أرشيف الفتاوى

الذبيح إسماعيل عليه السلام

السؤال :

سمعنا أن الصحيح في الذبيح هو ” إسحاق ” عليه السلام وليس ” إسماعيل ” عليه السلام كما هو المشهور ؟

الجواب :

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه .
وبعد :

فهذا القول باطل غير صحيح ، ولا تدل عليه الأدلة من القرآن والسنة النبوية ،  وهو خلاف ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم .

فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الزاد ( 1/ 71) :

وإسماعيل : هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم 0
وأما القول بأنه إسحاق ، فباطل بأكثر من عشرين وجهاً , وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب , مع أنه باطل بنص كتابهم , فإن فيه : إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره , وفي لفظ : وحيده , ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده .

والذي غرَّ أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم : إذبح ابنك إسحاق !
قال : وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم , لأنها تناقض قوله : اذبح بكرك ووحيدك , ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف , وأحبوا أن يكون لهم , وأن يسوقوه إليهم , ويحتازوه لأنفسهم دون العرب , ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله . وكيف يسوغ أن يقال : إن الذبيح إسحاق , والله تعالى قد بشرأم إسحاق به وبابنه يعقوب , فقال تعالى عن الملائكة : إنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى : ( لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ )  ( هود 70 -71) .
فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد , ثم يأمر بذبحه , ولا ريب أن يعقوب عليه السلام داخل في البشارة , فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد , وهذا ظاهر الكلام وسياقه 0

قال ابن القيم : وأيضا : فلا ريب أن البيح كان بمكة , ولذلك جعلت القرابين يوم النحر ، كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمارتذكيرا لشأن إسماعيل وأمه ، وإقامة لذكر الله ، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة ، دون إسحاق وأمه ، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل ، وكان النحر بمكة من تمام حج البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانا ومكانا .
ولو كان الذبح بالشام _ كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم _ لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة .

وأيضا : فإن الله سبحانه أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده , وإبراهيم عليه السلام لما سأل ربه الولد , ووهبه له , تعلقت شُعْبَةٌ من قلبه بمحبته , والله تعالى قد اتخذه خليلاً , والخلة منصب يقتضي توحيدَ المحبوب بالمحبة , وأن لا يُشارك بينه وبين غيره فيها , فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد , جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل , فأمره بذبح المحبوب , فلما أقدم على ذبحه , وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد , خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة , فلم يبق في الذبح مصلحة , إذا كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه , فقد حصل المقصود , فنُسِخ الأمر , وفُدي الذبيح , وصدق الخليل الرؤيا , وحصل مراد الرب 0
ومعلوم أن هذا الامتحان والاختبار إنما حصل عند أول مولود , ولم يكن ليحصل في المولود الآخر دون الأول , بل لم يحصل عند المولود الآخر من مزاحمة الخلة ما يقتضي الأمر بذبحه , وهذا في غاية الظهور …إلخ كلامه رحمه الله .

وقال العلامة الألباني رحمه الله في كتابه الضعيفة تحت حديث : ” الذبيح إسحاق ” بعد أن بين ضعفه عند العلماء :  العقيلي والذهبي والقسطلاني وغيرهم ، قال : والطرق فيها ضعف واضطراب ، واحتمال كون متونها إسرائيليات ، بل هو الغالب كما سبق ، فهذا كله يمنع من القول بأن بعضها يعضد بعضا ، لا سيما وقد ذهب المحققون من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ، وغيرهم إلى أن الصواب في الذبيح أنه إسماعيل عليه السلام … ثم ذكر طرفا من كلام ابن القيم السابق .
والله الموفق للصواب
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه

زر الذهاب إلى الأعلى