الضرب المبرح .. وسيلة العاجز..
لا شك أن الضرب أسلوب من أساليب التربية المعروفة قديما وحديثا…
بشرط أن يكون وفق الشريعة الإسلامية وهدي
الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رسمه لنا..
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” مروا أولادكم
بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ” رواه أحمد وأبوداود .
فلم يبدأ بالضرب ، وإنما بالتوجيه والإرشاد .
وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصحح
الإعتقاد والسلوك لدى الأطفال ، مستعملاً شتى الأساليب التي
تمتاز بالرفق واللين ،،،
ومنها ما ذكره أبوهريرة رضي الله عنه – فيما رواه البخاري وغيره – قال :
أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ،
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” كخ كخ ، ارم بها ، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة!! ” .
وقالت جارية – بنت صغيرة – بحضرته صلى الله عليه وسلم : وفينا نبي يعلم ما في غد ! فقال : ” دعي هذه ! وقولي بالذي كنت تقولين ” أي من النشيد . رواه البخاري ( 5147 ) .
فأنكر عليها صلى الله عليه وسلم لأن في قولها إطراء محرم ، حيث أطلقت علم الغيب له ، وهي صفة تختص بالله تعالى ، قال سبحانه ( قل لا يعلم من في السموات والرض الغيب إلا الله ) النمل : 65 .
وقوله ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) الأعراف : 188 .
وما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغيوب ، إنما هو بإعلام الله تعالى له ، لا أنه يستقل بعلم ذلك ، كما قال الله ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) الجن : 26-27.
فالحاصل هذا نوع من التوجيه النبوي للأطفال والصغار ، فيما يتعلق بالإعتقاد وكذا الحلال والحرام ، ولا تعنيف فيه ولا ضرب .
قال الكاساني في بدائع الصنائع : إن الصبي
يعزر تأديبًا لا عقوبة ، لأنه من أهل التأديب .
ويكون ذلك بطريقة التأديب والتهذيب ، لا بطريقة العقاب . انتهى
* لكن متى نلجأ إليه ؟!
إذا ضاقت بنا السبل ، ونفدت كل الأساليب … لجأنا إليه دون تهور ،
ووفقًا لشروطه وقوانينه..
أما المربون الذين يعتمدون عليه دائمًا.
فهو دليل على عجزهم وفقرهم الشديد لفن الكلام ، وأصول الحوار السليم ، وعدم القدرة على الإقناع ، واستعجالهم للنتائج التي لن يحققوا منها شيئًا سوى سلبيات تلحق بهم.. وتزيد الضرر ضررًا .
ومن أبرز تلك الأضرار :
1ـ فقد الثقة بين المربي والابن ، ولن يكون قدوة له مهما فعل .
2ـ اهتزاز شخصية الابن أمام الناس ، وسيطرة الخجل والرعب عليه .
3ـ زيادة عناد الطفل أحيانا ، واستمراره في الخطأ وإصراره عليه .
4ـ انطفاء جذوة الخير والجوانب الإيمانية التي
كان يمارسها الابن قبل الضرب .
5ـ قتل روح الإبداع والمبادرة والتجديد ، ويستبدل بذلك الخمول والجمود .
6ـ البحث عن الأصدقاء الذين يوافقونه في عاداته السيئة ، مما يوقعه فريسة سهلة في أيدي رفقاء السوء.
7ـ تعويد الابن ممارسة هذا الأسلوب مع أقرانه وإخوانه في صغره ، ومع أبنائه وطلابه في كبره .
8 ـ بالإضافة إلى الأمراض النفسية والجسدية .
فقبل أن تلجأ إلى هذا الأسلوب ـ أيها المربي ـ اعرف هدي النبي صلى الله عليه
وسلم واختر الوقت المناسب .
وإذا ضاقت بك الحيل ، فارفع يديك لله تعالى واستغفره ، وادع لابنك بالهداية ، وحسن الخلق .
* ضرب الطفل يعني خسارته..!
لا يدرك بعض الآباء وهو يصب جام غضبه
على ابنه ، أنه يخسر فيه شيئًا ثمينًا..
إما أن يتعلق بشخصيته أو في جسده…
فيضيع أمانة عظيمة … وهبه الله إياها ولم يرعها حق رعايتها..
ولا شك أنه سيسأل عنها..
