العقيدة السلفية تعريفها ـ فضلها ـ خصائصها
الحمدلله، و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله و صحبه
اما بعد :
فالسلفية: هي اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة: أهل السنة و الجماعة، والفرقة: بكسر الفاء، الطائفة من الناس , و أما بالضم فهي الافتراق.
و قلنا إنها الناجية المنصورة :أخذأ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) رواه الترمذي .
وقوله : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله )) .
أهل السنة والجماعة: المراد بالسنة الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه قبل ظهور البدع و المقالات المحدثة و سموا أهل السنة : لأنهم متمسكون بها ، والجماعة في الأصل : القوم المجتمعون ، والمراد بهم هنا : سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين الذين اجتمعوا على الصريح من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم تفترق هذه الجماعة كما افترقت الجهمية والروافض والقدرية والخوارج و المرجئة و غيرهم.
و إن كان حصل بينهم اختلاف, لكن لم يحصل بينهم افتراق و لم يضلل بعضهم بعضاً.
«وهو اصطلاحٌ قديمٌ، لم يكن مِن وَضع مَن أصبحوا يُعرَفون به ابتداءً، و هذا فرقٌ عظيمٌ ما بينَ مَن ينتسبونَ إلى هذه النِّسبة الشريفة، و بينَ مَن يتَسمَّون بأسماءٍ أخرى مِن الجماعات و الحَركات الإسلامية، التي وضع أسماءها: مؤسِّسوها.
و لا نظن أن أحداً مِن المُسلمين يَعرف هذه النِّسبةَ على حقيقتها، إلاَّ علِم أنَّها نسبةٌ إلى الإسلامِ كُلِّه، بأحكامه و آدابه، و أخلاقه و عقيدته، كما أمرَ اللهُ سبحانهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: 208)، و كما أمرَ نبيُّه صلى الله عليه وسلم : «عليكمْ بسُنَّتِي و سُنة الخُلفاءِ المهدِيِّين الراشدين مِن بعدي، عضُّوا عليها بالنَّواجِذ، و إيَّاكمْ و مُحْدثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ مُحْدثةٍ بدعةٌ، و كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ»(1).
و السلفية بهذا المَعْنى، ليست حِكراً علَى فئةٍ من النَّاس، عُرفوا بهذه النِّسْبة، إمَّا مِن تلقاءِ أنفُسهمْ و إمَّا مِن تلقيب غيرِهم لهم بها».
و لذا، فإنه لا يحسن أن يُفاجأَ المُتعصِّبةُ مِن أتباع المذاهب، إذا قامَ الدليلُ على أنَّ أئمَّة المذاهب ـ رحمهم الله ـ جميعهم سلفيون ـ وما كانوا ليعرفوا بها وهم كذلك ـ إلا لأنهم على قدم المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وقدم أصحابه رضوان الله عليهم ، وقد عرفوا بها قبل نشوء الحركات والجماعات الإسلامية المعاصرة بقرون ، وحين كانت بلاد المسلمين تموج بفتن الفرق .
فالأئمة الأربعةُ ـ و غيرهم مِن أمثالهم ـ هم سادةُ السَّلفيِّين، و أئمتهم، وهم أيضاً سادةُ كلِّ مَن لا يُحبُّ أن يُنسب إلى هذه النِّسبةِ الشريفة، مِمَّن يرَى في عداوة أهلها واجباً شرعياً، و أدباً إسلامياً، وشرفاً دينياً!
و مرَّة أخرى أقول: كنت أودُّ أن لا أستعملَ كلمة «السلفيَّة» هذه لما ذكرته آنفاً، أما وقد فرضت نفسها ، وصارت اصطلاحاً علمياً ، أقره التاريخ ، ورضيته الأمة كلها على مر العصور ، حتى صرنا نسمع من يقول ـ وقوله غير صواب ـ : (( عقيدةُ السلف أسلمُ ، وعقيدةُ الخلف أحكمُ )) فليس من بأس أن نستعملها اصطلاحاً علمياً شمولياً محكماً .
و لماذا لا يَكون في استعمال نسبة الشافعية أوالحنفية مثلاً ، مايشعر بالفرقة ، ويكون ذلك في استعمال السلفية!! في حين أن السلفية تستوعب أئمة المذاهب ومذاهبهم ، وتستغرق أجيالاً وقروناً ، بادت أولم تأت بعد ، وتشتمل الزمان كله ، والأرض جميعاً )) (1).
