حكم الجهاد وأنواعه
هل الجهاد فرض على كل رجل قادر عليه في هذا الوقت؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه،
أولاً: الجهاد مراتب، منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها ما هو واجب على الكفاية، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين، ومنها ما هو مستحب.
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كل مكلَّف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها.
قال ابن القيم رحمه الله:
إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلِّمه فمن علم وعمل وعلَّم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماوات.
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :
إحداهما: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24)، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات، والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب:
بالقلب واللسان والمال والنفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب:
الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، و«من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» رواه مسلم (1910) – زاد المعاد (3/ 119)
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
الجهاد أقسام: بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد: الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها. «فتاوى الشيخ ابن باز» (7/ 334، 335).
ثانياً:
وجهاد الكفار باليد مرَّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام:
قال ابن القيم رحمه الله:
أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه{يَا أَيُّهَا الْـمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ} فنبأه بقوله: {اقْرَأْ} وأرسله بـ {يَا أَيُّهَا الْـمُدَّثِّرُ}
ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح. ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال. ثم أمره أن يقاتل مَن قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله. ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة. «زاد المعاد» (3/ 159).
ثالثاً: وحكم الجهاد باليد للكفار: فرض على الكفاية:
قال ابن قدامة رحمه الله:
«والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين» «المغني» (9/ 163).
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
سبق أن بينَّا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي: سلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً.
فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين، وهم مستحقون للنصر والتأييد، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم؛ لأنهم مظلومون، والله أمر بالجهاد للجميع، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم، وإذا تركوا ذلك أثموا، وإذا قام به من يكفي: سقط الإثم عن الباقين. «فتاوى الشيخ ابن باز» (7/ 335).
رابعاً:
ويكون جهاد الكفار باليد واجباً في أربع حالات هي:
1- إذا حضر المسلم الجهاد (أرض القتال).
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد.
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر.
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص بعينه ولا يسد أحد مسده كما في المغني وغيره.
و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.