الكلمات البينات
الكلمات البينات
في أحكام
حداد المؤمنات
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه , ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم 0
أما بعد :
فقد صح عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ” (1) .
إي : من علامات إرادة الله تعالى الخير بالعبد : أن يعلمه الدين وأحكامه , وأن يوفقه للتعلم وسلوك سبيله 0
وهذا النص يتناول الرجال والنساء , إذْ إن الأصل في خطاب الشرع أنه يتناول الجميع , إلا ما خصه الدليل , كما هو مقرر في كتب الأصول 0
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر – رحمه الله تعالى : ” قد أجمع العلماء على أنَّ من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته نفسه , ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع , واختلفوا في تلخيص ذلك 0
والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه , نحو : الشهادة باللسان , والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له , ولا شبه له , ولا مثلَ , ” لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ” , خالق كل شيء وله مرجع كل شيء , المحيي المميت , الحي الذي لا يموت , والذي عليه جماعة أهل السنة : أنه لم يزل بصفاته وأسمائه , ليس لأولويته ابتداء , ولا لأخريته انقضاء , وهو على العرش استوى 0
والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله , وخاتم أنبيائه حق , وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال , والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة , ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حقُّ , وأن القرآن كلام الله , وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه واستعمال مُحْكَمِهِ (2) .
وأن الصلوات الخمس فرض ويلزم من علمها : علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها , وأن صوم رمضان فرض , ويلزم المسلم المكلف علم ما يفسد صومه , وما لايتم إلا به , وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة , ومتى تجب , وفي كم تجب , ويلزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع إليه سبيلا 0
إلى أشياء يلزمه معرفة جُلِّها , ولا يُعذَرُ بجهلها نحو : تحريم الزنا , والربا , أو تحريم الخمر وأكل لحم الخنزير , وأكل الميتة والأنجاس كلها , والغصب والرشوة …. (3) .
وهذا المختصر في موضوع الحِداد وأحكامه وشروطه ، مما يحتاجه كل مسلم ومسلمة , ويقع السؤال عنه كثيرا لخفاء أحكامه على كثير من المسلمين والمسلمات في هذا العصر 0
والموت سنةٌ إلهية كونية ماضيةٌ في عباده كلهم قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) ” تبارك : 2 ” 0
وحاولت في هذه الورقات – بحسب علمي – اختصار ما جاء في هذا الموضوع قدر الإمكان , وتيسير مباحثه لفهم كل إنسان , وتقديم الراجح من أقوال العلماء مما يشهد له الحديث الصحيح والقرآن , ويوافق فتاوى أئمة الإيمان والعرفان , من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان 0
والله تعالى أسأل أن يرزقنا علما نافعا , وعملا صالحا متقبلا , وأن يُدخلنا في عباده الصالحين , آمين يارب العالمين 0
وصلى الله على محمد , وعلى آله وصحبه وسلم 0
وكتبه / محمد بن حمد الحمود النجدي
ــــــــــ
(1) جامع بيان العلم وفضله ( 1/12 – 13 ) باختصار 0
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
(3) أي : تحكيم المحكم في المتشابه 0
معنى الحداد :
معناه لغة : المنع , لأن الحداد صفة تتعلق بالمرأة المحِّدة , فهو يمنعها من كثير مما كان مباحاً لها قبله0
وفي القاموس : الحاد والمحد : تاركة الزينة للعِدَّة 0
وسُمِّيَتِ العقوبة حَدّاً لأنها تمنع من المعصية 0
معناه شرعاً : أن تجتنب المرأة المعتدة المتوفى عنها زوجها كل ما يدعوا إلى نكاحها , ورغبة الآخرين فيها , من طيب وكحل , ولُبس مطيب , وخروج من منزل من غير حاجة 0
حكمة الحداد :
اتفق كل من يُعْتَدُّ بقوله من أئمة الفتوى على وجوب الحداد على المرأة التي ات زوجها من غير فرق بين ما إذا كانت مدخولا بها , أو غير مدخول بها , بل هو واجب على الكلِّ0
أدلة الوجوب :
أولا : قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ) ” البقرة : 234 ” 0
أي : والرجال الذين يموتون منكم ويتركون زوجات , فعليهن أن ينتظرن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً حِدادا على أزواجهن , والآية خبرٌ في معنى الأمر0
وهذه الآية ناسخة لقوله عز وجل ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) .
