مقالات مختارة

مفهوم الأحاديث المتعلقة بالفتن – العلامة عبد العزيز بن باز

وحكم الاستعانة بالكفار

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ : ع ، ح ، ح . وفقه الله لما فيه رضاه وزاده من العلم والإيمان آمين .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :

فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 24 / محرم / 1411 هـ وصلكم الله بهداه ، واطلعت على جميع ما ذكرتم . ويسرني أن أخبركم أن الأحاديث المتعلقة بالفتن والتحذير منها محمولة عند أهل العلم على الفتن التي لا يعرف فيها المحق من المبطل فهذه الفتن المشروع للمؤمن الحذر منها ، وهي التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( القاعد فيها خير من القائم والماشي خير من الساعي )) الحديث . أما الفتن التي يعرف فيها المحق من المبطل والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة بل قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصر المحق والمظلوم على الباغي والظالم . ومن هذا الباب ماجرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما . فإن المصيب عند أهل السنة هو علي وهو مجتهد وله أجران .ومعاوية ومن معه مخطئون وبغاة عليه لكنهم مجتهدون طالبون للحق فلهم أجر واحد رضي الله عن الجميع .

وأما الاستعانة ببعض الكفار في قتال الكفار عند الحاجة أو الضرورة فالصواب أنه لاحرج في ذلك إذا رأى ولي الأمر الاستعانة بأفراد منهم ، أو دولة في قتال الدولة المعتدية لصد عدوانها عملاً بالأدلة كلها . فعند عدم الحاجة والضرورة لا يستعان بهم ، وعند الحاجة والضرورة يستعان بهم على وجه ينفع المسلمين ولا يضرهم ، وفي هذا جمع بين الأدلة الشرعية ، لأنه صلى الله عليه وسلم استعان بالمطعم بن عدي لما رجع من الطائف ودخل في مكة بجواره ، واستعان بعبد الله بن أريقط الديلي ليدله على طريق المدينة وكلاهما مشرك ، وسمح للمهاجرين من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة مع كونها دولة نصرانية لما في ذلك من المصلحة للمسلمين وبعدهم عن أذى قومهم من أهل مكة من الكفار . واستعان بدروع من صفوان بن أمية يوم حنين وهو كافر وقال في حديث عائشة رضي الله عنها للذي أراد أن يخرج معه في بدر وهو مشرك : (( ارجع فلن نستعين بمشرك )) وأقر اليهود بخيبر بعد ذلك ، واستعان بهم في القيام على مزارعها ونخيلها لحاجة المسلمين إليه واشتغال الصحابة بالجهاد ، فلما استغني عنهم أجلاهم عمر رضي الله عنه والأدلة في هذا كثيرة .

والواجب على أهل العلم الجمع بين النصوص وعدم ضرب بعضها ببعض . ودولة البعث أخطر على المسلمين من دولة النصارى ، لأن الملحد أكفر من الكتابي كما لا يخفى . وما فعله حاكم العراق البعثي في الكويت يدل على الحقد العظيم والكيد للإسلام وأهله .

ومما يجب التنبيه عليه أن بعض الناس قد يظن أن الاستعانة بأهل الشرك تعتبر موالاة لهم ، وليس الأمر كذلك فالاستعانة شيء والموالاة شيء آخر . فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حين استعان بالمطعم بن عدي ، أوبعدالله بن أريقط ، أو بيهود خيبر موالياً لأهل الشرك ، ولا متخذا لهم بطانة ، وإنما فعل ذلك للحاجة إليهم واستخدامهم في أمور تنفع المسلمين ولا تضرهم . وهكذا بعثه المهاجرين من مكة إلى بلاد الحبشة ليس ذلك موالاة للنصارى ، وإنما فعل ذلك لمصلحة المسلمين وتخفيف الشر عنهم . فيجب على المسلم أن يفرق مافرق الله بينه ، وأن ينزل الأدلة منازلها ، والله سبحانه هو الموفق والهادي لاإله غيره ولارب سواه ، ونشفع لكم نسخة مما كتبناه في ذلك ، ونسخة من قرارات المؤتمر بمكة المكرمة في الفترة من 21 ـ 23 / 2 / 1411 هـ ونسخة من وثيقة مكة المكرمة الصادرة عن المؤتمر المذكور .

وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة ، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن إنه سميع قريب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

مجموع فتاوى ومقالات الشيخ / ابن باز رحمه الله ـ  ج7 .

زر الذهاب إلى الأعلى