السَّلفيَّة: ليست من الأسماء التي فرقت الأمة فهي ليست حركة سياسية, و لا جماعة حزبية منغلقة على نفسها متعصبة لغير الحق , و لا تكتلاً متطرفاً أو غال.
بل هي تعني النسبة إلى السلف الصالح رضوان الله عليهم و هم: مَن تقدمَنا من هذه الأمة من الرعيل الأول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و من بعدهم من القرون الثلاثة , ومن اتبعهم بإحسان على منهاج النبوة الذي جاء به الوحي الشريف ، أنها تربط المسلم بالسلف من الصحابة ومن تبعهم فتزيده عزة وإيمانا وافتخاراً, لأنهم سادات المؤمنين وأئمة المتقين كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه ،فيقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ,<ومارأوه سيئاً فهو عند الله سيء )) رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر .
و عن ابن عمر رضي الله عنه : من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم ، والله رب الكعبة . رواه أبو نعيم في الحلية و ابن عبد البر جامع البيان.
الطاعنون على السلفية إما طعنوا عليها بظلم أو بجهل، والظلم ظلمات، و الجهل من المهلكات المرديات، و العاقل يسرع إلى النجاة قبل الفوات.
إن قيل: إن السلف لمْ يدعوا الناس إلى الأخذ بأقوالهم و أعمالهم و يرتبون على ذلك: أن للعالم أو طالب العلم أن يدع أقوال السلف ! على شدة تحريهم للحق وصدق اتباعهم للكتاب والسنة إلى أقوال غيرهم ممن ليس على منهج السلف . فنقول لهؤلاء : هل هؤلاء تركوا الأخذ بمذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، لأنهم أيضاً كانوا ينهون الناس عن كتابة أقوالهم واتباعهم , بل هم لم ينشئوا مذاهبهم أصلاً ؟
إذن لماذا يعاب من يتبع أبابكر أو عمر أو عثمان أو علي أو بقية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم من تلاميذهم المخلصين , و لا يعاب من أخذ بأقوال أئمة المذاهب؟!!
ـ ليست السلفية مرحلة انقضت: *
ليست السلفية مقصورة على الصحابة وحدهم , أو على القرنين التاليين لهم، فإن هذا إجحاف و ظلم، و كيل بمكيالين و وزن بميزانين، وهي دعوى باطلة منكرة، لا دليل عليها، بل السلفية زمانها الزمان كلُّه، و مكانها الأرض كلُّها، لأن كتاب الله محفوظ كما في قوله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} (الحجر : 9)، و قوله: {وَالسَّابِقُونَ الاوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ….} (التوبة: 100)، و قال عليه الصلاة و السلام: «لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» و في رواية «حتى يقاتل آخرهم الدجال». الصحيحين (4/ 361).
و قال صلى الله عليه وسلم : «تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله و سنة رسوله» رواه مالك والدارقطني وغيرهما .
فالسلفيون هم الملتزمون منهج الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة , لا يحيدون عنه قيد أُنملة في أقوالهم أفعالهم، وكتبهم و مؤلفاتهم على مر الزمان شاهدة بذلك .. فهي سلسلة ذهبية، كتب الله تعالى لها البقاء حفظ الله بهم الدين و أحرز العقيدة.
و الخلفيون هم من كان منهم على غير هذا المنهج في الاجتهاد و العلم كأهل الرأي و من شاكلهم ممن ليس لهم تمكن من معرفة السنن و الآثار، ومن الذين يتذبذبون بين الرأي و بين السنن والآثار بدعوى أن الحوادث المستجدة تقتضي توسيع الرؤية استحبابه لروح العصر!!
نقول هذا مع يقيننا بأن العلماء الأعلام المجتهدين المحققين من المتقدمين و المتأخرين الذين حُفظت مؤلفاتهم، لم يخالفوا منهج السلف في الاجتهاد.بل كان للسلف عندهم منزلة خاصة مكرمة مبجلة ، يحرصون على معرفة أقوالهم وحججهم وعقيدتهم ومنهجهم العلمي ، وذلك لأن الصحابة هم أفقه الناس ، وأعرفهم بكتاب الله سبحانه ومتى نزل وفيم أنزل ، ومحكمه ومتشابهة وحلاله وحرامه ، وأبصرهم بالسنة ومواقعها وفقهها واستدلالاتها وأعلمهم بالعربية لفظاً ومعنى وأداء .
فاللهم فاشهد بأنا قد رضينا بكتابك حكماً، و ببلاغ نبيك فصلاً و بمنهج أصحابه و التابعين لهم بإحسان قولاً و عملاً و اعتقاداً.