* حول هذه الخسارة :
قال ـ أستاذ في الطب النفسي ـ :
إن ضرب الأطفال المتواصل قد يدخلهم مصحات الأمراض العقلية .
أو مؤسسات الأحداث ، ومستقبلاً يؤدي إلى ارتكابهم الجريمة ودخولهم السجن ..
نظرًا للحقد الذي يتركه في نفوسهم .
وأضاف أن الضرب يؤدي إلى عدة أمراض ، منها:
الاضطراب النفسي ، والتأتأة في الكلام ، والفزع
الليلي ، والتبول اللاإرادي ، ونوبات الإغماء المتكررة ،
والخوف المرضي ، والتأخر الدراسي
والاكتئاب ، وموت القدرات ، إذ إن قدرات الطفل
تتغذى بالتشجيع ، وتضمر وتموت بالضرب .
فاحذر أيها المربي من أن تخسر طفلك … بضربك المبرح
له… وتذكر أن كثرة الضرب تؤدي إلى نتائج
يمكن الاستغناء عنها إذا استخدم كل من الأب
والأم ما يسمى بالعقاب البديل ، وهو :
حرمان الطفل مما يحبه ، من اللعب أو الخروج أو النزهة ونحوها ،
بدلاً من الإيذاء البدني الشديد ، الذي يؤدي إلى الأمراض النفسية .
الثواب والعقاب مطلوبان :
تربية الأطفال بالثواب والعقاب مطلوبة لكنها
مشروطة بشروط ، ومقننة بقوانين.. كما أسلفنا …
فالعقاب الذي يطلب تطبيقه في
تربية الأبناء هو الذي لا يؤلم نفسيًا ولا
يهدر الكرامة ، وكل أسرة تختلف في طريقة
التعامل مع أطفالها ، فإذا كان الطفل شقيًا
ويتحرك كثيرًا ، ويعبث بمقتنيات المنزل دون وعي
أو إدراك ، وفي تصوره أنه نوع من اللهو …
أو جذب الانتباه إليه …
فقد تتبع أسرته معه أسلوب الضرب والإهانة وتكون الشكوى منه دائمًا …
ولو أدركت الأسرة : أن الطفل إن لم
يقدم على تلك الأفعال في هذه السن ، لأصبح
حالة مرضية لخففوا من انفعالهم .
فيجب عدم توبيخه ومعاقبته كلما صدر منه فعل مرفوض ،
بل يجب دعم ثقته بنفسه …
وأظهار إيجابياته ومميزاته له …
بدلاً من عقابه وإظهار السلبيات .
وأكدت الأبحاث في مجال تربية الطفل أنه يمكن
استخدام العقاب كوسيلة لمنع سلوكيات الأبناء
المرفوضة.. مثل اللعب في أسلاك الكهرباء أو
مفاتيح الغاز وغيرها من الأشياء الخطرة ..
* ومما ذكرته أستاذة متخصصة في علم النفس…
أن من شروط العقاب :
1- أن يتم تطبيقه عقب صدور السلوك الخاطىء فورًا .
ولا ينتظر مدة حتى يعاقب الطفل عليها .
2- ويكون العقاب مناسبًا للموقف ، أي حسب حجم الخطأ .
3- ولا بد أن يكون التحذير يسبق الخطأ ، مثل التحذير من سكب الولد لكوب اللبن . 4- ولابد أن يكون العقاب مباشرًا إذا تكرر الخطأ .
5- كما يجب معاقبة الطفل من كلا الوالدين ، وليس واحدًا منهما
حتى لا يشعر بالفارق ، أو عدم الثقة بأحد الوالدين ، هذا في حالة إذا كان العقاب
بدنيًا.
* أما العقاب بالحرمان :
فهو أفضل أسلوب ، فهو حرمانه من المميزات التي يحبها مثل الألعاب
والكمبيوتر ، أو حرمانه من التنزه ، أو ممارسة بعض الألعاب
التي يحبها ، أو الحرمان المؤقت من المصروف
وكل ذلك يكون بصورة مقننة
لأن العقاب الشديد في الصغر يسبب اهتزاز الشخصية في الكبر.
لا شك أن الطفل يجهل أكثر مما يعلم ، فإذا علم فَعَلَ الصواب وسار
سيرًا محمودًا .
