لتمنى ثالثا ، ولن يملاْ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب )) رواه مسلم
5 ـ ومن أخطر المنكرات التي يقع فيها المسافرون من الشباب ارتياد أماكن الفساد وبيوت الدعارة والرذيلة حيث تباع فيها أجساد النساء كما تباع السلع ، وقد تفننت دول الكفر في إيقاع المسافرين والسياح في جريمة الزنا ، حرصاً على الأموال التي تجُنى من وراء هذه الفعلة النكراء ، بل أصبحت هذه التجارة ترخص في كثير من البلاد من قبل الدولة وصدق الله تعالى إذ يقول فيهم (( إن هم إلا كالنعام بل هم أضل سبيلا )) ( سورة الفرقان : 44 ) .
وقد حذر الله تعالى عباده الصالحين من هذه الجريمة النكراء فقال جلا وعلا (( ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلا ً )) ( سورة الإسراء : 32 ) .
وقال سبحانه وتعالى : (( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلازان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )) ( سورة النور : 3 ) .
وقال سبحانه : (( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب )) ( سورة الفرقان : 68 ـ 69 ) . وقال صلى الله عليه وسلم (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .. )) متفق عليه .
فليحذر العبد أن يقع فيما يغضب ربه ويسخطه ، وليعلم أن ربه مطلع عليه تمام الإطلاع (( وهو معكم أينما كنتم )) فليستح من نظر الله تعالى له حيثما كان ، وقد أحسن من قال :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيانِ
فاستحِ من نظر الإله وقل لها أن الذي خَلَقَ الظلام يراني
وليحذر الشباب المسلم من شركات السفريات اللادينية ، التي تسهل ارتكاب هذه الموبقات ، وتبعث بهم إلى الفنادق الموبوءة والشقق المفروشة ، جرياً وراء المادة ولو على حساب الدين والخلق ، فالله تعالى حسيبهم وهو سريع الحساب ( 1 ) .
6 ـ ومن المنكرات الفاشية بين الكثير من الشباب المسلم دخول البارات والمراقص والملاهي الليلية ، حيث تُدار الخمور على الموائد ، ويستباح بين الجالسين فيسكرون ويعربدون ويختلط الرجال بالنساء وترتفع أدخنة السجائر بل والمخدرات نعوذ بالله العظيم من سخطه والنار . وقد يغتنم بعضهم أيام العطل فيشد الرحال لأجل هذا المنكر . وقد حرم الله تعالى هذه المادة المسكرة التي تذهب بعقل الإنسان فتلحقه بالحيوانات العجماوات ، فقال سبحانه (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) ( سورة المائدة : 90 )
وقال صلى الله عليه وسلم : (( .. ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )) متفق عليه .
ولعن الله في الخمر عشرة ، قال صلى الله عليه وسلم : لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها )) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجة بسند صحيح . وقال صلى الله عليه وسلم : (( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً فإن تاب تاب الله عليه .. )) رواه احمد والترمذي والنسائي وهو صحيح .
وآما المخدرات فإن ضررها أعظم وشرها أكبر فإنها تقتل الإنسان في مدة قصيرة وتورث الرجل الدياثة والتخنث كما ذكر ذلك العلماء .
(1 ) وتنتشر إعلانات هذه الشركات بصورة مكثفة خلال الصيف والعطل الرسمية ، وتتفنن في جذب الناس من خلال الصحف وغيرها بأنواع التسهيلات والمغريات .. فاللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم .
7 ـ ومن المنكرات التي يقع فيها بعض المسافرين المشاركة في المقامرة بحجة التسلية والمتعة وتمضية الأوقات ! وكأن التسلية لاتكون إلا بممارسة كبائر الذنوب واللهو المدمر ! وقد عد الله تعالى الميسر رجس من عمل الشيطان كما في آية المائدة السابقة ، فهو من المكاسب الخبيثة التي لاخير ولابركة في الجري وراءها أو الحرص عليها ، ولاسيما وإن هذه اللعب يسيطر عليها اللصوص المحترفون وأشباههم .
8 ـ ومن منكرات السفر : زيارة أماكن الذين يُعذبون :
فزيارة أماكن الذين يعذبون مما يخالف توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل : (( لاتدخلوا عليهم ، لا يصيبكم ما أصابهم )) رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما .
