القراءة على الماء ومشروعيتها
السؤال :
ما حكم القراءة على الماء والزيت ، وقد سمعنا من يجوزها ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم قاموا بذلك ؟
الجواب :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وآله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :
فالقراءة على الماء ونحوه مشروعة وجائزة عند كثير من أهل العلم ، قديما وحديثا.
وأما قولك : إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إنهم قاموا برقية في ماء أو زيت أو عسل أو غيره!! غير صحيح .
ولو قيدته بقولك فيما أعلم ، لكان صوب وأسلم .
فقد روى الطبراني في المعجم الصغير (ص 117) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 223) وغيرهما : عن علي رضي الله عنه قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي ، فلما فرغ قال : ” لعن الله العقرب ، لا تدع مصلياً ولا غيره ، ثم دعا بماءٍ وملحٍ ، وجعل يمسح عليها ويقرأ بـ (قل يا أيها الكافرون) و(قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) .
وله شواهد ، فقد أخرجة الترمذي ( 2905 ) عن ابن مسعود رضي الله عنه وفيه : فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ، ويقرأ ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين حتى سكنت .
وقد صححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (548) .
أفليس هذا من الرقية والقراءة على الماء ؟!
وقد ذكر الحديث الإمام ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي من زاد المعاد (4/180) ثم قال : ففي هذا الحديث : العلاج بالدواء المركب من الأمرين : الطبيعي ، والإلهي ، فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي ، وإثبات الأحدية لله ، المستلزمة نفي كل شركة عنه …
قال : وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ، فإن الاستعاذة من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه ، سواء كان في الأجسام أو الأرواح …
والسورة الثانية : تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن . فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ، ولهما شأن عظيم في الاحتراس من الشرور قبل وقوعها ، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر بقراءتهما عقب كل صلاة … إلخ كلامه رحمه الله .
ثم قال :
وأما العلاج الطبيعي فيه ، فإن في الملح نفعاً لكثير من السُّموم ، ولا سيما لدغة العقرب ، كما ذكر الأطباء ، فقد قال صاحب “القانون : ” يُضمد به مع بزر الكتان للسع العقرب ، وذكره غيرهُ أيضاً. وفي الملح من القوة الجاذبة المحلِّلة ما يَجذبُ السموم ويُحللها ، ولما كان في لسعها قوةٌ نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج جمع بين الماء المبرد لنار اللسعة، والملح الذي فيه جذب وإخراج ، وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره وأسهله، وفيه تنبيه على أن علاج هذا الداء بالتبريد والجذب والإخراج والله أعلم. انتهى.
ونقله الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 98) .
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد : عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان الشيء منه ، أو كانت به قرحة أو وجع ، قال بأصعه هكذا ، ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها ، وقال : ” بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا ، بإذن ربنا ” .
قال ابن مفلح : وهذا علاج مركب سهل ، فإن القروح والجراح يتبعها غالباً سوء مزاج ورطوبة رديئة وسيلان ، والتراب الخالص طبيعته باردة يابسة فوق برد كل دواء مفرد ، فتقابل برودته تلك الحرارة ، ويبسه تلك الرطوبة ، ويعدل مزاج العضو العليل فتقوى قوته المدبرة ، فتدفع ألمه بإذن الله تعالى ، وينضم مع ذلك ، هذا الكلام المتضمن لبركة اسم الله والتوكل عليه ، وتفويض الأمر إليه . انتهى (3/ 94) .
وروى ابن ماجة (3548) : عن عثمان بن أبي العاص قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيئ في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي ، فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ” ابنُ أبي العاص ؟ ” قلت : نعم يا رسول الله ، قال : ” ما جاء بك ؟ ” قلت : يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي ، حتى ما أدري ما أُصلي . قال: ” ذاك الشيطانُ ، ادنه ” فدنوت منه . فجلست على صدور قدمي . قال : فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي ، وقال : ” اخرُجْ عدُوَّ الله ” ففعل ذلك ثلاث مرات . ثم قال: ” الْحَقْ بعَمَلِكَ “. وصححه العلامة الألباني في السنن .
وفي الصحيحين : أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله فيمسح بيده اليمنى .
وكان إذا أوى إلى فراشه نفث بكفه بـ (قل هو الله أحد) وبالمعوذتين جميعاً ، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده .
فلا حرج من القراءة والنفث في الماء وعلى البدن وعلى المعيون ، كما روى مالك في الموطأ (2/938) حادثة سهل بن حنيف ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة أن يتوضأ له .
وغيرها كثير مما تبعه يطول ، لكن وجود بعض الناس الذين يجعلون ذلك تجارة ، هو خلاف هدي السلف ، ومما يذهب البركة من الرقية .
والله أعلم ،،،
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.