– 3- الوسطية في ” أسماء الله تعالى وصفاته “
أمة الإسلام وسط بين الأمم كما قال سبحانه وتعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق ، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم .
ومن ذلك وسطيتهم في أسماء الله تعالى وصفاته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ” العقيدة الواسطية ” : فهم – أي أهل السنة – وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية ، وأهل التمثيل المشبهة اهـ .
هذان طرفان متطرفان : أهل التعطيل الجهمية , وأهل التمثيل المشبهة .
فالجهمية ينكرون صفات الله عز وجل , بل من غلا منهم ينكر أسماء الله تعالى كما يؤثر الجهم أنه قال : لو قلت إن لله تسعا وتسعين اسما ، لعبدت تسعا وتسعين إلها !! نقله الحافظ في الفتح ( 378/13) .
فلا يثبتونه اسما ولا صفة ويجعلون صفاته من باب المجاز , والمعتزلة ينكرون صفات الله ويثبتون الأسماء ! والأشعرية يثبتون الأسماء وسبعا من الصفات وبعضهم ثلاثة عشرة .
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى في شرح للواسطية : وكل هؤلاء يشملهم اسم التعطيل , لكن بعضهم معطل تعطيلا كاملا كالجهمية , وبعضهم تعطيلا نسبيا , مثل المعتزلة والأشاعرة انتهى .
وأما أهل التمثيل والتشبيه , فيثبتون صفات الله تعالى , ويقولون : يجب إثباتها له تعالى لكن يقولون : إنها مثل صفات المخلوقين !! فالسمع والبصر كالسمع والبصر في المخلوق ! وهؤلاء غلوا في الإثبات وضلوا .
أما الأمة الوسط فهم الذين قالوا : نثبت لله تعالى الأسماء الحسنى , والصفات العلا التي جاءت في القرآن والسنة , ولا نرد شيئا منها , وفي الوقت نفسه لا نشبه شيئا منها بصفات المخلوقين وبرهانهم في ذلك قوله تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) {الشورى : 11} , فقوله عز وجل ( ليس كمثله شيء ) نفي للتمثيل والتشبيه , وهو السميع البصير إثبات للأسماء والصفات .
قال نعيم بن حماد ( شيخ الإمام البخاري ) : من شبه الله بخلقه فقد كفر , من أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر , وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها . أخرجه الذهبي في العلو {ص126} .
وقال الشافعي في الرسالة { ص 6} : ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته , الذي هو كما وصف نفسه , وفوق ما يصفه به خلقه .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى في كتابه ” اختلاف المصلين ومقالات المسلمين ” : ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث ” : جملة قولهم : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله , وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا .
وأن الله على عرشه كما قال ( الرحمن على العرش استوي ) { طه : 5 } وأن له يدين بلا كيف كما قال ( لما خلقت بيدي ) {ص : 75 } وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله , كما قالت المعتزلة والخوارج. وأقروا أن لله علما , كما قال : ( أنزله بعلمه ) ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . وأثبتوا السمع والبصر , ولم ينفوا من ذلك عن الله كما نفته المعتزلة … إلى آخر كلامه رحمه الله في إثبات الصفات .
وهذه العقيدة الوسط هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وعنهم تلقاها التابعون لهم بإحسان كما قال سبحانه ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ) { البقرة : 285 } .
وقال سبحانه وتعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) { الأعراف : 18 } .
فالإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته خروج عن منهج الوسطية الذي حدد معالمه القرآن وأثبته , فمن أنكر اسما من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته فقد ألحد في أسماء الله وانحرف عن الصراط المستقيم , وكذا من سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه فقد ألحد في أسماء وانحرف عن الصراط المستقيم , وكذا من سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه فقد ألحد في أسماء الله تعالى , والواجب أن يدعى الله تعالى بأسمائه الحسنى كما قال عز وجل ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) .
وقال ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى ) { الإسراء : 110 } .
والآيات التي جاءت مثبتة لأسماء الله تعالى وصفاته كثيرة جدا ، كسورة الإخلاص وآية الكرسي وأواخر سورة الحشر وغيرها كثير جدا , والآيات التي جاءت منزهة لله عما يصفه به الواصفون بغير علم ولا برهان كثيرة وهي أقل من المثبتة ، كقوله تعالى ( سبحانه تعالى عما يصفون ) { الأنعام : 100} .
وقال( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) { الإسراء : 43 }.
فمذهب أهل الحق الذين على الصراط المستقيم تشهد له آيات الكتاب وتؤيده السنة المطهرة ، وعليه فهم صحابة الرسول صلى الله عليهم الكرام , جعلنا الله تعالى من أتباعهم وحشرنا في زمرتهم آمين ، والحمد لله رب العالمين .