أهمية العقيدة في حياتنا
مما لا يختلف فيه المسلمون أن علم العقيدة هو اشرف العلوم ، إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع ، ولهذا سمي الإمام أبو حنيفة رحمه الله ما قاله وجمعه في أوراق في أصول الدين ( الفقه الأكبر ) وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة ، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة ، لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبدوها وفاطرها بأسمائه وصفاته و أفعاله ، و يكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواء ، ويكو سعيها فيما يقربها اله دون غيره من سائر خلقه .
ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفته ، وإدراكه على التفصيل ، فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين ، واليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ، ولمن خالفهم منذرين ، وجعل مفتاح دعوتهم و زبده رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته و أفعاله ، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها .
ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان :
أحدهما : تعريف الطريق الموصل إليه ، وهي شريعته متضمنة لمرة ونهيه .
والثاني :تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم .
فأعرف الناس بالله عز وجل اتبعهم للطريف الموصل إليه ، واعرفهم بحال السالكين عند القدوم علية.. ونضيف إلى ما سبق في أهمية العقيدة ودراستها وتعلمها وتعليمها ونشرها ما يلي :
1 – إن العقيدة هي التي استطاعت أن توحد بين القلوب ، وتؤلف بين النفوس وتجمع الأمة على هدف واحد ، وهو محاربة الشرك ،و الضلال والظلم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ونشر التوحيد والعدل والحق والخير بين الناس .
قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) – آل عمران 103 .
وقال : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) – الأنفال 63 . فلا يخفى حال العرب قبل الإسلام من فرقة وتشتت وعداوة وبغضاء وحروب طاحنة ، وحياة بلا أهداف ، فجاءت هذه العقيدة فصنعت منهم في سنوات قلائل أعظم أمة على وجه الأرض ، وصاروا رعاة أمم بعد أن كانوا رعاة غنم ، فسبحان الله العظيم مغير الأحوال.
وليس هناك ما يوحد بين صفوف المسلمين ويجمع كلمتهم سوى هذه العقيدة المباركة ، لا قومية ولا إقليمية ولا وطنية ولا اشتراكية ولا رأسمالية ، ولا غيرها من المذاهب الأرضية .
فهذه العقيدة العظيمة القائمة على الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة ، وهي عقيدة البناء والتربية والتعليم ،والتوجيه والانطلاق ، وهي عقيدة واضحة لا لبس فيه ولا غموض ، ولا لبس فيها ولا غموض ، ولا صعوبة ولا فلسفة مضلة ، بل كانت تعرض على البدوي فيفهمها ويقتنع بها ثم ينطلق بها إلى قومه وعشيرته فيؤمنون بها ، وينطوون تحت لوائها .
2- ونحن نعتقد اعتقادا جازما لا تردد فيه انه ما لم تتمسك امتنا بالعقيدة السلفية الصحيحة ، الصافية النقية ، الموروثة عن سلفنا الأوائل رضي الله عنهم أجمعين فلن تكون هي الأمة المسلمة بحق كما قال تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفكيهم الله وهو السميع العليم ، صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عبدون ) – البقرة 137-138.
فهذه العقيدة هي صبغة الله تعالي هي دينية وفطرته التي أرادها الله تعالى وهي التي تستحق رضوانه ومحبته ، ونعيمه والجنة . وهي التي تستحق نصره تأييده على عدوها ، وتستحق أن يعليها الله تعالي على الأمم لأنها أعلت كلمته ودينه ( أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )
فلا نصر في الدنيا ، ولا فوز في الآخرة ، إلا بهذه العقيدة .
3- ولا يقبل الله تعالى عملا صالحا من العبد إلا بعد أن توجد هذه العقيدة الصحيحة في قلبه ، وتستقر في نفسه ، وإلا ذهبت أعماله أدراج الرياح ، قال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) – النحل 97
وقال ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) – الكهف 30 .
وقال ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنا له كاتبون ) – الأنبياء 94 .
وأما الكفار المعرضين عن الإيمان فإن عملهم كما وصف الله تعالى بقوله ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ) إبراهيم .
4. ومما يبين لنا أهمية العقيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ثلاثة عشر سنة من دعوته التي بمكة كلها في تأسيس العقيدة الإسلامية ، وتثبيت أركان الإسلام والإيمان في النفوس ، وهكذا كان شأن الآيات النازلة عليه بمكة فإنها لا تكاد تخرج من هذا الباب إلا قليلا حتى إذا اطمأنت النفوس إلى هذا الأصل العظيم ، ورسخت في المجتمع دعائمه ، نزلت آيات العبادات والأحكام والمعاملات .
5. والعقيدة هي التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون فلم يختلفوا وإن اختلفت شرائعهم قال سبحانه (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) النحل 36
وقال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) الأنبياء : 25
وقال (( إن الدين عند الله الإسلام وما اختلفت الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)) آل عمران 19 .
قال ابن كثير رحمة الله تعالى : وقوله تعالى (( إن الدين عند الله الإسلام)) إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقى الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته فليس بمتقبل منه كما قال تعالى (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )) الاية :85 .
وقال صلى الله عليه وسلم :”الأنبياء إخوة من علات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد” رواه مسلم .
فالعقيدة تحي العلم بأشرف معلوم ، وهو الله تبارك وتعالى ، والعلم بالله تعالى أحد أركان الإيمان بل هو أصلها ، وما بعدها تبع لها .
وليس الإيمان مجرد قول القائل : آمنت بالله : بل ان حقيقة الإيمان أن يعرف الرب الذي يؤمن به ، بل ويجب عليه ان يبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته ، حتى يبلغ درجة اليقين ، وبحسب علم العبد بربه تكون درجة إيمانه ، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد ايمانه ، والطريق الشرعي للعلم بالله وأسمائه وصفاته هو تدبر القرآن وفهم ماجاء فيهما .
6- ثم إن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه قال تعالى(( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)) الذاريات 56 – ولا يمكن ان يعبدون دون ان يعرفوه ، فلا بد من معرفتهم له سبحانه ليحققوا الغاية المطلوبة منهم والحكمة من خلقهم.
فالاشتغال بمعرفته سبحانه اشتغال العبد بما خلق له ، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له ، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة ، وفضله عليه عظيم متوال من كل وجه ، إن يكون جاهلا بربه معرضا عن معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته.
7- ويكفي لمعرفة شرف هذا الباب : أن القران الكريم لا تخلو آية من آياته من صفة لله سبحانه وتعالى ، او اسم من أسمائه الحسنى ، قال شيخ الإسلام احمد بن تيميه رحمه الله تعالى : ” والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد ، فأعظم آية القرآن الكريم المتضمنة لذلك ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لأبي بن كعب ( أتدري أي اية في كتاب الله أعظم قال (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فضرب بيده في صدره وقال : ليهنك العلم أبا المنذر. انتهى
وقد ثبت في الصحيح : عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أن (( قل هو الله أحد)) تعدل ثلث القرآن ، وبشرالذي كان يقرأها ويقول : إني لأحبها لأنها صفة الرحمن ، بان الله يحبه .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحب من يحب ذكر صفاته سبحانه وتعالى وهذا باب واسع .
فالله نسأل أن يحيينا على الإسلام ، ويتوفانا على الإيمان ، إنه سميع مجيب ،،،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه