حكم الركعتين بعد العصر
السؤال : ما حكم الركعتين بعد صلاة العصر ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
فقد اختلف العلماء في الركعتين بعد صلاة العصر ، فمنهم من نهى عنها ، وهم الأكثر ، وقال : لا يُصلى لعموم للأدلة في النهي عن الصلاة بعد العصر .
فالقول الأول ، هو قول الجمهور من أهل العلم .
واحتجوا لذلك بأحاديث :
فعن ابن عباس قال : شهد عندي رجال مرضيون – وأرضاهم عندي عمر – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب ” .
ونحوه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عمرو رضي الله عنهم في الصحيحين .
وهي أحاديث صحيحة صريحة .
والقول الثاني : أنه يشرع الصلاة بعد العصر ، لفعله لها صلى الله عليه وسلم .
وهو قول عائشة رضي الله عنها وغيرها .
قال الإمام البخاري ( 2/ 63- 64) : باب مايصلى من الفوائت بعد العصر ونحوها
وقال كُرَيبٌ عن أُمِّ سلمَةَ: « صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ العصرِ ركعتينِ وقال: شَغَلني ناسٌ مِن عبدِ القيْسِ عن الركعتينِ بعدَ الظُّهر».
ثم روى بسنده : عن عبدُ الواحدِ بنُ أَيمنَ قال: حدَّثني أبي : أنه سمعَ عائشةَ قالت: «والذي ذهبَ بهِ ما تَرَكَهُما حتّى لَقِيَ اللهَ ، وما لَقِيَ اللهَ تعالى حتى ثَقُلَ عنِ الصلاةِ ، وكان يُصلِّي كثيراً مِنْ صلاتهِ قاعداً ـ تَعني الرَّكعتَينِ بعدَ العصرِ ـ وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّيهما، ولا يُصلِّيهما في المسجدِ مَخافةَ أن يُثْقِلَ عَلى أُمَّتهِ ، وكان يُحبُّ ما يُخفِّفُ عنهم ».
ثم روى عن هِشامٌ قال: أخبرَني أبي : قالت عائشةُ : « ابنَ أُختي ، ما تَركَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السَّجْدَتَينِ بعدَ العصرِ عندي قطُّ » .
وذكر أحاديث نحوها .
وقد روى الشيخان أيضا سبب هاتين الركعتين :
فعن كريب : أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها ، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً ، وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر ، وقل لها: إنا أخبرنا عنك أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، وقال ابن عباس : وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنها ، فقال : كريب فدخلت على عائشة رضي الله عنها فبلغتها ما أرسلوني فقالت : سل أم سلمة ، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة ، فقالت أم سلمة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار ، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له : تقول لك أم سلمة : يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه ، ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية ، سألت عن الركعتين بعد العصر ، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان .
وفي صحيح مسلم ( 6/ 122) : عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت : كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ، ثم أثبتهما ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها ، قال يحيى بن أيوب – أحد رواته – : قال إسماعيل : تعني داوم عليها .
فمداومته عليها خصوصية كما هو ظاهر .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث : فيه فوائد منها … :
ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها ، وهو الصحيح عندنا .
ومنها: أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي ، وإنما يكره ما لا سبب لها ، وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة ، وليس لنا أصح دلالة منه ، ودلالته ظاهرة .
فإن قيل : فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولا يقولون بهذا .
قلنا: لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره ، أحدهما : القول به ، فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي ، كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت .
والثاني : وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك ، وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحصل الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول .
فإن قيل : هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا: الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به ، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص ، وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ، ولم يقل هذا الفعل مختص بي ، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء انتهى .
وقال البيهقي : الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك ، لا أصل القضاء ( الفتح 2/64 ) .
وانظر أيضا : المغني لابن قدامة ( 2/ 523) .
وعلى هذا فالصحيح : مشروعية قضاء السنن الفائتة ، ولو كانت نافلة في وقت الكراهة مطلقاً ، وأما المداومة على ذلك فمن خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم