الصيام في شعبان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :
فمن الشهور التي يستحب صيامها اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم شهر شعبان ، فقد كان يصومه كله أو أكثره .
فقد أخرج البخاري في صحيحه (4/213) – الفتح : من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ” وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان ” .
وفي رواية عنها قالت : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان ، وكان يصوم شعبان كله ، وكان يقول : ” خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ..” وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان لا كله .
قال ابن الميارك : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول : صام الشهر كله ، ويقال قام فلان ليلته أجمع ، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره .
نقله الترمذي ثم قال : كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك ، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها ، وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال ( الفتح 4/214) .
وصوبه الحافظ ابن حجر ثم قال : ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عند النسائي ولفظه : ” ولا صام شهرًا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان ” .
وهو مثل حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا انتهى .
وحديث ابن عباس هو قوله رضي الله عنه : ” ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهر كاملا قط غير رمضان ، ويصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم ” .
وأصح ما قيل في الحكمة من إكثاره الصيام في شعبان :
ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة : عن أسامة بن زيد قال : قلت يا رسول الله ، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟! قال : ” ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” .
ومال إلى هذا الحافظ في الفتح ( 4/215 ) .
وفيه إشارة إلى غفلة بعض الناس عن الأعمال الصالحة ، والمواسم الربانية ، فتفوت عليهم الأجور والحسنات .
وفيه أيضا : دليل على استحباب عمارة أوقات الغفلة واللهو بذكر الله تعالى والطاعات ، كالصلاة في جوف الليل ، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم : ” إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ” .
وكمن يذكر الله تعالى في السوق وغيره من أماكن الغفلة واللهو .
ولا تعارض بين مواصلة صيام شعبان وبين ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو بيومين ، فإنه يحمل على من لم يعتد الصيام ، أما من اعتاد صيام شعبان فلا يشمله النهي المذكور .
وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني ، وهو قوله : ” إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ” رواه الترمذي .
فإنه يحمل على من لم يصم شيئا من أوله ، ولم تكن له عادة الصوم .
وقيل : إن النهي للتقوي على صيام رمضان لئلا يضعف عن صيام رمضان .
ولا يجوز أن يخص ليلة النصف من شعبان بالصيام ، لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ورد في فضلها حديث صححه ابن حبان والألباني وغيرهما ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن ” رواه ابن ماجة ( 1390 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
ورواه أحمد ( 2/176) وابن حبان (7/470) من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما .
وأكثر العلماء على أنه لا يستحب تخصيصها بقيام ، وذهب جماعة من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة .
لكن ينبغي للمسلم أن يتوب من المشاحنة والحقد والهجر والقطيعة لإخوانه المسلمين ، ويكون سليم الصدر لهم ، وينأى بنفسه عن الإضرار بعباد الله ، كي يدخل في موعود الحديث النبوي الشريف ، وبهذه الخصلة بلغ من بلغ ، لا بكثرة الصلاة والصيام والصدقة .
وقد فسر الإمام الأوزاعي هذه الشحناء : بالشحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا ريب أن هذه الشحناء هي من أعظم الشحناء للمسلمين جرما ، لأن الله تعالى يقول فيمن جاء بعدهم من الصالحين أنه يقول 🙁 ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) سورة الحشر : 10 .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك