بيان حول التهجم على شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. .
أما بعد: .
فقد بعث الله نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم – على فترة من الرسل بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بعثه للناس كافة: عربهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ } (النساء: 170)، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف: 158)، وقال: {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(سبأ: 28).
وأنزل عليه خير كتبه؛ القرآن الكريم، الذي هو معجزته الخالدة، كما قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }(الإسراء: 88)، وتعهَّد الله بحفظه من أن تمسه يد التغيير والتبديل، حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: 9)، ليبقى مشعلاً مضيئاً تستهدي به البشرية في مسيرتها الدائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(الشورى: 52).
وجعل اتباع نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – والتمسك بسنته موجباً لمحبته سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران: 31). وقرن طاعته بطاعته في الكثير من الآيات؛ كقوله سبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (النساء: 80)، وقوله: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }(النساء: 13)، وقوله: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم}(النساء: 69)، وغيرها من الآيات. .
وأوجب محبته على الخلق، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ}(التوبة: 24)، وكما في الحديث الصحيح من قول عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال: لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك. قال: فأنت والله يا رسول الله أحب إليَّ من نفسي. قال: الآن يا عمر). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) متفق عليه.
وبمناسبة ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة من إقدام بعض الحاقدين على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام على نشر صور وقحة وتعليقات قبيحة مصاحبة لها في إحدى الصحف الصادرة في كوبنهاجن عاصمة الدانمارك زعم ناشروها أنها تمثل الرسول الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي صور وتعليقات لا توجد إلا في مخيلة مروجيها ممن أكل الحقد والكراهية للإسلام ونبي الإسلام قلوب دعاتها. .
ومعلوم أن أنبياء الله ورسله هم خير البشر، وهم الذين اختارهم الله لحمل رسالاته وإبلاغها لعامة الخلق، فواجب الخلق تجاههم الإيمان بهم، ونصرتهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، وقبول ما جاؤوا به من عند الله. قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}(البقرة: 285). .
وقد أخبر سبحانه أن رسله منصورون بنصره، فقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(غافر: 51). .
وإننا إذ نستنكر هذا البهتان العظيم الموجه لنبي الإسلام وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام لعلى يقين بأن الله سبحانه ناصر لنبيه وخاذل لأعدائه، كما قال سبحانه: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة: 61)، وقال سبحانه: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(الحجر: 95)، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(الأحزاب: 57)، وقال سبحانه: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(المائدة: 67)، وقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(الكوثر: 3)، ووعده سبحانه حق، وقوله الصدق. . ومعلوم أن سبَّ الرسول والاستهزاء به انتهاك لحرمته، وتنقيص لقدره، وإيذاء لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، وتشجيع للنفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام، وطلب إذلال النفوس المؤمنة، وإزالة عز الدين، وإسفال كلمة الله. وهذا من أبلغ السعي فساداً، وقد أخبرنا الله سبحانه أن أعداءه سيواصلون شرَّهم وأذاهم، وأمرنا بالصبر والمصابرة، فقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186).
ويجب على كل مسلم نصرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتعزيره وتوقيره، كما قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}(الفتح: 9). وتعزيره: يشمل نصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار. .
ونظراً لما أثاره هذا الهجوم الوقح على نبي الإسلام – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – من ألم واستياء وأذى لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فإنني أدعو المسؤولين في حكومة الدانمارك بأن تحاسب الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم، وتلزمها بالاعتذار عن جريمتها النكراء، وتوقع الجزاء الرادع على من شارك في إثارة هذا الموضوع، فهذا أقل ما يطالب به المسلمون.
نسأل الله جلَّت قدرته أن يحفظ نبيه ورسوله محمداً – صلى الله عليه وسلم – من كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، وظلم الظالمين، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته؛ إنه على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