فالدخول على هؤلاء الذين عصوا الله تعالى وكفروا به وحاربوا رسله فجاءهم العذاب بغتة ، إما بصاعقة أو ريح مدمرة أو إغراق في البحر أو الرجم بالحجارة من السماء ، كما قال تعالى : (( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحةُ ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) ( العنكبوت ) .
أقول الدخول على هؤلاء مما حرمه الشرع ، وفيه تعرض لسخط الله تعالى وغضبه بأن يصاب المسلم المستهين بذلك بمثل ما أصيبوا به من العذاب والنكال ، ولو حدث أن مر بديار المعذبين فإنه يُسرع السير والخطا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما مر (( بالحجر )) وهي ديار ثمود فإنه خمر رأسه وأسرع بدابته ومنع أصحابه من الاستفادة بمياه آبارهم وأمر بإلقاء العجين الذي عجن بمائهم للدواب ، وكذا فعل لما مر بوادي (( محسر )) وهو الوادي الذي أرسل الله تعالى فيه الطير الأبابيل على إبرهة وجنده فأهلكهم ، فكيف يطيب للمسلم بعد ذلك التمتع بزيارة هذه الأماكن المشئومة الملعونة كبحيرة قارون ( وهو الموضع الذي خسف به ) والبحر الميت ( وهو مستقر ديار قوم لوط ) ومقابر الفراعنة مع إخبار الله تعالى بغضبه ولعنته لهم وهي باقية في الدنيا إلى يوم القيامة كما قال تعالى (( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين )) ( القصص : 42 ) .
9 ـ ومن المنكرات أيضا : زيارة المعابد الوثنية :
فما يقوم به كثير من المسلمين من زيارة للمعابد الوثنية ومشاهدة الأوثان والأصنام التي عُبدت من دون الله تعالى قديما وبعضها لا يزال يعبد إلى يومنا هذا كبوذا وغيره أمر لا يقره الشرع المطهر ، لما في ذلك من الإقرار لهم على هذه المعبودات الباطلة والأديان المنحرفة عن التوحيد الذي بعث الله تعالى به الرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، ولما في ذلك من الإعزاز لهم وتكثير سوادهم ، واعتبارهم ديناً قائماً معترفا به ، ولاشك أنهم يفرحون بزيارة المسلمين وغيرهم لهم .
10 ـ ومما يدخل في هذا المجال زيارة متاحف الشمع التي صورت فيها الشخصيات العالمية والرؤساء وغيرهم بشكل يكاد يكون مطابقا للواقع وهو أمر محرم كما قال تعالى في الحديث القدسي : (( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا حبة فليخلقوا شعيرة )) رواه البخاري ومسلم .
أي : هم عاجزون عن بث الحياة فيما يصورون .
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يفعل هذا إذ يقول : (( لعن الله المصور )) رواه البخاري وانه (( من اشد الناس عذاباً يوم القيامة )) كما في الصحيحين .
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة حطم الأصنام وكسرها قائلاً : (( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )) ( سورة الإسراء ) .
ولم يقف يتأملها أو ينظر فيها ويتمتع بذلك النظر ، أو يقول إنها فن يجب المحافظة عليه !!
وأمر بذلك أصحابه ألا يتركوا الصور والتماثيل إلا بتغييرها أو قطع رؤوسها على الأقل كما روى أبو الهياج الأسدي : أن علياً رضي الله عنه قال له : ألا ابعثك على مابعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدع صورة إلا طمستها ، وألا تدع قبراً مشرفاً ( أي مرتفعا ) ألا سويته .رواه مسلم . وهذه الأماكن والمتاحف مليئة بالتماثيل تُعشعش فيها الشياطين وتكثر ، لأنها أماكن لاتدخلها ملائكة الرحمة ، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لاتدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولاصورة ) متفق عليه . والمؤمن عدو للشيطان وأعوانه ، متباعد عن مجالسه ومقاعده وبيوته .
هذا ما تيسر جمعه على حين عجلة من الأمر ، وضيق من الوقت ، ولعلنا نعيد النظر ، ونستدرك ما فاتنا فيها فيما بعد .
والله تعالى أسأل أن ينفعنا بها والمسلمين ، وأن يجزل الأجر لمن سعى في طبعها وإخراجها للناس ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .