مختارات عامة

كلمة في الأناشيد الإسلامية

 للعلامة الألباني

هذا, وقد بقي عندي كلمة أخيرة أختم بها هذه الرسالة النافعة( يعني بها الشيخ كتاب تحريم آلات الطرب)) إن شاء الله تعالى, وهي حول مايسمونه ب( الأناشيد الإسلامية أو الدينية ) فأقول:
قد تبين من الفصل السابع مايجوز التغني به من الشعر ومالايجوز, كما تبين مما قبله تحريم آلات الطرب كلها إلا الدف في العيد والعرس للنساء, ومن هذا الفصل الأخير أنه لايجوز التقرب إلى الله إلا بما شرع الله, فكيف يجوز التقرب إليه بما حرم؟ وأنه من أجل ذلك حرم العلماء الغناء الصوفي, واشتد إنكارهم على مستحليه, فإذا استحضر القارئ في باله هذه الأصول القوية تبين له بكل وضوح أنه لافرق من حيث الحكم بين الغناء الصوفي والأناشيد الدينية.
بل قد يكون في هذه آفة أخرى, وهي أنها قد تلحن على ألحان الأغاني الماجنة, وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية أو الغربية التي تطرب بها السامعين وترقصهم, وتخرجهم عن طورهم, فيكون المقصود هو اللحن والطرب, وليس النشيد بالذات, وهذه مخالفة جديدة وهي التشبه بالكفار والمجان
وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى, وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه, فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه كما في قوله تعالى:
(( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ))
وإني لأذ كر جيدآ أنني لما كنت في دمشق – قبل هجرتي إلى عمان بسنتين – أن بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى, قاصدآ بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل قصائد البوصيري وغيره, وسجل ذلك في شريط, فلم يلبث إلا قليلآ حتى قرن معه الضرب على الدف! ثم استعملوه في أول الأمر في حفلات الأعراس, على أساس أن ( الدف ) جائز فيها, شاع الشريط واستنسخت منه نسخ, وانتشر استعماله في كثير من البيوت, وأخذوا يستمعون إليه ليلآ ونهارآ بمناسبة وغير مناسبة, وصار ذلك سلواهم وهجيرانهم! وماذلك إلا من غلبة الهوى والجهل بمكائد الشيطان, فصرفهم عن الإهتمام بالقرآن وسماعه, فضلآ عن دراسته, وصار عندهم مهجورآ كما جاء في الآية الكريمة, قال الحافظ ابن كثير في (( تفسيرها )) ( 3/317):
(( يقول تعالى مخبرآعن رسوله ونبيه محمدآ صلى الله عليه وسلم أنه قال: يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )) وذلك أن المشركين كانوا لايسمعون لهذا القرآن ولايستمعونه, كما قال تعالى: (( وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه )) الآية, فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لايسمعونه فهذا من هجرانه, وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه, والعدول عنه إلى غيره من شعر أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه , فنسأل الله الكريم المنان القادر على مايشاء أن يخلصنا مما يسخطه, ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه, والقيام بمقتضاه, آناء الليل وأطراف النهار, على الوجه الذي يحبه ويرضاه, إنه كريم وهاب ))
وهذا آخر مايسر الله تبارك وتعالى تبييضه من هذه الرسالة, نفع الله بها عباده, وذلك أصيل يوم الجمعة, الثامن والعشرين من جمادي الآخرة سنة ( 1415 هـ)
وسبحانك اللهم وبحمده, أشهد أن لاإله إلا أنت, وأستغفرك وأتوب إليه ))

زر الذهاب إلى الأعلى