ثناء الله تعالى على أهل هذا الطريق: *
السلفية: سواء في العقيدة أو في الأحكام هي التي أثنى الله تعالى علي أصحابها في كتابه الذي يتلى في الأرض على مر الزمان , قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَ وَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).
وقال تعالى ( فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ) .
سهولة عقيدة السلف و يسرها: *
العقيدة السلفية تتميز بالسهولة و الوضوح ، لاعتمادها على الكتاب و السنة في الفهم , و التصور بعيداً عن الفلسفات و التعقيدات و التأويلات، و الكلام على الله و في دين الله وفي كتاب الله بلا علم.
و قد قال الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِّرٍ} ، {وَمَاجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، فلا تكلف هذه العقيدة العقل و التفكير في أمور لا طاقة له بها من الغيبيات، بل تقف حيث و قفت النصوص، و ترضى و تصدق بخبر الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم و لا تتجاوز ما حُدَّ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} .
تعظيم السلف لنصوص الكتاب و السنة: *
العقيدة السلفية تجعل المسلم يعظم و يقدس نصوص الكتاب و السنة فلا يتعرض لها بالرد أو التشكيك أو التحريف أو التعطيل و التأويل ، أو التلاعب في تفسيرها بما يوافق الهوى.
فلا ترد النصوص بحجة التأويل و التحريف.
و لا يُصرف ظاهرُ نصٍّ عن ظاهره، إلا بدليل واضح.
و لا تزعم أن للنصوص باطناً لا يعلمه إلا الخاصة من الناس ، أو خاصة الخاصة!!
و لا ترد حديثاً بزعم أنه من أحاديث الآحاد.
ولا تقدم على النصوص: العقول و الآراء و الأهواء ، بقاعدة: إذا تعارض العقل و النقل، قدَّمنا العقل على النقل!!
و لا تقدم الوجد و الذوق و الخيالات و الرؤى و المنامات ، على ما قاله الله تعالى و رسوله عليه الصلاة و السلام.
و لا تقدم السياسة على النصوص بحجة أن الناس لا يصلحهم إلا هذا ! و لا تقوم دولتهم إلا بذاك ! بل الخير كل الخير في اتباع نصوص الوحيين و تحكيمهما على النفوس و الأموال و البلاد والعباد. و السعيد من وفق لذلك.
دعوة السلف تجمع الأمة: *
بالسلفية تتوحد الصفوف صفوف الدعاة و المصلحين و جميع المسلمين ، و عليها تجتمع الكلمة ، و بدونها تتفكك و تتفرق الصفوف , و تكثر الجماعات و الفرق.
و ذلك أنها عقيدة و منهج الكتاب و السنة و الجيل الأول من هذه الأمة , الذين انطلقوا منها للبناء و التربية و التوجيه.
و قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا } (آل عمران).
حديث أبي هريرة مرفوعاً «أن الله يرضى لكم ثلاثاً و يسخط لكم ثلاثاً : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، و أن تعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا..»
و سياق الآية: في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن وإحن ، طال بسببها قتالهم والحروب بينهم .. فلما جاء الله بالإسلام فدخلوا فيه صاروا إخواناً متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله متعاونين ,على البر والتقوى ، كما قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْـمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُم ْ}.
و في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار ـ يوم قسم غنائم حنين فعتب من عتب عليه منهم فقال لهم: «يا معشر الأنصار ـ ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي, و كنتم متفرقين فألفكم الله بي, و عالة فأغناكم الله بي؟!..».
طريق السلف هو الطريق الوسط العدل: *
السلفية هي الطريق الوسط ، و الصراط المستقيم الذي هو طريق الأمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} الواقع بين طرفي الإفراط و التفريط , فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون ، فإن الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وهو الحق الذي يجب اتباعه ولايصح العدول عنه, ولهذا أمر الله عزوجل ، وعلمنا أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم في كل ركعة من الصلاة : أي يلهمنا و يوفقنا لسلوكه واتباعه, فإنه صراط الذين أنعم الله عليهم ، فهم وسط في فرق الأمة ، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم ، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه بين أهل التعطيل الجهمية ( ويدخل فيهم كل من نفى شيئاً من أسماء الله وصفاته من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة) وأهل التمثيل المشبهة .
