ما حكم قراءة القرآن للحائض؟
السؤال (164):
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه،وبعد:
فالقول الراجح في هذه المسألة: هو جواز قراءة القرآن للحائض، وهو قول للشافعي قديم، واختيار البخاري والطبري وابن المنذر وابن حزم وابن تيمية رحمهم الله تعالى، وقد استدلوا لذلك بأدلة، منها: أن الله تعالى أمر بتلاوة كتابه فقال: {كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ} (ص: 29). وقال: {أَفلاَ يتَدبَّرُونَ القُرآنَ ولَوْ كَانَ مِن عِندِ غير اللهِ لوجدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} (النساء: 82) وهذه أوامر مطلقة، فمن منع منها في بعض الأحوال كلف أن يأتي بالدليل.
واستدلوا: بما رواه مسلم (117) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
ولفظ «الذكر» يشمل قراءة القرآن وغيره.
قال ابن حجر: «لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف» (الفتح: 1/ 408).
فإذا كان الجنب لا يمنع من قراءة القرآن، وهو حدث أكبر، فالحائض من باب أولى، لأن الجنابة من كسب العبد ويمكنه رفعها، والحيض ليس من كسب المرأة ولا يمكنها رفعه، وقد يطول فتطول مدة الغفلة والبعد عن ذكر الله تعالى، وتتعرض لنسيان ما حفظت.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ القرآن وهو جنب، فقيل له في ذلك، فقال: ما في جوفي أكثر من ذلك. رواه ابن المنذر (2/ 98) والبخاري (1/ 407) تعليقا بصيغة الجزم.
وأما ما احتج به المانعون من الأحاديث، فكله ضعيف لا يثبت، كحديث: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» رواه الترمذي (131) وابن ماجة وغيرهما من طرق ضعيفة كلها.
وحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً» رواه أحمد (1/83) و$ سنده: عبد الله بن سلمة، قال البخاري: لا يتابع في حديثه. وضعفه الدارقطني.
فأحاديث نهي الحائض عن قراءة القرآن لا يصح منها شيء، وإنما صح عنه صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الصلاة والصيام، وصح عنه صلى الله عليه وسلم منع المحدث من مس المصحف في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» رواه الطبراني والدارقطني والحاكم.
و$ مسائل إسحاق بن راهويه لأحمد (ص5): قال: قلت: (أي: لأحمد): هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ. قال إسحاق: كما قال، لما صح قول النبيعليه السلام: لا يمس القرآن إلا طاهر، وكذلك فعل أصحاب النبي عليه السلام والتابعون. انتهى.
فيمكن للحائض أن تقرأ من حفظها أو من كتاب تفسير، أو تقرأ من المصحف بحائل كقفازين ونحوهما.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.