صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 2
2- تحريفهم لكلام الله تعالى وكتبه ، وكلام رسله صلوات الله عليهم ، إما لفظا وإما معنى ، قال الله سبحانه فيهم ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ( البقرة : 75 ) .
أي : لا تطمعوا في إيمان من هذه صفته وحاله ، من تحريف كلام الله تعالى وتبديله ، من بعد ما عقلوه وعرفوا معناه الحق ، فيضعون له معاني باطلة من عند أنفسهم ما أرادها الله تعالى ، يوهمون الناس أنه المعنى الذي أراده الله ، كذبا وافتراء وجرأة على ربهم !!
وقال تعالى أيضا: ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلًا) ( النساء : 46) .
ومن تحريفهم لكلام الله تعالى : تحريفهم لصفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، وادعائهم أنها لا تنطبق ولا تصدق عليه ، ولم يقصد بها ، بل المراد بها غيره !!
ومن تحريفهم للمعنى قولهم ( راعنا ) قصدهم بذلك الرعونة ! والطعن والعيب للرسول صلى الله عليه وسلم ، قبحهم الله ! ويوهمون السامع أنهم يريدون : ارعنا سمعك ، ولهذا قال سبحانه ( ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ) .
وكان الواجب عليهم حسن الخطاب والأدب مع نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، في سؤاله والتعلم منه ، بل والدخول في دينه وفي طاعته .
وقد عوقبوا بذلك كما قال سبحانه في آخر الآية ( ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) .
وقد توعدهم الله عز وجل أيضا على هذا التحريف والتبديل لكلامه ، فقال تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ( البقرة آيه 79 ) .
أي : فويل لهم من عذاب الله لتبديلهم كلامه ، وتحريفهم لمراده ، وويل لهم مما يكسبون جراء هذا التغيير والتبديل من عرض الدنيا وحطامها ، فإن الدنيا بأسرها ، تعد ثمنا قليلا بالنسبة للآخرة العظيمة التي لا تفنى ولا تبيد .
وهذه الصفة السيئة _ من تحريف اللفظ أو المعنى وهو أكثر _ انتقلت إلى أهل الأهواء والبدع المنتسبين إلى الإسلام ، الذين حرفوا معاني القرآن والسنة الحقه ، إلى ما لا يريده الله ورسوله من المعاني الباطلة .
فقالوا في قوله تعالى ( استوى على العرش ) يعني : استولى !! و( يد الله ) قالوا : أي قدرته ! و( رحمة الله ) قالوا : هي نعمته وإحسانه !! وفي ( وجاء ربك ) جاء أمره ، وفي ” نزوله إلى السماء الدنيا ” نزول أمره ! أو نزول ملائكته ! وهكذا … صرفوا النصوص عن معانيها الحقة ، إلى معان باطلة من عندهم ، ليست هي مراد الله تعالى ، ولا مراد رسوله صلى الله عليه وسلم .
وتحريف اليهود للكلام الله تعالى وتبديله موجود إلى يومنا هذا ، سواء كان مكتوباً أو مسموعاً أو مقروءاً ، أو مرئيا ، في الأخبار المحلية والعالمية ، والمواقف الدولية ، والعلوم وغيرها ، فيجعلون ما لغيرهم لهم ، ويظهرون المظلوم في صورة الظالم والعكس ، فسبحان الله العظيم .
ومن ذلك التحريف العظيم : افترائهم لكتابهم ” التلمود ” والذي هو موسوعة تضم كل شيء عن هواجس و خرافات بني إسرائيل ! ويدعون أنه متلقى عن موسى عليه السلام ، ويعطي اليهود – عليهم لعنة الله – التلمود أهمية كبرى لدرجة أنهم يعتبرونه الكتاب الثاني ، أو المصدر الثاني للتشريع .
وكلمة التلمود كلمة عبرية تعني : الشريعة الشفوية والتعاليم ، وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية لكل ما فيها من رموز وشطحات وسفاهات وأحقاد على العالم !! (1 ) .
مع أن الله تعالى قد امتن عليهم بنعمة إعطائهم التوراة ، التي فيها الشرائع والأحكام ، والهداية إلى طريق الفلاح ، والفوز بالسعادة في الدارين ، قال تعالى ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) البقرة : 53 .
وسماها الله فرقانا ، لتميزها الحق من الباطل ، والخير من الشر .
لكن ماذا كان موقفهم منها ؟! إنه موقف الجاحد لنعم الله ! إذ أعرضوا عنها ، وامتدت أيديهم إليها فحرفوها ، كما شاءت أهواؤهم وشهواتهم كما ذكرنا .
ولقد شبههم القرآن في تركهم تدبرها ، والعمل بما فيها ، بالحمار يحمل كتبا لا يدري ما فيها ؟!
فقال سبحانه ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) الجمعة : 5 .
والسفر الكتاب الكبير ، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء .
فمثل هؤلاء اليهود الذين علموا التوراة ، وكلفوا العمل بها ، ثم لم يعملوا بها ، ولم ينتفعوا بما جاء فيها ، واستحبوا العمى على الهدى ، كمثل الحمار الذي يحمل الكتب العظيمة ، لكنه لا يدري ما فيها ، فلا يناله إلا التعب والكد والثقل .
وكل من علم ولم يعمل ، وباع دينه بدنياه ، فهذا مثله ، وبئس المثل مثله .
وصدق فيهم قول القائل :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
وهو تحذير لهذه الأمة أيضا من هذه الخصلة الذميمة ، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
” شبه الله تعالى من حمله كتابه ليؤمن به ويتدبره ، ويعمل به ويدعو إليه ، ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب ؟! فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ، ولا اتباع له ، ولا تحكيم لنصوصه ، شبهه بحمار يحمل على ظهره زاملة أسفار ، لا يدري ما فيها ، وحظه منها حمله على ظهره ليس إلا ! فحظه من كتاب الله كحظ هذا هذا الحمار من الكتب التي ظهره !
فهذا المثل _ وأن كان قد ضرب لليهود _ فهو متناول من حيث المعنى ، لمن حمل القرآن فترك العمل به ، ولم يؤد حقه ، ولم يرعه حق رعايته انتهى
________________________
1- انظر كتاب نهاية اليهود – أبو الفدا محمد عارف وغيره .