فقد كانت العدة حولا كاملا , ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشرة , وإلى هذا ذهب جمهور العلماء 0
ثانيا : الأحاديث :
عن زينب ابنة أبي سلمة قالت : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بنُ حرب , فدعت أُمُّ حبيبةَ بطيبٍ فيه صفرةٌ – خَلوقٌ أو غيره – فدهنت منه جارية , ثم مسَّت بِعَارضَيْها , ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجةٌ , غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليوم الآخر أن تحُدَّ على ميت فوق ثلاث ليالٍ , إلا على زوج أربعة أشهرٍ وعشراً ” 0
وقالت زينب : وسمعتُ أم َّ سلمةَ تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابنتي توفِّيَ عنها زوجُها وقد اشتكت عينها أفَتَكْحُلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا – مرتين أو ثلاثا – كل ذلك يقول : لا , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي أربعةُ أشهرٍ وعشر , وقد كانت إحداكُنَّ في الجاهلية تَرمي بالبَعرِة على رأس الحَوْل “0 (1)
ففي الحديث :
1. عدم جواز إحداد المرأة على غير زوجها ( كولد وأب وأخ ) إلا ثلاثة أيام 0
2. إثبات عِدَّة المتوفى عنها زوجها بأنها أربعة أشهر وعشراً 0
__________________
(1) أخرجهما البخاري في الطلاق ( 9/484, 490) وفي الطب ( 10/157) ومسلم في الطلاق ( 2/1123 – 1126) , ونحوه عنها عن زينب بنت جحش رضي الله عنها , وكذا جاء من حديث أم عطية نحوه وهو في الصحيحين أيضا 0
3. عدم جواز استعمالها للكحل , وسيأتي الكلام فيه 0
4. أن المرأة كانت في الجاهلية تمكث في عِدتها سنة كاملة , وتدخل بيتا صغيراً , وتعتزل فيه , وتجتنب كل ملذات الحياة , وتَشُقُّ على نفسها , فلا تغتسل , ولا تُقَلِّمُ أظافرَها وتلبس شَرَّ ثيابها , ثم تخرج بعد ذلك في أقبح صورة , وأشنع منظر , فإذا أرادت الخروج من عدتها رمت بالبعرة , فيكون ذلك ( أي رميها بالبعرة ) إحلالاً لها 0
5. وقيل : إشارة إلى أن الفعل الذي فَعَلته من التَّربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لَمَّا انقضى , كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا لها , وتعظيماً لحق زوجها 0 (1)
ثالثا : الإجماع :
وأما الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة منهم : عبد الله بن عمر , وعائشة , وأم سلمة , وغيرهم ( رضي الله عنهم ) القول بوجوب الإحداد , ولم يُعرف لهم مخالف في عصرهم , فكان إجماعا من الصحابة – رضي الله عنهم – (2) .
وإن تركت المعتدة الحداد حتى تنقضي العدة فإن كان من جهل فلا حرج , وإن كان عمدا فهي عاصية لله عز وجل ولا تعيد ذلك , لأن وقت الإحداد قد مَضَى , ولا يجوز عملُ شيء في غير وقته (3) .
حكمة الحداد :
1. تعظيم حق الزوج , والتأسف على ما فاتها من العشرة والصحبة 0
2. ولا شك أن الزواج نعمة في الدين والدنيا ؛ فزواله مصيبة توجب الحزن لِمَا فيه من قضاء الوَطَرِ بالحلال , والعفة عن الحرام , والعشير المؤنس , وصيانة المرأة نفسها عن السؤال لوجود المنفق عليها ,وقد انقطع ذلك كله بالموت , فلزمها الإحداد إظهارا للمصيبة والحَزَن 0
3. مُراعاة شعور والدي الزوج وأقاربه بترك الزينة والزواج وأقاربه في هذه المدة 0
4. معرفة براءة الرحم في هذه المدة , فإن الجنين تنفخ فيه الروح عند مرور أربعة أشهر , ويتحرك في بطن أمه , وقد يكون ضعيفا فتتأخر حركته , فزيدت هذه الأيام عشرة 0
5. لو جُهِلَتِ الحكمة التي من أجلها شُرَعَتِ العِِدَّةُ , لوجب على من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر أن تعمل بها , طاعة لأمر ربها سبحانه وتعالى , واستجابةً له ولرسوله صلى الله عليه وسلم – قال تعالى : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) ” آل عمران : 132″ 0
” والإسلام إنما هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة , فإذا كان المسلم قائماً بما أُمِرَ به ، مُجتنبا لما نُهي عنه , استَحقَّ أن يوصف بوصف الإسلام والإيمان , وإذا لم يكن كذلك , فلا فرق بينه وبين سائر الناس الذين لا يؤمنون بدين الله تعالى ” (1) .
_________________
(1) انظر الفتح ( 9/490) 0
(2) انظر المعنى ( 7/517) بدائع الصنائع ( 3/209) .
(3) انظر المحلى لابن حزم (10/218)0
شروط الحداد :
اتفق الفقهاء على وجوب الحداد على المرأة العاقلة البالغة المسلمة ، التي كان نكاحها بعقد صحيح ولو لم يدخل بها , وعلى المطلقة الرجعية التي لم تخرج من عدة طلاقها لأنها لا تزال زوجة له 0
واختلفوا في المجنونة والصغيرة التي لم تبلغ , فذهب الجمهور إلى وجوبه عليها , لأنهما زوجتان داخلتان في عموم الآية ، والأحاديث التي لم تُفرق بين العاقلة , والبالغة , والمجنونة , والصغيرة 0
والقول بعدم وجوب الحداد عليهما يحتاج إلى دليل خاص ولا دليل , ولأن أولياء أمورهن مأمورون بمنعهن من فعل المحرمات كما هو معلوم 0
أما زوجة المسلم الذمية ( الكتابية ) فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الحداد على الكتابية , واستدلوا بعمومات الأدلة , وقالوا : إن إخراجها من هذه العمومات يحتاج إلى دليل خاص , ولا دليل عليه 0
وذهب الحنفية وبعض المالكية إلى عدم وجوب الحداد على الذمية , واستدلوا على ذلك : بأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع والحداد من حقوقه , يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا يَحِِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم …” فالإيمان شرط لوجوب الحداد , وترجم عليه النسائي بذلك 0
وأجاب الجمهور : بأن شرط الإيمان إنما ذُكِرَ تأكيداً للمبالغة في الزجر ؛ فلا مفهوم له , كما يقال : هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم 0 قال الحافظ ابن حجر 0
وقال : وأيضا : فالإحداد من حق الزوج , وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب , فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى ، كما دخل الكافر في النهي عن السَّوْم على سِوْم أخيه 0
ولأنه حق للزوجية , فأشبه النفقة والسُّكنى 0
ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في قوله : ” تؤمن بالله واليوم الآخر ” وردَّ على قائلة ، وبَيَّن فساد شُبْهَتِهِ فأجادَ 0
وقال النووي : قيَّدَ بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع (2) .
والشرط الأخير : أن يكون نكاحها بعقد صحيح , وهو المستكمل للأركان والشروط من الإيجاب والقبول والشَّاهِدَين والولي والمهر ، وخُلُوْ الزوجين من الموانع 0
_________________
(1) انظر ” الإمداد بأحكام الحداد ” د0 فيحان المطيري ( ص19) الطبعة الأولى 1405هـ .
(2) انظر فتح الباري ( 9/486 ) .
أقسام الحداد :
سبق أن ذكرنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ” .
وقد تضمن هذا الحديث قِسميَ الحِداد , وهما :
1. حداد المرأة على غير زوجها : وهو محصور بثلاثة أيام , فلا يجوز أن تتعداه المرأة المؤمنة 0
2. حداد المرأة على زوجها المتوفى : ومدته كما بينَّا أربعة أشهر وعشرا (1) .
والحديث يدل أيضاً : على أن الحداد خاصٌّ بالنساء , لقوله صلى الله عليه وسلم ” لايحل لامرأةٍ تؤمن بالله ….. ” , وكذا الآية ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً ….) فالزوج لايجب عليه الحداد بوفاة زوجته , بل له أن يتزوجَ دون أن يكونَ مقيدا بمدة معينة (2) .
تنبيه :
قد انتشرت في عصرنا الحاضر ظاهرة مخالفة لشريعة الإسلام ، ألا وهي : الحداد وتنكيس الأعلام لوفاة الزعماء والعظماء لمدة معينة ثلاثة , أو سبعة أيام , أو أكثر, ولا شك أن هذا لا أصل له في دين الله تعالى , وقد ذكرنا أن الحداد لا يُشْرَعُ إلا للمرأة فقط , وفي حق زوجها أو قريبها , وقد حد ذلك بمواقيت لا يجوز تعديها , وأما ما سوى ذلك ممن الحداد فباطل لا أصل له , وليس في كتاب الله تعالى , ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا فِعْلِ أحدٍ من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ما يدل للحداد السابق , بل هو مأخوذ من الأمم الكافرة , ولا يجوز للمسلمين التشبه بهم كما هو مقَّررٌ في دين الله تعالى .
وقد أغنانا الله تعالى عن ذلك بإكمال الدين كما قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات 0
وقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وبناته الثلاث رُقَيَّة , وأم كلثوم , وزينب , ومات عمه حمزة , وقُتِل جعفر بن أبي طالب , وأعيان أصحابه في حياته , فلم يَثْبُتْ عنه صلى الله عليه وسلم أنه حدَّ أو أمَرَ بالحِداد , ولما تُوفِّيَ هو صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين , ومصيبة موته من أعظم المصائب لم يحد عليه أبو بكر , ولا عمر , ولا عثمان ولا علي ولا سائر الصحابة الكرام , وكذا مات أبو بكر وقتل عمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم – , وغيرهم كثير فلم يحد عليهم المسلمون 0
فكل ما سبق دالٌّ على أن هذا العمل بدعة نكراء ينبغي نبذها والتحذير منها (3)
__________________
(1) وقد وسع الحنفية دائرة الحداد ، فأوجبوا على المطلقة ثلاثا ( المبتوتة ) الحداد ! واحتجوا بحديث ضعيف , وليس في الشرع ما يوجب ذلك عليها , ومن ادعى الوجوب يطالب بالدليل الصحيح , وأنى له ذلك ؟!
( 2) انظر حكمة الحداد ( ص9 – 10 ) 0
(3) انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 1/415 – 416 ) لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى 0
عدة الحامل :
علمنا أن عدة المرأة هي أربعة أشهر وعشراً , وهذا إذا كانت حائلا أو حائضاً 0
أما إذا كانت حاملا فإن عدتها تنتهي بوضع حملها لقوله تعالى : ( وأولاتُ الأحْمَالِ أجَلُهنَّ أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ” الطلاق : 4 ” 0
فالآية تدل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع حَمْلٍها , لأن الأجل المذكور في الآية هو العِدَّة 0
ولحديث سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد ين خَوْلَةَ , وهو من بني عامر بن لُؤَي – وكان ممن شهد بدرا- فتوفي عنها في حَجَّة الوداع , وهي حامل فلم تنشب ( أي لم تمكث طويلا ) أن وضعت حملها بعد وفاته , فلما تَغَلَّت من نفسها ( أي قامت ) تَجَّملت للخُطَّاب , فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكَك – رجل ممن بني عبد الدار- فقال لها : مالي أراك مُتَجَمَّلةً ؟ لعلك تَرْجينَ النِّكاح ! إنك والله ما أنت بناكحٍ حتى تمرَّ عليك أربعة أشهر وعشر , قالت سبيعةُ : فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيتُ , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حَللتُ حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي0
قال ابن شهاب أحد ( رواة الحديث ) : فلا أرى بأسا أن تتزوج حين وضَعَتْ , وإن كانت في دَمِها , غير أن لا يقربها زوجها حتى تطهر (1) .
فهذا الحديث دليل صحيح صريح على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع حملها , أنه يَحِلُّ لها الزواج بعد ذلك (2) .
وعن ابن عمر أنه سُئِلَ عن المرأة يُتَوَفَّى عنها زوجها , وهي حامل ؟ فقال ابن عمر : إذا وَضَعْت حَمْلَها فقد حلت , فأخبره رجل من الأنصار إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لَحلَّتْ (3) .
قال الحافظ ابن حجر : وقد قال جمهور من العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار : إن الحامل إذا مات عنها زوجها تَحِلُّ بوضع الحمل , وتنقضي عدة الوفاة (4) .
_________________
(1) أخرجه بهذا السياق مسلم في الطلاق (2/1122) والبخاري في المغازي(7/310) معلقا وأسنده مختصرا في الطلاق (9/469) من طريق آخر أيضا0
( 2) اختلف في هذه المسألة ابن عباس وأبو سلمة بن عبدالرحمن 0 فقد أخرج مسلم في الطلاق (2/122-1123) عن سلمان بن يسار أن أبا سلمة بن عبدالرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس : عدتها آخر الأجلين ( أي عدة الوفاة وعدة الحمل والمراد بآخرها أبعدها ) وقال أبو سلمة قد حلت , فجعل يتنازعان ذلك , قال : فقال أبوهريرة : أنا مع ابن أخي ( يعني أبا سلمة ) فبعثوا كريبا – مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ؟ فجاءهم فأخبرهم أن أم سلمة قالت : أن سبيعة الأسلمية نفست ( أي ولدت ) بعد وفاة زوجها بليال , وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج 0
(3) رواه مالك (2/589-590) وعنه الشافعي في الأم ( 5/224) , وإسناده صحيح 0
(4) الفتح ( 9/474) 0
متى تبدأ العدة ؟
عدة المرأة الحَّادة تبدأ من يوم مَوْت زوجها, وإن جاء خبر وفاته متأخرا عن ذلك 0
وهو قول جمهور الصحابة , وقول الأئمة , الأربعة وإسحاق , وأبي عبيد , وأبي ثور 0
فتنظر إلى الساعة التي توفي فيها الزوج , فَتَعْتَدُّ منها بالأيام فإذا رأت الهلال اعْتدَّتْ بالأَهِلَّة 0
فمثلا: إن مات نصف النهار وقد بقي من الشهر خمس ليال غير يومها الذي مات فيه فاعتدت خمسا ثم رُئيَ الهلال , أحصت الخمس التي قبل الهلال , ثم تعتد أربعة أهلة بالأهلة , وإن اختلفت فكان بعضها ثلاثين , وبعضها تسعا وعشرين فإن الشهر تارة يكون هكذا وتارة يكون هكذا , كما قال صلى الله عليه وسلم , فإذا أوفت الأهلة الأربعة اعتدت أربعة أيام بلياليهن , واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشر مع الأربعة أشهر (1) .
ما يحرم على المرأة أثناء الحداد :
يحرم على المرأة المعتدة كل ما هو يدعوا إلى الرغبة فيها ، لأنها ممنوعة من الزواج , فتجتنب ذلك كي لا يكون ذريعة للوقوع في المحرم ، وهو الزواج 0
والزينة تشمل الأشياء التالية :
1. الكُحل : لحديث أم سلمة السابق تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينَها : أفتكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا – مرتين أو ثلاثا , كل ذلك يقول لا – , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنما هي أربعة أشهر وعشراً , وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحََوْلِ ” 0
قال النووي : فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادَّة سواءٌ احتاجت إليه أم لا (2)
ولحديث أم عطية الأنصارية قالت : ” كنا نُنْهَى أن نُحِدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً , ولا نكتحل ولا نطَّيَّب , ولا نلبس ثوبا مصبوغا , إلا ثوب عضب , وقد رُخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا في نُبذة من كُست أظفار , وكنا نُنْهَى عن اتباع الجنائز (3) .
_________________
(1) انظر الأم (5/225) 0
(2) الفتح (9/448) , وأجاز مالك الكحل للضرورة كما في الموطأ (2/559) بعد أن ذكر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لامرأة حاد على زوجها اشتكت عينها فبلغ ذلك منها : اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه بالنهار , ثم ذكر أثرا عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما يجيزان ذلك إذا خافت على بصرها , والآثار كلها من بالغات الموطأ , وقد وصل حديث أم سلمة أبو داود ( 2305) والنسائي (6/204) وإسناده ضعيف , وقد ساق بعدها أثصرا أن صفية بنت أبي عبيد اشتكت عينها وهي حاد على زوجها عبد الله بن عمر فلم تكتحل حتى كادت عينها ترمضان , وإسناده صحيح , والحديث السابق أعلاه يقويه إذا كانت المرأة أيضا تشتكي عينيها , وبكن يجوز لها أن تداوي عينها بغير الكحل 0
(3) رواه البخاري في الطلاق (9/491) ومسلم في الطلاق (2/1127) واللفظ للبخاري 0
2. وتجتنب الزينة في نفسها : فيحرم عليها أن تختضب بالحناء , وأن تحمر وجهها , أو تُبيِّضَه , أو تصفره , وأن تحفَّ وجهها , وأن تنقش وجهها ويديها , وما أشبه بذلك مما يُحَسنها , ويرغب في النظر إليها0
ولما روت أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” المتوفى عنها زوجها لا تلبس المُعَصْفَر من الثياب , ولا المُمشَّقة , ولا الحُليَّ , ولا تختضبُ , ولا تكتحل ” (1) .
3. وتجتنب زينة الثياب : فتحرم عليها الثياب المصبوغة للتحسين كالمعصفر وسائر الأحمر , وسائر الملون للتحسين : كالأزرق الصافي , والأخضر الصافي , والأصفر ؛ فلا يجوز لُبْسُه , لحديث أم عطية الأنصارية السابق : ” ولا نلبَسُ ثوباً مصبوغا إلا ثوب عَصْب ” .
