أرشيف الفتاوى

هل يجب التحلل ممن اغتابه الإنسان ؟

السؤال :

هل يجب على من اغتاب مسلما وأراد أن يتوب إلى الله أن يتحلل ممن اغتابه أم هل يذكر له ما قاله فيه من وارء ظهره ، وإذا رأى أن ذكره لما تكلم به في حقه قد يؤدي إلى غضبه ونفوره ، فهل يجب عليه والحالة هذه أن يذكر له ذلك ، أم يكتفي بأن يتحلل منه دون ذكر ما قال فيه ؟

الجواب :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه  ،،،
وبعد:
الراجح – والله أعلم – أنه لا يعلمه بأنه قد اغتابه إذا لم يعلم ، بل يكفيه أن يستغفر من ذنبه ، وأن يستغفر لأخيه في مقابل ما حصل منه من غيبة وإيذاء له .
وهذه أقوال العلماء في ذلك :
قال النووي رحمه الله تعالى  في كتابه ( الأذكار ) (2/845 ) باب كفارة الغيبة والتوبة منها :
اعلم أن كل من ارتكب معصية لزمه المبادرة إلى التوبة منها ، والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء :
أن يقلع عن المعصية في الحال .
وأن يندم على فعلها .
وأن يعزم ألا يعود إليها .
والتوبة من حقوق الآدميين يشترط فيها هذه الثلاثة ، ورابع ، وهو : رد الظلامة إلى صاحبها ، أو طلب عفوه عنها ، والإبراء منها .
فيجب على المغتاب التوبة بهذه الأمورالأربعة ، لأن الغيبة حق آدمي ، ولا بد من استحلال من اغتابه .
وهل يكفيه أن يقول : قد اغتبتك فاجعلني في حل ، أم لا بد أن يبين ما اغتابه فيه ؟
فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله :
أحدهما : يشترط بيانه ، فإن أبرأه من غير بيانه ، لم يصح كما لو أبرأه عن مال مجهول .
والثاني : لا يشترط ، لأن هذا مما يتسامح فيه ، فلا يشترط علمه ، بخلاف المال .
الأول أظهر ، لأن الإنسان قد يسمح بالعفو عن غيبة دون غيبة .
فإن كان صاحب الغيبة  ميتا أو غائبا ، فقد تعذر تحصيل البراءة منها ، لكن قال العلماء : وينبغي أن يكثر الاستغفار له ، والدعاء ، ويكثر من الحسنات .
واعلم أنه يستحب لصاحب الغيبة أن يبرئه منها ، ولا يجب عليه ذلك لأنه تبرع وإسقاط حق ، فكان إلى خيرته ، ولكن يستحب له استحبابا متأكدا الإبراء ، ليلخص أخاه المسلم من وبال هذه المعصية ، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى ومحبة الله سبحانه وتعالى . انتهى وهو قول الغزالي .
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية ( 1/92 ) : وقيل إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين .
وذكر غير واحد : إن تاب من قذف إنسان أو غيبة قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحلل منه ؟ على روايتين .
واختار القاضي أنه لا يلزمه ، لما روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أنس مرفوعا (( من اغتاب رجلا ثم استغفر له من بعد غفر له غيبته )) وبإسناده عن أنس مرفوعا (( كفارة من اغتيب أن تستغفر له )) .
والحديثان لا يصحان عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، ولأن في إعلامه إدخال غم عليه . قال القاضي : فلم يجز ذلك ، وكذا قال الشيخ عبد القادر .
وقال ابن عبد البر في كتاب (( بهجة المجالس )) : قال حذيفة رضي الله عنه : كفارة من اغتبته أن تستغفر له .
وقال عبد الله بن المبارك لسفيان بن عيينة : التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته . فقال سفيان : بل تستغفر مما قلت فيه ، فقال : ابن المبارك : لا تؤذوه مرتين .
ومثل قول ابن المبارك اختاره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح الشافعي في (( فتاويه )).
وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة قال : فكل مظلمة في العرض من اغتاب صادق  ، وبهت كاذب ، فهو في معنى القذف ، إن القذف قد يكون صدقا فيكون في المغيب غيبة ، وقد يكون كذبا فيكون بهتا .
واختار أصحابنا أنه لا يعلمه ، بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته ، كما روي في الأثر . انتهى .
ولا يخفى قوة ما اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، لما في إعلامه من إيذائه مرتين ، ومن خوف حدوث خصام أو نفرة أو تقاطع وتهاجر بينهما .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى