حكم القرقيعان
السؤال :
نريد منكم فتوى عن حكم القرقيعان في الشرع بصفته التي نحن عليها بالبيئة الكويتية أو الخليجية ، وما حكم عمل مهرجانات بذلك ، و ما حكم قبول هدية الطالبة لمعلمتها بهذه المناسبة ؟
و جزاكم الله خيراً كثيراً ، و بارك فيكم.
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ،،،
وبعد :
إن ما يسمى «بالقرقيعان» هو نوع من الاحتفال يكون في منتصف شهر رمضان تقريباً ، يعود في كل سنة ، يحتفل فيه بعض الناس بتقديم الحلويات والمكسرات على الأطفال ويجتمعون لذلك أحياناً ، ويطوف فيه الأطفال على البيوت ويطرقون الأبواب سائلين للحلويات وغيرها ، لابسين ملابس خاصة ، وأكياسا في صدورهم أو بأيديهم .
وهذا احتفال وعيد مبتدع مخترع ، لا أصل له في الإسلام ، ولا يعرف عند السابقين من صدر هذه الأمة ، ولا من بعدهم من القرون المفضلة ، ولا بعدها .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : « أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، و شر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة» رواه مسلم .
وقد قال أهل العلم : إن العيد يشتمل على أمور أربعة :
الأول : كونه عيدا يعود كل عام ، بموعد محدد معلوم .
الثاني : كونه اجتماعا يجتمع له المحتفلون .
الثالث : أنه يلبس له ملابس خاصة ، ويتزين له .
الرابع : أنه توزع فيه الحلوى والأطعمة الخاصة .
وهذه الأربعة موجودة كلها في هذا الاحتفال المسمى ” القرقعان ” والذي يكون بمنتصف شهر رمضان المبارك شهر العبادة .
و قد طرق هذه المسألة – وهي مسألة الأعياد – بتوسع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» ونذكر منه ما يناسب باختصار وتصرف ، قال رحمه الله تعالى :
والوجه الثاني: في ذم المواسم و الأعياد المحدثة : ما تشتمل عليه من الفساد في الدين ، واعلم أنه ليس كل أحد ، بل ولا أكثر الناس يدرك فساد هذا النوع من البدع ، لا سيما إذا كان من جنس العبادات المشروعة ، بل أولوا الألباب هم الذين يدركون بعض ما فيه من الفساد .
والواجب على الخلق : اتباع الكتاب والسنة ، وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة.
فمن ذلك : أن من أحدث عملاً في يوم ، كإحداث صوم أول خميس من رجب ، والصلاة في ليلة تلك الجمعة التي يسميها الجاهلون «صلاة الرغائب» مثلاً ، وما يتبع ذلك من : إحداث أطعمة ، وزينة ، و توسيع في النفقة ، ونحو ذلك ، فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب ، و ذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله … ثم قال : ولولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه ، أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم و الليلة ، فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع .
و قال في موضع آخر:
و العيد يكون اسماً لنفس المكان و لنفس الزمان و لنفس الاجتماع ، وهذه الثلاثة قد أحدث فيها أشياء . أما الزمان : فأولاً: كتعظيم يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً ، و لم يكن له ذكر في السلف و لا جرى فيه ما يوجب تعظيمه مثل تعظيم أول خميس من رجب وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب ، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة ، إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة .
ثانياً: أو تعظيم يوم جرت فيه حادثة كما يجري في غيره ، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ، ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ، فزاد بعض أهل الأهواء واتخذوا هذا اليوم عيداً ، وهذا محدث لا أصل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك اليوم عيداً ، حتى يحدث فيه أعمالاً ، إذْ الأعياد شريعة من الشرائع .
ثالثاً: ماهو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ، ويوم عرفة و يومي العيدين و العشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة ، وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ، ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة التي يحدث فيها من البدع والمنكرات ما يعتقد أن له فضيلة ، وهو في حقيقته منهي عنه .
و قال : إن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سنناً ومواسم ، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد ، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد ، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله و سنّه. إلى آخر كلامه رحمه الله .
و بهذا يظهر أنه لا يجوز إقامة هذه الاحتفالات ، أو عمل المهرجانات بهذه الصورة التي صارت عيداً متكرراً كل سنة ، يعد لها الحلوى الخاصة ، وصارت تطبع لها المنشورات و تستعد لها الأسواق المركزية وغيرها ،،،
و الله المستعان ، وهو أعلم بالصواب .
و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.