حكم الاحتفال بعيد الميلاد ( الكريسماس )
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه ،،،
أما بعد :
فقد دلت نصوص الكتاب الكريم ، والسنة النبوية ، وعمل الأمة الإسلامية ، على حرمة مشاركة المشركين وأهل الكتاب _ من يهود ونصارى _ في أعيادهم وشعائر دينهم.
فمن الكتاب قوله تعالى: { وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } (الفرقان: 72).
فقد قال مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة وغيرهم أن المقصود هو: أعياد المشركين ، كما في تفسير ابن جرير وغيره.
وهذا لما فيه من الباطل والمنكر والفواحش والخنا ، كما هو معلوم ومشاهد.
وأما من السنة : فروى أنس بن مالك قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال: « ما هذان اليومان ؟ » قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قد أبدلكم بها خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» متفق عليه.
فوجه الدلالة من الحديث: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال: « إن الله قد أبدلكم بها يومين آخرين» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه ، إذْ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (8/432).
وعن الثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ » قالوا : لا ، قال : « فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم » قال: لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم » رواه أبو داود (3313)، وإسناده على شرط الشيخين.
وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ، ومحل أوثانهم ، معصية لله تعالى.
كما أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة مشابهة لهم ، وتولياً لهم ولذويهم ، وقد قال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ } (المائدة: 51).
وقد قال صلى الله عليه وسلم : « ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» رواه الترمذي بسند حسن.
وقال أيضاً: « ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم » رواه أحمد.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وقد ذكرنا منها ما يكفي .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة :
« والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها ، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها ، فإن الأمة حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى ، وأخبروا أن سيفعل قومٌ منهم هذا المحذور ، بخلاف دين الجاهلية ، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عموماً (المصدر السابق 1/435).
وقال في موضع آخر ما معناه : الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب ، من اعتقادات وإرادات وغير ذلك.
وأمور ظاهرة : من أقوال وأفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن ، والاجتماع والافتراق ، والسفر والإقامة ، والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر ، من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً .
وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، وشرع له من المناهج والشريعة ما يخالف سبيل المغضوب عليهم والضالين ، فأمر بمخالفتهم في هديهم الظاهر ، لما في مشابهتهم من المفاسد ، ومنها:
1- أن المشاركة في الهدي الظاهر ، تُورث تناسباً وتشاكلاً وتقارباً بين المتشابهين ، وهذا خلاف المعاداة التي أمر الله تعالى بها المؤمنين .
2- أن المشاركة في الهدي الظاهر ، تُوجب الاختلاط ، وارتفاع التمييز بين المهديين المرضيين ، وبين المغضوب عليهم والضالين.
3- أن اتباع هديهم سبب للخسران وغضب الله تعالى وسخطه ، فالمشارك لهم فيه مشارك لهم في أسباب الغضب والخسران في الدنيا والآخرة.
وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام ظاهراً وباطناً ـ وليس مجرد التسمية به ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم ، وبعده عن أخلاقهم وعاداتهم أشد .
إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ، وليرجع من أراد الاستزادة إلى كتابه السابق .
وبناءً على ما تقدم، تبين لنا حرمة مشاركة أهل الكتاب أو المشركين في أعيادهم.
وفقنا الله جميعاً لاتباع سبيل النجاة والرضوان ، وجنبنا أسباب السخط والخسران ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.