علوم طبية

-1- الحجامة ( أحد رؤوس الدواء

مـقدمـة الطـبعـة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد :

فهذه هي الطبعة الثانية من كتابنا هذا ، بعد أن نفدت نسخه منذ زمن ليس بالقصير ( عشر سنوات تقريبا ) ، وسألني عنه كثير من إخوتنا في الله عنه ، فعسى أن ينفعهم الله تعالى به .

لاسيما وهو يتعلق بأحد أركان الشفاء الثلاثة ، وهي الحجامة والعسل والكي ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح .

فنسأل الله العلي القدير لنا ولجميع إخواننا والمسلمين علما نافعا ، وعملا متقبلا ، وشفاء من كل داء ، إنه سبحانه سميع الدعاء ، واهب الشفاء ، كريم العطاء ..

وكتبه

محمد الحمود النجدي

الكويت في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ست عشرة وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم .

مــقدمــة الطــبعــة الأولـى

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

]يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ    [     ( آل عمران : 102 ) .

]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَآءَ لُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ (النساء : 1).

] يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ  ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[  ( الأحزاب : 70-71 ).

أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

يقول الله تعالى في محكم تنزيله عن نبيه المختار صلى الله عليه وسلم :  ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ ( الأنبياء : 107 ) .

أي أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كانت رحمة للعالمين أجمعين ، بما فيها من بيان أسباب الخير وطرقه والحث على اتباعه ، وبيان أسباب الشر وطرقه والحث على اجتنابه .

ولم يأل النبي صلى الله عليه وسلم جهدا في بيان هذا وهذا ، فقد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، حتى أتاه  اليقين من ربه ، فصلوات الله عليه وسلامه .

وهذا شأن الأنبياء أجمعين ، فإنهم كانوا حريصين على بيان الخير والشر لأممهم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم . (1) .

ولولا النبوات لم يكن في العالم علم نافع البتة ، ولا عمل صالح ، ولا صلاح في معيشة ، ولا قوام لمملكة ، ولكان الناس بمنزلة البهائم والسباع العادية ، والكلاب الضارية التي يعدو بعضها على بعض، وكل خير في العالم فمن آثار النبوة ، وكل شر وقع في العالم أو سيقع فبسبب خفاء آثار النبوة ودروسها ، فالعالم جسد روحه النبوة ، ولا قيام للجسد بدون روحه .

ولهذا إذا انكسفت شمس النبوة من العالم ، ولم يبق في الأرض شيء من آثارها البتة ، انشقت سماؤه وانتثرت كواكبه ، وكوِّت شمسه ، وخسف قمره ، ونسفت جباله ، وزُلزلت أرضه ، وأهلك من عليها ، فلا قيام للعالم إلا بآثار النبوة (2) .

وقد تكلم ابن القيم في (( زاد المعاد في هدي خير العباد )) في مقدمة الجزء المختص بالطب النبوي كلاما قيما ، ينبغي أن يُقرأ  بتأن وإمعان نظر، لاشتماله على طب القلوب الذي فيه صلاح الآخرة ، وطب الأبدان الذي فيه صلاح المعاش في الدنيا ، وصلاح الآخرة لأن الدنيا مزرعة الآخرة ، فالبدن السليم القوي أقدر على تحصيل علوم الآخرة والعمل بها ، وتحمل مشاق العبادات من صلاة وصيام وحج وجهاد وغيرها ، من البدن الضعيف المريض ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :        (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك .. ))  (3) .

والحديث يشمل قوة الإيمان في النفس والعزيمة على الخير ، وقوة البدن المعينة على ذلك .

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :

وقد أتينا على جُمل من هديه  صلى الله عليه وسلم في المغازي والسير والبعوث والسرايا ، والرسائل ، والكتب التي كتب بها الملوك إلى نوابهم .

ونحن نُتْبع ذلك بذكر فصول نافعة في هديه في الطب الذي تطبَّب به ووصفه لغيره ، ونبين ما فيه من الحكمة التي تَعْجِز عقول أكثر الأطباء عن الوصول إليها ، وأن نسبة طبهم إليها كنسبة طب العجائز إلى طبهم ، فنقول وبالله المستعان ، ومنه نستمد الحول والقوة :

المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .

ومرض القلوب : نوعان : مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغيٍّ، وكلاهما في القرآن ، قال تعالى في مرض الشبهة :

]فِي قُلُوبِهِم مَّرضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا[  ( البقرة :10 )

وقال تعالى :

]وَلِيَقُولَ الذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً [ ( المدثر : 31 ) .

وقال تعالى في حق من دُعي إلى تحكيم القرآن والسنة ، فأبى وأعرض :

]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ ( النور : 48-49 ).

فهذا مرض الشبهات والشكوك .

وأما مرض الشهوات، فقال تعالى :

]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [ ( الأحزاب : 32 ) .

فهذا مرض الشهوة الزنى ، والله أعلم .

وأما مرض الأبدان : فقال تعالى : ] لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [ ( النور : 61 ) .

وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسرِّ بديع يبين لك عظمة القرآن ، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه ، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، والحمية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة ، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة .

فقال في آية الصوم : ]   فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [ ( البقرة : 184 ) .

فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصومُ في السفر لاجتماع شدة الحركة ، وما يوجبه من التحليل ، وعدم الغذاء الذي  يخلف ما تحلل ، فتخور القوة ، وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها .

وقال في آية الحج :

] فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ  أَوْ نُسُكٍ [ ( البقرة : 196 ) .

فأباح للمريض ، ومن به أذى من رأسه ، من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما ، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر ، فإذا حلق رأسه ، تفتحت المسام ، فخرجت تلك الأبخرة منها ، فهذا الاستفراغ يُقاس عليه كلُّ استفراغ يؤذي انحباسه .

والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة : الدم إذا هاج ، والمني إذا تبيَّغ ، والبول ، والغائط ، والريح ، والقيء ، والعطاس ، والنوم ، والجوع ، والعطش . وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسُه داء من الأدواء بحبسه .

وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها ، وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى .

وأما الحمية : فقال تعالى : في آية الوضوء :

] وَ إِن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[ ( النساء : 43 ) .

فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه ، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج ، فقد أرشد – سبحانه – عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده ، ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي .

فأما طب القلوب ، فمسلَّم إلى الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم  ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها ، وفاطرها ،وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابِّه ، متجنِّبَة لمناهيه ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلا تلقيه إلا من جهة الرسل ، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوتها ، وحياة قلبه وصحته ، وقوته عن ذلك بمعزل ، ولم يميز بين هذا وهذا ، فلبيك على حياة قلبه ، فإنه من الأموات ، وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات .

وأما طب الأبدان : فإنه نوعان :

نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقة وبهيمة ، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب ، كطب الجوع ، والعطش ، والبرد ، والتعب بأضدادها وما يزيلها .

والثاني : ما يحتاج إلى فكر وتأمل ، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج ، بحيث يخرج بها عن الاعتدال  ، إما إلى حرارة ، أو برودة أو يبوسة ، أو رطوبة ، أو ما يتركب من اثنين منها ، وهي نوعان : إما مادية ، وإما كيفية ، أعني إما أن يكون بانصباب مادة ، أو بحدوث كيفية ، والفرق بينهما أ، أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها ، فتزول موادها ، ويبقى أثرها كيفية في المزاج .

وأمراض المادة أسبابها معها تمدها ، وإذا كان سبب المرض معه ، فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولاً ، ثم في المرض ثانيا ، ثم في الدواء ثالثا .

أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته ، إما في شكل ، أو تجويف ، أو مجرى أو خشونة ، أو ملاسة ، أو عدد ، أو عظم ، أو وضع ، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي تألفها اتصالا ، والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال ، أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية .

والأمراض المتشابهة : هي التي يخرج بها المزاج عن الاعتدال ، وهذا الخروج يسمى مرضا بعد أن يضر بالفعل إضرارا محسوسا .

وهي على ثمانية أضرب : أربعة بسيطة ، وأربعة مركبة ، فالبسيطة : البارد ، والحار ، والرطب ، واليابس ، والمركبة : الحار الرطب ،الحار اليابس ، والبارد الرطب ، والبارد اليابس ، وهي إما أن تكون بانصباب مادة أو بغير انصباب مادة ، وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجا عن الاعتدال صحة

 

زر الذهاب إلى الأعلى