أرشيف الفتاوى

حكم قتل المعتدي على الحرمة

السؤال :

إذا وجد الرجل رجلاً يزني بزوجته فهل يجوز له قتله  وقتل زوجته ؟

الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :
اختلف  العلماء في هذه المسألة على قولين : الأول : يجوز له ذلك .
قال ابن قدامة في المغني (12/535) : وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله فلا قصاص عليه ولا دية ، لما روي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يتغدى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم ، فجاء حتى قعد مع عمر فجعل يأكل ، وأقبل جماعة من الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين ، إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته ، فقال عمر : ما يقول هؤلاء ؟ قال : ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف ، فإن كان بينهما أحد فقد قتله ، فقال لهم عمر : ما يقول ؟ قالوا : ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسطه باثنين ، فقال عمر : إن عادوا فعد ، رواه هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ، أخرجه سعيد ، انتهي .
وفيه إرسال ، إبراهيم هو النخعي لم يسمع من عمر وإن كان جماعة من الأئمة صححوا مراسيله ، قاله العلائي ( التهذيب 1/178).
وقد بوب البخاري في كتاب الحدود بابا سماه : (( باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله )) : ذكر فيه عن المغيرة أنه قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مفصح ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه ، والله أغير مني ” .
قال الحافظ ابن حجر : قوله ” باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله )) كذا أطلق ولم يبين الحكم ، وقد اختلف فيه : فقال الجمهور عليه القَوَد ، وقال أحمد وإسحاق : إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه ، وقال الشافعي : يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ، ولكنه لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم ، وكذا قال الحنفية حيث ذكروا : أنه يحل ديانة لا قضاء ، فلا يصدقه القاضي إلا بينة )) ( الفتح : 12 / 174 ) .
وسئل الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه المسألة ، أجاب :
الحمد لله ، إن كان قد وجدهما يفعلان الفاحشة وقتلها فلا شيء عليه في الباطن في أظهر قولي العلماء ، وهو أظهر القولين في مذهب أحمد ، وإن كان يمكنه دفعه عن وطئها بالكلام ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لو أن رجلا اطلع في بيتك ففقأت عينه ما كان عليك شيء ” و ” نظر رجل مرة في بيته فجعل يتبع عينه  بمدرى لو أصابته لقلعت عينه ” . وقال : ” إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ” وقد كان يمكن دفعه . وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبيده سيف متلطخ بدم قد قتل امرأته ، فجاء أهلها يشكون عليه ، فقال الرجل : إني قد وجدت لكاعًا قد تفخذها فضربت ما هنالك بالسيف ، فأخذ السيف فهزه ، ثم أعاده إليه ، فقال : إن عاد فعد .
ومن العلماء من قال : يسقط القود عنه إذا كان الزاني محصنا ، سواء كان القاتل هو زوج المرأة أو غيره ، كما يقوله طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد .
والقول الأول : إنما مأخذة أنه جني على حرمته فهو كفقيء عين الناظر، وكالذي انتزع يده من فم العض حتى سقطت ثناياه ، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه ، وقال : ” يدع يده في فيك فتقضمها كما يقضم الفحل ؟! ” وهذا الحديث الأول القول به مذهب الشافعي وأحمد .
ومن العلماء من لم يأخذ به ، قال : لأن دفع الصائل يكون بالأسهل . والنص يقدم على هذا القول . وهذا القول فيه نزاع بين السلف والخلف ، فقد دخل اللص على عبد الرحمن بن عمر ، فأصلتَ له السيف ، قالوا : فلولا أنا نهيناه عنه لضربه ، وقد استدل أحمد بن حنبل بفعل ابن عمر هذا مع ما تقدم من الحديثين ، وأخذ بذلك .
وأما إن كان الرجل لم يفعل الفاحشة ، ولكن  وصل لأجل ذلك فهذا فيه نزاع ، والأحوط لهذا أن يتوب من القتل من مثل هذه الصورة ، وفي وجوب الكفارة عليه نزاع ، فإذا كفّر فقد فعل الأحوط ، فإن الكفارة تجب في قتل الخطأ . وأما قتل العمد فلا كفارة فيه عند الجمهور : كمالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد في المشهور عنه ، وعليه الكفارة عند الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى ” انتهى .
( مجمع الفتاوى 34/168-169 ) .
فنصر ابن تيمية هذا القول ، وأنه أظهر القولين في مذهب أحمد ، وإن كان يمكنه دفعه عن وطئها بالكلام ، لما ثبت في الصحيحين أن من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه أنه لا شيء عليهم ، وأنه كالذي انتزع يده من فم العاض حتى سقطت ثناياه فأهدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه جان في الحالين على حرمة غيره . وأن قول من قال من الفقهاء : إن الدفع يكون بالأسهل يقدم عليه الأحاديث السابقة.
ولعله الراجح من الأقوال ، وفيه ردع أهل الشر والفساد في زمننا .
والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى