ماذا يُراد من الطعن في الصَّحب الكرام؟
الحمد لله رب العالمين بجميع محامده كلها ، والصلاة والسلام على خيرته من خلقه، محمد صلى الله عليه وسلم وآله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فماذا يُراد من وراء الطعن في أئمة المسلمين، وسادات المؤمنين، ونقلة كتاب الله تعالى الكريم، وحملة الشريعة، ورواة الأخبار النبوية، ومبلغي حديث رسولنا المصطفى، خاتم النبيين؟!
فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وأنزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء، وجعله سبحانه مبيناً لكتابه، موضحاً غوامضه فقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكِّرُونَ} (النحل: )،
وقال {وَمَا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} (النحل: 64 )،
قال الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله في مقدمة كتابه: «الجرح والتعديل»:
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عزوجل أمره، عن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عزوجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها.
فلبث صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسنُّ السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على مناهج الحق بالقول والفعل.
فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها وأوفاها، فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، خاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر، قال الله عز وجل: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء:165).
ثم قال:
«فإن قيل: كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه النجباء الألباء، الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم».
ثم بين فضلهم وعلمهم ومكانتهم من الإسلام فقال:
«فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه، وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل، وما سن وشرع، وحكم وقضى، وندب وأمر، ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه، بحيث وضعهم الله عز وجل ونصبهم له إذ يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (التوبة:100 )، انتهى.
فالطعن في الصحب طعن في القرآن والسنة النبوية ورد لها، وتعطيل لأحكامها، وهدم للدين، وهذا غاية الشر والفساد في الأرض،
وأشار إلى ذلك أيضاً أبو زرعة الرازي رحمه الله :
فقد روى الخطيب بسنده عنه أنه قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن، والسنن: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة». الكفاية في علوم الرواية (ص49).
فنعوذ بالله مولانا أن نَضِلَّ أو نُضل، أو نزلَّ أو نُزلَّ أو نجهل أو يجهل علينا.
وصلى الله على خاتم رسله وأنبيائه وآله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.