الحوار بين الأديان والمذاهب
الحوار بين الأديان والمذاهب متنوع بحسب أهدافه وأغراضه ، وبحسب أهله وأحوالهم ، فمنه ما هو حق وخير ، ووسيلة فعالة من وسائل إصلاح الفرد والجماعة والأمم ، وذلك إذا كان دعوة وبيانا للدين ، وبحثا عن الحق ، وسبيلا إلى التعايش والتفاهم في الأرض ، والتعاون على البر والخير .
ومنه ما هو باطل ، وإضاعة للأوقات ، ولحقوق العباد والبلاد ، إذا كان نقضا للدين الحق ، وتمييعا لشرائعه ، وطمسا لمعالمه ، وإماتة لعقيدة الولاء والبراء ، وإذا فقدت الضوابط والمقاييس الصحيحة منه .
ولذلك فإن حوار الأديان لا يرد مطلقا ، لأننا بذلك قد نرد الحق الذي فيه ، ولا نقبله مطلقا لأننا بذلك نقبل الباطل الذي فيه .
وكذا الحوار بين أهل السنة والجماعة والمذاهب البدعية وأهل الأهواء .
أما أسس الحوار الصحيحة فأهمها :
1- الاتفاق على منطلقات ثابتة ، وقضايا مسلَّمة ومتفق عليها بين الطرفين ، وهذه المسلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها العقل السليم ، ولا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ، كحُسن الصدق ، وقُبح الكذب ، وحسن الأمانة ، وقبح الخيانة ، وشُكر المحسن ، ومعاقبة المذنب .
أو تكون مسلَّمات دينية ، لا يختلف عليها المعتنقون للديانات عموما ، كالإقرار بالخالق الرازق المدبر ، وكالإقرار بالرسل والملائكة واليوم الآخر ونحوها من المعتقدات الثابتة المتفق عليها .
وبالوقوف عند الثوابت والمسلَّمات ، والانطلاق منها ، يمكن إيجاد قواسم مشتركة للحوار والتفاهم ، ويتحدد بها مُريد الحق ، ممن لا يريد إلا المراء والجدال .
2- سلوك الطرق العلمية والتمسك بها عند الحوار ، ومن أهمها :
ا – تقديم الأدلة المُثبِتة للقول ، أو المرجِّحة للدعوى ، قال الله سبحانه : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) وأما القول بغير دليل فمردود كما قال سبحانه ( إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون ) يونس : 68 .
وقال سبحانه ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) النجم : 28.
ب – التأكد من سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض ، فالمتناقض ساقط بداهة .
ج – إثبات صحة المنقول من الحجج والأقوال ، وفقا للقاعدة المعروفة : إن كنت ناقلا فالصحة ، وإن كنت مدَّعيا فالدليل .
د – أن لا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلا ، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى .
أما الآداب التي يجب أن يسير عليها الحوار فتتمثل في :
العدل والإنصاف ، وهما من أهم الضوابط والآداب في الحوار ، فيجب على المحاور أن يكون منصفا فلا يرد حقا أبدا ، بل عليه أن يقبل بالأدلة الصحيحة التي يوردها محاوره ، ويبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة ، وهذا الإنصاف له أثره العظيم لقبول الحق ، واستمرار الحوار .
وأما التعصب وعدم قبول الحق ، فإنه من الصفات الذميمة في كتاب الله عزوجل ، فقد أمرنا عزوجل بالعدل ، فقال ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. ) النحل : 90 .
بل إن الله يأمرنا بالعدل والإنصاف حتى مع الأعداء فيقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة : 8 .
وقد أنصف الله تعالى أهل الكتاب في قوله تعالى: ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) آل عمران : 113.
فلا بد من التسليم للحق والقبول به إذا اتضح وبان ، فلا يستنكف المتحاور من قبول الحق ولو جاء ممن هو دونه علما أو سنا أو قدرا ، والرجوع للحق بعد أن يتبين له ، خير من التمادي في الباطل .
ومن الأخلاق العظيمة : التمسك بخلق الصدق ، والأمانة في النقل ، والإخلاص والتجرد في طلب الحق من كل غرض دنيوي ، ومصلحة عاجلة .
وتجنب اللدد في الخصومة والتشدد ، ومجاوزة حد الاعتدال ، والأخذ باللين والرفق ، فإن الله تعالى يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ، وقال تعالى ( ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .
وكذا البعد عن التهكم والسخرية والاستهزاء بالمخالف ، والإثارة والاستفزاز.
ومن الآداب : حسن الاستماع للآخر ، وتدبُّر قوله الذي لا يتحقق إلا بحسن الاستماع له حتى آخره .
كذلك من الأخلاق الهامة : الحلم والصبر أثناء الحوار ، فالمحاور يجب أن يكون حليما صبورا ، فلا يغضب لأتفه الأسباب ، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه والابتعاد عنه ، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته ، وإنما يكون ذلك بالحلم والعلم ، والحلم من صفات المرسلين والمؤمنين ، قال تعالى: ( إن إبراهيم لأواه حليم ) التوبة : 114 .
وقال ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران .
ومن أعلى مراتب الصبر والحلم : مقابلة الإساءة بالإحسان ، فإن ذلك له أثره العظيم على المحاور ، وكثير من الذين اهتدوا للحق والدين الصحيح ، لم يهتدوا لعلم المحاور واتقانه لأساليب الجدل ، وإنما لأدبه وحسن خلقه ، واحتماله للأذى ومقابلته بالإحسان .
ومن الأخلاق المطلوبة : البعد عن التسرع في إصدار الأحكام ، إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية وتثبت ، مع عدم وضوح الرؤية ، يوقع في أخطاء وظلم للمخالف .
وبعد :
فالحوار مبدأ شرعي في دين الإسلام ، وكتاب الله تعالى مليئ بعشرات المحاورات التي يمكن الاستفادة منها في الباب المهم ، وقد كتبت عدة كتب فيه ، يمكن الاستزادة منها ، والله الموفق والهادي للصحق وحده لا شريك له .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،