لذلك تكون مرحلة تعليمه من الصغر أولى الخطوات في تقويمه ،
فإذا لم يصلح الطفل التصحيح الفكري أو العملي ،
وأصر على ارتكاب الخطأ كان التأديب
حتمًا لازمًا عليه ، ويتبع معه العقوبات
بالخطوات التالية :
1ـ رؤية الأطفال للعصا والخوف منها:
فرؤية العصا تردع الكثير من الأطفال ، فبمجرد
إظهارها لهم يسارعون إلى التصحيح ويتسابقون في
الالتزام ، وتتقوم أخلاقهم وسلوكياتهم .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم ” رواه البخاري في الأدب وغيره .
2ـ شد الأذن :
وهي أيضا عقوبة جسدية للطفل ، فيتعرف في هذه
المرحلة على ألم المخالفة التى استحق عليها شد الأذن .
ويمكن أن يستأنس لذلك : بما في البخاري وغيره : عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقام عن يساره ، فأخذ بأذني من ورائي فجعلني عن يمينه …
3ـ الضرب وقواعده :
إذ لم تُجدِ مشاهدة العصا وشد الأذن ، ومازال
الطفل مصرًا على المشاكسة والعناد ، جاءت
المرحلة الثالثة وهي الضرب لكن بضوابط .
فقواعد الضرب :
1ـ أن يبدأ من سن العاشرة .
وذلك انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم :
” مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ” .
فمع أن الصلاة هي عمود الدين والإسلام ، إلا أن
النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن بضرب
الطفل على تقصيره قبل سنة العاشرة ، فكيف
بباقي الأمور الحياتية التي لا تساوي الصلاة ؟!
فتفكر أيها المربي .
2ـ أقصى الضربات عشر :
على المربي ألا يتجاوز في أي حال من
الأحوال عن عشر ضربات ، لقوله عليه الصلاة
والسلام: ” لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في
حد من حدود الله ” رواه البخاري .
3ـ طريقة الضرب :
لابد عند ضرب الطفل مراعاة التالي :
أ – يجب أن يكون الضرب بين ضربتين ، بين الشديد القاسي ، والهين اللين …
وقد كان علي رضي الله عنه يقول : ضرب بين ضربين ، وسوط بين سوطين .
وقال الإمام أحمد : لا يبدي إبطه في شيء من الحدود .
أي : لا يرفع الضارب ذراعه لنقل السوط حتى
يرى بياض إبطه ، حتى لا يعظم الألم .
فلا تضرب بكل قوة يدك ، خصوصا الأطفال لضعف أبدانهم .
ب – أن يكون مفرقًا على الجسد ، لا مجموعًا في محل واحد ،
حتى يأخذ كل عضو حقه ، إلا الوجه والفرج والرأس ، فلا يجوز التعرض لها لخطرها.
ج – أن يكون بين الضربتين زمن يخف فيه ألم الضربة الأولى .
د – وعلى المربي أن يبتعد في الضرب عن السب
والشتم وتقبيح الطفل ، وكذا اللعن لتحريمه ،
وأن يرفع يده عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى .
وفي هذا لفته رائعة للطفل بتعظيم الله تعالى .
هـ – وإذا وصل إلى مرحلة الألم التي لم يعد يتحملها ، واقتنع
بخطئه وسيصلحه ، أو وصل إلى مرحلة الانهيار
النفسي أو الخوف الشديد ، فالاستمرار بالضرب
وحالة الطفل هذه تعد جريمة في صورة تربية الطفل .
هذه الضوابط التي وضعها الفقهاء والمربون ، هي من أجل
أن يؤتي الضرب والتعزير ثماره التربوية في التأديب
فيتقدم الطفل نحو الأحسن لا الأسوأ .
فارفق أيها المربي بطفلك.. فهو زينة الحياة..
وفلذة الكبد … وهبنا الله إياهم… فارعهم وأحسن
تربيتهم يرعوك في كبرك ..
فالضرب.. وسيلة العاجز..
أما المربون الذين يعتمدون عليه دائمًا…
فهو دليل عجزهم وفقرهم الشديد لفن الحديث
وأصول الحوار السليم ، وعدم القدرة على
الإقناع ، واستعجالهم للنتائج التي لن يحققوا
منها شيئًا سوى سلبيات تلحق بهم وبأولادهم ..
وتزيد الضرر ضررًا.
اللهم هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما