حكم استبدال الوقف
السؤال :
لدينا أرض وقف زراعية كبيرة ، ولكن إنتاجها قليل ، وقيمتها عالية جداً ، ولدينا أرض وقف أخرى في منطقة تجارية ، فهل يجوز بيع الأرض الزراعية كلها أو جزء منها وبناء الأرض التجارية بثمنها ، لتحقيق المنفعة والفائدة بذلك؟
الجواب:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد:
فالأصل في الأوقاف التأبيد والتسبيل ، فلا تباع ولا تستبدل ، إلا أن يتعطل الوقف أو يخرب أو يتهدم ، فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه ، كالفرس الحبيس للغزو إذ لم يمكن الانتفاع به ، فإنه يباع ويشتري بثمنه ما يقوم مقامه ، والمسجد الذي يخرب ما حوله فتنتقل ، فتنتقل آلته أو حجارته إلى مكان آخر ، أو يباع ويشترى بثمنه مايقوم مقامه ، فهذا كله جائز ، فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود ، قام بدله مقامه . قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقال: إنه يجوز إبدال الوقف للمصلحة الراجحة مثل : المسجد الموقوف إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه ، فإنه يباع الأول ويوقف ثمنه على الثاني.
ومثل: ما وقف للغلة إذا أبدل بخير منه : كأن يقف داراً أو حانوتاً أو بستاناً ، يكون مغلها قليلاً ، فيبدلها بماهو أنفع للوقف.
(مجموع الفتاوى 31/252 ـ253)
وقد استدل رحمه الله بأدلة منها:
أولاً: ما ثبت في الصحيحين : عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لولا ان قومك حديثوا عهد بجاهلية ، لنقضت الكعبة ولألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين: باباً يدخل الناس ، وباباً يخرجون منه».
قال: ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض ، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه صلى الله عليه وسلم واجباً لم يتركه ، فعلم أنه جائز، وأنه كان أصلح لولا ماذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام .
وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر ، فعلم أن هذا جائز في الجملة .
ثانياً: ما ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما من أنهما غيرا بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، أما عمر فبناه بنظير بنائه الأول باللبن والجذوع ، وأما عثمان فبناه بمادة أعلى من تلك كالساج.
وبكل حال فاللبن والجذوع التي كانت وقفاً أبدلها الخلفاء الراشدون بغيرها ، وهذا أعظم ما يشتهر من القضايا ولم ينكره منكر ، ولا فرق بين إبدال البناء ببناء ، وإبدال العرصة بعرصة (أي الساحة) إذا اقتضت المصلحة ذلك .
ولهذا أبدل عمر بن الخطاب مسجد الكوفة بمسجد آخر ، أبدل نفس العرصة وصارت العرصة الأولى سوقاً للتمارين بعد أن كانت مسجداً ، وهذا أبلغ ما يكون في إبدال الوقف للمصلحة .
مجموع الفتاوى (31/244).
وقد استحسن ابن الهمام من الحنفية تجويز الاستبدال ، وإن لم يشترطه الواقف فيما إذا كان أحسن للوقف. (فتح القدير 5/228).
وهو مذهب بعض الحنابلة. (المغني 6/227) .
غير إن ابن قدامه قال (المغني: 6/227) : فإن لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت ، وكان غيره أنفع منه وأكثر ، رد على أهل الوقف لم يجز بيعه ، لأن الأصل تحريم البيع ، وإنما أبيح للضرورة ، صيانة لمقصود الوقف مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع ، وإن قل مايضيع المقصود ، اللهم ألا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعا ، فيكون وجود ذلك كالعدم .
وهو وجه عند الشافعية إلا في المسجد ، فقالوا : إنه يمكن الصلاة فيه مع خرابه وقد يعمر الموضع فيصلى فيه. (المهذب 1/581)
وقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: وأما قول القائل : لا يجوز النقل والإبدال ، إلا عند تعذر الانتفاع فممنوع ، ولم يذكروا على ذلك حجة لا شرعية ولا مذهبية ، فليس عن الشارع ولا عن صاحب المذهب هذا النفي الذي احتجوا به !
قال : بل قد دلت الألة الشرعية وأقوال صاحب المذهب على خلاف ذلك ، وقد قال أحمد : إذا كان المسجد يضيق بأهله ، فلا بأس أن يحول إلى موضع أوسع منه ، وضيقه بأهله لم يعطل نفعه ، بل نفعه باق كما كان ، ولكن الناس زادوا ، وقد أمكن أن يبنى لهم مسجد آخر ، وليس من شرط المسجد أن يسع جميع الناس ، ومع هذا جوز تحويله إلى موضع آخر ، لأن اجتماع الناس في مسجد واحد أفضل من تفريقهم في مسجدين لأن الجمع كلما كان أكثر كان أفضل ” مجموع الفتاوى ( 31م220) .
من مجموع ما تقدم نقول : إن استبدال الوقف بما هو أنفع وأحسن ، لايتنافى مع مقصود الواقف ، كما أنه اشتمل على مصلحة راجحة لا يسلم بتفويتها بحجة عدم جواز التصرف المخالف لمقتضى الوقف .
وعليه: فيجوز بيع جزء من الأرض الزراعية ، لإعمار الأرض التجارية ، أو بيعها كلها إذا اقتضت المصلحة الراجحة ذلك واستبدالها بما هو أنفع وأفضل.
والله سبحانه اعلم ،،،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم