« تَعَجَّلُوا إلَى الـْحَجِّ »
الحج من أركان الإسلام وفروضه الخمسة ، قال الله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) آل عمران : 97 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله … وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ” .
وهو واجب في العمر مرة .
وهو جهاد لا شوكة فيه ، لما فيه من مفارقة الأوطان والأهل ، وبذل المال ، والتعب والجهد .
والواجب التعجل له قدر الإمكان والطاقة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَجَّـلُوا إلَى الْـحَجِّ، فَـإنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رواه الإمام أحمد وغيره.
فيحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته – في هذا الحديث – على الاستعجال إلى الحج خوفاً من هجوم الموانع ، والعوارض المعوقة ، من مرض مقعد ، أو شغل بولد أو مال ، أو عدو مانع قاطع عن الطريق ، وغيرها من أنواع الآفات .
وهذا الحديث: من الأدلة على وجوب الحج على الفورية ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ، وهو الصواب الذي تؤيده الأدلة الكـثيرة ، منها هذا الحديث .
ومنها: أن الله تعالى قال في كتابه: ( وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الـْبَيْتِ ) آل عمران: 97.
وقوله صلى الله عليه وسلم: « أَيـّـها النَّـاسُ ، إنَّ اللَّهَ كَـتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» رواه مسلم (1337).
وهذه أوامر من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والأصل في الأمر الوجوب والفورية، كما قرره علماء الأصول للأدلة الكـثيرة المبسوطة في مواضعها.
ومنها : أن الله تعالى قد أمر بالمسارعة إلى الخيرات ، فقال: ( وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبـكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ للْمُتَّقِينَ ) آل عمران: 133.
وقال: ( فَاسْتَبِقُوا الـْخَيْرَاتِ ) البقرة: 148.
والتأخرعن ذلك خلاف صفات المتقين ، وخلاف ما أمر الله تعالى به عباده الصالحين من المبادرة إلى الخيرات.
وأما الاستدلال بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة مع أنه فرض في السنة السادسة ، وهذا دليل على أنه واجب على التراخي.
فغير صحيح!!
وذلك أن الصواب : إن الحج فرض في السنة التاسعة ، ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة لوجود بعض المشركين الذين يطوفون بالبيت عراة ، فأرسل أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذِّن في الناس : ” ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ” رواه البخاري (3/ 483).
وقال الـعلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وأما فرض الحج فالصواب : أنه في السنة التاسعة ، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك ، لإن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة ، وذلك أن قريشاً منعت الرسول صلى الله عليه وسلم من العمرة فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج ، ومكـة قبل الفتح بلاد كفر، ولكـن تحررت من الكـفر بعد الفتح ، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكـمة ، والدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران ، وصدر هذه السورة نزلت عام الوفود .
فإن قيل : لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في التاسعة ، وأنتم تقولون على الفور ؟
الجواب : لم يحج صلى الله عليه وسلم على الفور لأسباب :
1- كـثرة الوفود عليه في تلك السنة ، ولهذا تسمى السنة التاسعة عام الوفود ، ولا شك أن استقبال المسلمين الذين جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقهوا في دينهم أمر مهم ، بل قد نقول أنه واجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ليبلغ الناس.
2- أنه في السنة التاسعة من المتوقع أن يحج المشركون ، كما وقع فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخر من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط، وهذا هو الذي وقع « فإنه أذن في التاسعة ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » وكان الناس في الأول يطوفون عراة بالبيت ، إلا من كان من غير قريش فلا يمكن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة ، وكانت المرأة تطوف عارية. الشرح الممتع (7/ 17 – 18).