وقوله صلى الله عليه وسلم ” ولا الممشقة ” (2) .
قال ابن قدامة : فأرخص النبي للحادة في لبس ما صُبغ بالعَصْب لأنه في معنى ما صُبغ لغير التحسين , أما ما صبغ للتحسين كالأحمر والأصفر فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ بعد نسجه (3) .
وأما ما لا يقصد بصبغه حُسْنُه كالكُحْلي والأسود والأخضر المشبع ( الغامق ) فلا تُمْنَعُ منه لأنه ليس بزينة ولا يجوز لها لبس الحرير لأنه من ثياب الزينة , حكى فيه ابن المنذر الإجماع ( ص88 ) 0
4. الحُلي : فيحرم عليها لبْسُ الحُلي كله حتى الخاتم في قول عامة أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” ولا الحلي” ولأن الحلي يزيد في حسن المرأة , ويدعوا إلى مباشرتها ( 4) .
ويدخل في الحلي كل أشكال الذهب والفضة والجواهر كالألماس والياقوت وغيرهما 0
5. الامتشاط : لحديث أم عطية الأنصارية السابق ” … ولا تلبس ثوبا مصبوغا , ولا ثوب غصب , ولا تكتحل , ولا تمتشط , ولا تمس طيبا عند طُهرها ….” (5)
ولعل الممنوع منه المبالغة والإكثار , وما كان بدهن فيه طيب , فإنه ينافي الحداد , فقد قال أبو محمد بن حزم : ” وتجتنب الإمتشاط ، حاش التسريح بالمشط فقط فهو حلال لها ” (6) .
6. الطيب والبخور : يحرم على المرأة الحاد استعماله في بدنها وثيابها , ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك , لحديث زينب السابق , قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين تُوفي أبوها أبو سفيان , فدعت بطيب فيه صُفرة – خَلُوقٌ
_____________
(1) حديث صحيح رواه أبو داود في الطلاق (2304) والنسائي (6/203-204) وأحمد (302) والبيهقي( 7/440) وغيرهم ورجاله ثقات رجال الشيخين , وليس عند النسائي ذكر المحلى 0
( 2) العَصبْ : نبت تصبغ به الثياب , وفي القاموس هو شجر اللبلاب , قال الحافظ : وهي برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشي لبقاء ما غُصِبَ أبيض لم ينصبغ 0 وإنما يعصب السدي دون اللحمة , فمعنى الحديث إلا ما صبغ غزله قبل نسجه , قال القاضي ( والممشقة ) هي المصبوغة بالمشق وهو الطين الأحمر 0
(3) المغني (9/169) 0
(4) المغني ( 9/169) 0
(5) رواه النسائي (6/203) وغيره وهو صحيح 0
(6) المحلى (10/276) وفي القاموس : التسريح حلٌّ الشعر وإرساله 0
أو غيره – فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها , ثم قالت : والله مالي بالطيب حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج أربعة َ أشهر وعشراً ” 0
ولحديث أم عطية السابق ” … ولا تكتحل ولا تمس طيبا , إلا إذا طهرت نبذة من قُسطٍ أو أظفار “(1) 0
ولحديث أم عطية السابق ” … ولا تكتحل ولا تمس طيبا , إلا إذا طهرت نبذة من قُسطٍ أو أظفار “(1) فلم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في مَسِّ الطيب , إلا إذا طهرت من حيضها أن تأخذ نُبذةٌ : أي شيئا يسيرا من القسط – ويقال فيه : كُست , وهو العود الهندي , والأظفار : نوع من العطر يُجْلبُ من اليمن – أن تتبع به أثر الدم لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب0
وكذا يحرم عليها استعمال الأدهان المطيبة كدهن الورد والياسمين , والبنفسج , وما أشبهه , وكذا الصابون المطيب (2) .
أما الأدهان غير المطِّيبة كالزيت والشيرج والسمن فالأظهر جوازه لعدم ورود الدليل بمنعه , وهو قول المالكية والحنابلة والظاهرية (3) .
ممنوعات لا أصل لها :
* أما مايشتهر بين كثير من الناس من الممنوعات أثناء فترة الحِداد مثل : أنها لا تنظر في المرآة ! وأنها لا تسمع صوت الرجال , ولا تخاطبهم , ولو احتاجت , ولا ترد على الهاتف , وأنها لا تنظر إلى القمر !! وأنها إذا أرادت الخروج من العدة تذهب للبحر !! … الخ فكله مما لا أصل له في الشرع بل هو داخل في المحدثات والبِدَع (4) .
أين تعتد المرأة الحادة ؟
تعتد المرأة الحادة في بينتها الذي مات فيه زوجها وهي ساكنة فيه ، سواء كان مملوكا لزوجها , أو بإجارة , أو عارية 0
________________
(1) لفظ مسلم 0
(2) إلا إذا دعت الضرورة لاستعمال دهان طبي فيه طيب فأرجوا أن لا بكون فيه حرج , وتستغني عن الصابون المطيب بالسدر والخطمي والصابون الخالي من الطيب 0
(3) انظر المغني ( 9/167) والمحلى لابن حزم (10/278- 279) 0
(4) وذكر بعض الفقهاء فيما تمنع منه المعتدة : النقاب ( البرقع) وعلل بأنها تشبه المحرمة !! ولا دليل على هذا المنع وقياسها على المحرمة فيه نظر والله أعلم 0
لحديث الفُريْعة بنت مالك بن سنان – وهي أخت أبي سعيد الخدري – قالت إنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرَة , فإن زوجها خرج في طلب أعبُدٍ له أبِقُوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم ( موضع على ستة أميال من المدينة ) لَحِقَهم فقتلوه ؛ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أرجع إلى أهلي , فإني لم يتركني في مسكن يملكه , ولا نفقة , قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعم ” قالت : فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدُعِيتُ له , فقال : ” كيف قلت ” ؟ فرددت عليه القصة
التي ذكرت من شأن زوجي , فقالت : فقال : ” امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ” قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا , قالت : فلما كان عثمان بنُ عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك , فأخبرته فأتَّبَعَهُ وقضى به (1) .
قال ابن قدامة : وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها : عمر وعثمان ? , وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة , وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق (2) .
وقال الترمذي بعد الحديث السابق : والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل اعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم , لم يروا للمُعْتَدَّةِ أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها 0
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : للمرأة أن تعتد حيث شاءت , وإن لم تعتد في بيت زوجها 0 والقول الأول أصح أهـ 0 كلامه مختصراً 0
قلت : وأقوال الصحابة إذا اختلفت , نصير إلى ما وافق الكتاب والسنة منها 0
فعن سعيد بن المسيب قال : توفي أزواج نسوةٍ وهن حاجَّاتٌ أو معتمرات , فَرَدَّهُنَّ عمر بن الخطاب من ذي الحليفة يعتددن في بيوتهن (3) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول : لا يصلح أن تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عِدَّةِ وفاةٍ أو طلاق إلا في بيتها ( 4)0
وعن علقمة قال : سأل ابن مسعود نساءٌ من همدان نُعِيَ إليهن أزواجهن فقلن : إنا نستوحش , فقال عبد الله : تجتمعن بالنهار , ثم ترجع كل امرأة منكن إلى بيتها بالليل (5) .
___________________
(1) حديث صحيح أخرجه مالك ( 2/591) وأحمد ( 6/370-420) وأبو داود (2300) والترمذي ( 3/1204) والشافعي في الأم ( 5/224) وابن حبان (1332) والدارمي 2/168) والحاكم ( 5/434) كلهم عن مالك عن سعدبن كعب بن عجزة عن عمته زينب بنت كعب بن عجزة أن الفريعة ….الحديث 0
قال الترمذي : حديث حسن صحيح , وصححه الحاكم , وأقره الذهبي , وصححه ابن القيم في الزاد 05/680) 0 وقال الحافظ في التلخيص (3/240) : وأعله عبد الحق تبعا لابن حزم بجهالة حال زينب وبأن سعدبن إسحاق غير مشهور بالعدالة , وتعقبه ابن القطان بأن سعدا وثقه النسائي وابن حبان وزينب وثقها الترمذي , قلت ( أي الحافظ ) : وذكرها ابن فتحون وابن الأمين في الصحابة وقد روي عن زينب غير سعد …..