أهل التعطيل الذين حرفوا الآيات و الأحاديث عن معانيها الصحيحة إلى معان أخرى بلا دليل صحيح ، ولا عقل صريح ، كقولهم: رحمه الله : إرادته الإحسان ، ويده : قدرته ، واستواؤه على العرش : استيلاؤه ، ونزوله نزول رحمته أو ملائكته … ، إلى أمثال ذلك من أنواع النفي والتعطيل ، التي أوقعهم فيها سوء ظنهم بربهم ، وتوهمهم أن وصف الله بها, تشبيه للخالق بالمخلوق .
فأهل السنة و الجماعة وسط بين هؤلاء و بين أهل التمثيل المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده، وقد رد الله على الطائفتين بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير) فقوله( ليس كمثله شي} ، رد الله على المشبهة، وقوله {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ردٌ على المعطلة.
فأهل السنة و الحق: أثبتوا الصفات لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل , و نزهوا الرب تنزيهاً بلا تعطيل، فجمعوا أحسن ما عند الفريقين، وهو التنزيه والإثبات، و تركوا ما أخطاْوا و أساؤوا فيه من التعطيل والتشبيه.
وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية و القدرية و غيرهم: فالجبرية (و كذا الأشعرية) غلوا في إثبات القدر, فنفوا فعل العبد أصلاً، و المعتزلة نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله , و لهذا كانوا مجوس هذه الأمة.
و هدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق، و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: العباد فاعلون , و الله خالقهم و خالق أفعالهم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ}
وهم وسط في باب وعيد الله تعالى بين المرجئة و بين الوعيدية من القدرية و غيرهم:
(فالمرجئة) قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة،و زعموا أن الإيمان مجرد تصديق بالقلب و إن لم ينطق به، و سموا مرجئة: لأنهم أرجئوا الأعمال عن الإيمان.
و لا شك أن الإرجاء بهذا المعنى كفر، فإنه لابد في الإيمان من قول باللسان و اعتقاد بالجنان و عمل بالأركان ، فإذا اختل واحداً لم يكن الرجل مؤمناً.
(و أما الوعيدية) (من الخوارج و المعتزلة): قالوا من مات على كبيرة و لم يتب منها لا يجوز عندهم أن يغفر الله له، بل الله يجب عليه عقلاً أن يعذبه العاصي.
و مذهبهم باطل مخالف للكتاب و السنة، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} و قد استفاضت الأحاديث في خروج عصاة الموحدين من النار و دخولهم الجنة.
(و مذهب أهل السنة و الجماعة وسط بين نفاة الوعيد من المرجئين و بين موجبيه من القدرية: فمن مات على كبيرة عندهم (أي أهل السنة) فأمره مفوِّض إلى الله , إن شاء و عاقبه و إن شاء عفا عنه. و إن عاقبه بها فإنه لا يخلد خلود الكفار بل يخرج من النار و يدخل الجنة.
و في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط بين الرافضة وبين الخوارج:
المعروف أن الرافضة قبحهم الله يسبون الصحابة و يلعنونهم ، بل و يكفرونهم و في الوقت نفسه يغلون في علي رضي الله عنه و أولاده.
دعوة السلف الطريق لإعادة دولة الإسلام: *
و أما الخوارج فقد قابلوا هؤلاء الروافض فكفروا علياً و معاوية و من معهما من الصحابة , وقاتلوهم و استحلوا دماءهم و أموالهم.
و أما أهل السنة و الجماعة فكانوا وسطاً بين غلو هؤلاء و تقصير أولئك، وهداهم الله تعالى إلى الاعتراف بفضل أصحاب نبيهم , وأنهم أكمل هذه الأمة إيماناً وإسلاما وعلماً وحكمة ، ولكنهم لم يغلوا فيهم ولم يعتقدوا عصمتهم بل قالوا بحقوقهم وأجورهم , لعظيم سابقتهم وحسن بلائهم في نصرة الإسلام والمسلمين وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هراس ) .
فالدعوة السلفية هي الطريق لإعادة المجد والعز و الدولة للإسلام ، فنحن نعتقدا عتقاداً جازماً أنه مالم تتمسك الأمة الإسلامية بالعقيدة الصافية النقية الخالية من البدع والشركيات والخرافة المنية على الكتاب الكريم والسنة الصحيحة فلم يتحقق لها موعود الله عزوجل بالنصر والتمكين في الأرض المذكور في قوله تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتضَى لَهُمْ}
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِـحُونَ}.
نسال الله تعالى ان يجعلنا من اتباع هذا المنهج …
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين …
——————————————————————————–
(1) من كتاب (( هي السلفية )) للشيخ / محمد إبراهيم شقرة .