ظاهرة التعلق الشديد بالأشخاص
السؤال (130):
هناك ظاهرة بين الأخوات وهي التعلق الشديد والمحبة الزائدة المؤدية لبعض التصرفات غير المشروعة، فما توجيهكم؟
الجواب:
التعلق الشديد بالغير أو العشق، هو نوع من الأمراض التي تعتري القلوب، بسبب خلوها وفراغها مما يشغلها من محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مرض يشتد ويستحكم عند غير أهل الإيمان كما في قصة يوسف عليه السلام، فإن امرأة العزيز كانت مشركة، ولذا استحكمت محبة يوسف\ منها بخلاف يوسف عليه السلام، فإن الله تعالى ثبته بالإيمان والإخلاص لله بالطاعة.
وقال بعضهم: قد يكون بعض العشق اضطرارياً، وفسَّر بعض السلف قوله تعالى {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} بالعشق. وهذا لم يريدوا به التخصيص، وإنما أرادوا به التمثيل، وأن العشق من تحميل مالا يطاق من الأمور القدرية لا الشرعية.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وفصل النزاع بين الفريقين أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية، داخلة تحت التكليف، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري، فإذا أتي بالأسباب، كان ترتُّب المسبب بغير اختياره. قال: وهذا بمنزلة السُّكر من شُرب الخمر، فإن تناول المسكر اختياري، وما يتولَّد عنه من السكر اضطراري، فمتى كان السبب واقعاً باختياره، لم يكن معذوراً فيما يتولَّد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظوراً، لم يكن السكران معذوراً.
ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر، بمنزلة شرب المسكر فهو يلام على السبب، ولهذا إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارقٍ له، فهذا لا يُلام على ذلك، كما تقدم في قصة بريرة ومغيث (القصة في الصحيح). وكذلك إذا نظر نظرة فجاءه ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه عن قلبه بضده ـ يعني من ذكر الله تعالى والصلاة والصبر ـ فإذا جاء أمرٌ يغلبه فهناك لا يلام بعد بذل الجهد في دفعه، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى في روضة المحبين (147، 148).
فالصحيح من المحبة ما أعان على الطاعة من عبادة وذكر وطلب علم، والفاسد منها ما أورث معصية أو ذنباً.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وعصمنا من الخطأ والزلل، إنه سميع مجيب،
و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.