قلت : وهي زوجة أبي سعيد الخدري – كما في المصنف لعبد الرزاق ( 7/33) – وقال ابن حبان في الثقات ( 4/271) : ولها صحبة وقال الحافظ في الإصابة (4/418) “: صحابية تزوجها أبو سعيد الخدري كذا في التجريد في زيادته 0
وأخرجه النسائي ( 6/199- 201) وابن ماجة ( 2031) وسعيد بن منصور ( 1365) وعبد الرزاق (7/23-53) وابن أبي شيبة ( 5/184- 185)
واحمد ( 6/370, 420- 421 ) والبيهقي ( 7/434- 435) من طرق أخرى عن سعيد بن إسحاق به 0
(2) المغني ( 9/170 ) 0
(3) سنن سعيد بن منصور ( 1343) وينحوه عند مالك ( 2/519- 592) وعبد الرزاق ( 7/33)0
(4) رواه مالك ( 2/592) وعبد الرزاق ( 7/31) وسنده صحيح , وانظر ابن أبي شيبة ( 5/179- 188) 0
(5) مصنف عبد الرزاق ( 7/32) وابن أبي شيبة 0 5/185) وسعيد بن منصور ( 1341) 0
فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا ونحو ذلك , أو حوَّلها صاحب المنزل لكونه عاريَّة ( أي مستعار ) رَجَعَ فيها , أو إجارة انقضت مدتها , أو منعها السُّكنى تعديا , أو امتنع من إجارته , أو طلب به أكثر من أجرة المثل , أو لم تجد ما تكتري به أو لم تجد إلا مالها , فلها أن تنتقل , لأنها حال عذر ولا يلزمها بذلك أجر السكن إنما الواجب عليها فعل السُّكنى لا تحصيل المسكن 0
وإذا تعذَّرت السكنى سقطت , ولها أن تسكن حيث شاءت ( 1) .
وهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفى , ولا يُباع في دينه بيعا يمنعها السُّكنى فيه حتى تقضي العدة .
وبهذا قال مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد في رواية عنها (2) .
وليس للورثة أن يُخرجُها من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة , لقوله تعالى : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يؤتين بفاحشة مبينة ) ” الطلاق : 1 ” 0 وهي أن تطول لسانها على احمائها , وتؤذيهم بالسبِّ , ونحو ذلك , رُويَ ذلك عن ابن عباس , وهو قول الأكثرين (3) .
والبدوية كالحضرية في الاعتداد في منزلها الذي مات فيه زوجها , وهي ساكنة فيه , فإن انتقل أهلها انتقلت معهم لأنها لا يمكنها المُقام وحدها 0
فعن هشام بن عروة أنه كان يقول في المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها : إنها تنتوي حيث انتوى أهلها (4) .
وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا سواءً كانت مطلقةً أو متوفى عنها زوجها لما روى جابر ? قال : طلقت خالتي فأرادت أن تَجُدَّ نخلها , فزجرها رجلٌ أن تخرج , فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” بلى , فجُدِّي نخلكِ ,فإنك عَسَى أن تَصَّدقي أو تفعلي معروفا “(5) .
وليس لها الخروج ليلا إلا لضرورة , لأن الليل مظنَّةُ الفساد , بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه (6)
_____________________
(1) المغني ( 9/171- 173) , والأم للشافعي ( 5/227) 0
( 2) المصدر السابق ( 9/172- 173) والأم ( 5/227) وزاد المعاد ( 5/688) ومال إليه ابن القيم 0
(3) المصدر السابق , وقال الشافعي في الأم ( 5/226) : فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة , فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج : المتوفى عنهن , لأنهن في معناهن في العدة 0
فالشافعي رحمه الله استدل بآية الطلاق على فرض السكنى ومنع الإخراج للمتوفى عنهن لأنهن في مثل معناهن في العدة 0
(4) رواه عنه مالك ( 2/592) , ومعنى ” تنتوي حيث انتوى أهلها ” أي تنزل حيث نزلوا 0
(5) رواه مسلم في الطلاق ( 2/1121) عن ابن جريج , أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر فذكره 0 والجداد بالفتح والكسر , صرام النخل , وهو قطع ثمرتها 0
(6) المغني ( 9/176) 0
وإن كانت لا مُعيل لها إلا نفسها , ولم يوجد رجل يقوم على نفقتها جاز لها أن تخرج لتحصِّل قوتها كما في حديث جابر السابق , على ألا تبيت إلا في بيتها 0
نفقة الحادة :
المرأة الحادة إما أن تكون حائلا ( ليست بحامل ) , أو حاملا 0
فإن كانت حائلا فلا نفقة لها , حُكي فيه الإجماع 0(1)
وإن كانت حاملا فلا نفقة لها أيضا على الصحيح , لأنَّ المال قد انتقل للورثة 0
وهو قول أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه , وأحمد في إحدى الروايات عنه 0 (2)
________________________
(1) انظر موسوعة الإجماع ( 2/1060) لسعدي أبو جيب 0
( 2) انظر المغني ( 9/291) والمحلى ( 10/289) 0