الوسطية في ” الإيمان بالله تعالى ” والرد على المخالف-2
لا شك أن أعظم الانحراف عن الصراط المستقيم ما وقع في التوحيد وأركان الإيمان , وأعظم ذاك ما وقع في الإيمان بالله تعالى وتوحيده في أسمائه وصفاته وأفعاله لأن بقية الأركان تبع له , وقد ضلت فيه طوائف كثيرة بين الإفراط والتفريط .
فنجد اليهود قد وصفوا الله تعالى بصفات النقص التي يتنزه عنها حتى بعض المخلوقين , وشبهوا الخالق بالمخلوق , فقالوا : انه بخيل ! وفقير! وأنه لما خلق السموات والأرض في ستة أيام استراح يوم السابع ( يوم السبت ) !!
وقد حكى الله تعالى عنه ذلك في كتابه , ورد عليهم وتوعدهم بأليم العذاب , قال سبحانه عنهم ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) {المائدة : 64 }.
فاليهود حين ضيق الله تعالى عليهم أرزاقهم , عقوبة لهم على عصيانهم أوامر الرسل صلوات الله عليهم وسلامه , قالوا يد الله ” مغلولة ” وكنوا بذلك عن بخله بالعطاء , كما يكنى ببسط اليد بالجود والسخاء , فقال تعالى ” غلت أيديهم ” وهو دعاء عليهم بالبخل , ومن ثم كان اليهود أبخل خلق الله تعالى , أو هو دعاء عليهم بأن يعذبوا في جهنم بالأغلال التي توضع في الأعناق ( ولعنوا بما قالوا ) أي طردوا من رحمة الله وأبعدوا , وهو دعاء ثان عليهم . ( بل يداه مبسوطتان) أي بالجود والعطاء , الذي لا نهاية له ( ينفق كيف يشاء ) فيعطي من يشاء , ويمنع من يشاء , بحكمته وعلمه سبحانه .
وقال تعالى عنهم ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) { آل عمران : 181 } .
فقد روى الطبري : بسنده إلى ابن عباس : أن فنحاص اليهودي قال لأبي بكر رضي الله عنه : والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر, وانه إلينا الفقير , وما نتضرع إليه كما تضرع إلينا وأنا عنه الأغنياء !! ولو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبك ! فغضب أبو بكر فضربه على وجهه , وفيه نزلت الآية السابقة .
ورد الله عليهم أيضا قولهم إن الله استراح اليوم السابع , فقال ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما من لغوب ){ ق: 38 }.
فالشاهد أن هذه الآيات وأمثالها , ردت على اليهود أقوالهم المتضمنة نسبة النقص في صفات الله تعالى العلا , وما يخالف أسمائه الحسنى .
• أما النصارى فقد شبهوا المخلوق بالخالق ! فوصفوا رسول الله وعبده عيسى عليه السلام بصفات الخالق ! وأعطوه خصائص الرب التي لا تليق إلا به , فقالوا : انه يخلق ويرزق , ويحي ويمت , ويتوب على المذنبين وغير ذلك , فجاءت الآيات القرآنية لتبين لهم خروجهم عن الصراط المستقيم وعن العدل والوسط , وترد عليهم انحرافهم , فقال جل وعز ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات الأرض وما بينهم يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير){سورة المائدة : 17} .
فهذه الفرقة من النصارى ادعت أن عيسى عليه السلام هو الله ! فرد الله عليهم بقوله ( قل فمن يملك من الله شيئا ) أي : ومن يقدر أن يدفع من أمر الله شيئا إذا قضاه؟! ( إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ) .
وفرقة أخرى قالت : إن الإله ثلاثة في واحد !! قال عز وجل ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا اله واحد ) ثم توعدهم وهددهم فقال ( وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم ) { المائدة : 73 }.
وثالثة قالت بنبوة عيسى عليه السلام , قال جل ذكره ( وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ) {التوبة : 30 }.
فقوله ( ذلك قولهم بأفواههم ) أي : ليس لهم دليل على مقولتهم هذه ولا برهان بل مجرد القول , ( يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ) أي : يشابهون بقولهم الشنيع هذا قول المشركين , الذين قالوا : الملائكة بنات الله ! (قاتلهم الله ) دعاء عليهم باللعنة أو الهلاك ( أنى يؤفكون ) أي : كيف يصرفون عن الحق الواضح المبين , وهو استحاله أن يكون له ولد سبحانه إلى الباطل المحال , كما قال في سورة الأنعام ( بديع السموات والأرض أنى يؤفكون له ولد ولم تكن صاحبه وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ) {الأنعام :101 } أي : هو الذي أبدع السموات والأرض فخلقها على غير مثال سابق , ولم تكن له زوجة فكيف يكون له ولد ؟! والمعلوم أنه لا يكون الولد إلا من الزوجة والله تعالى لا مثل له ولا نظير ، فانتفى بذلك حصول الولد .
فالقرآن الكريم قد بين للأمة الوسط ضلال الطائفتين : الغالية والجافية , المفرطة والمفرّطة , لتهلك السبيل الأقوم فتسعد في الدارين , جعلنا الله تعالى منهم وحشرنا في زمرتهم ، والحمد لله رب العالمين .