صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 6 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم :
8 – قتل الأنبياء والرسل :
وهذا لم يتصف به أحد من كفار الأمم جميعاً سواهم ، قال تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) البقرة : 61 .
قال الحافظ ابن كثير ( 1/ 67) : يقول تعالى : هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة , وإحلال الغضب بهم من الذلة , بسبب استكبارهم عن إتباع الحق وكفرهم بآيات الله , وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم , فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم !
فلا كفر أعظم من هذا , أنهم كفروا بآيات الله , وقتلوا أنبياء الله بغير الحق , ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” الكبر بطر الحق ، وغمط الناس ” .
يعني : رد الحق , وانتقاص الناس , والازدراء بهم والتعاظم عليهم .
ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله , وقتلهم أنبياءه , أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلاً في الدنيا ، موصولاً بذل الآخرة ، جزاءً وفاقا .
وروى الإمام أحمد : عن عبدالله يعني ابن مسعود , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أشد الناس عذابا يوم القيامة : رجل قتله نبي ، أو قتل نبياً , وإمام ضلالة , وممثل من الممثلين ” انتهى .
وقوله تعالى عن قتلهم ( بغير الحق ) زيادة في بيان شناعة فعلهم ، وإلا فمن المعلوم أن قتل النبيين لا يكون بحق أبدا ، وأنهم إنما فعلوا ما فعلوا عن عناد واستكبار ، لا عن جهل وعدم علم .
وقال تعالى أيضا : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) {البقرة : 87}.
هذه معاملة بنو إسرائيل لأنبيائهم ، أسوأ معاملة وأقبحها ، فريقا يكذبونه ، وفريقا يعتدون عليه فيقتلونه ، وذلك لأنهم كانوا يأتونهم بما لا يشتهونه ، من الأحكام المخالفة لأهوائهم وآرائهم ، مما حكم الله تعالى به في التوراة والإنجيل ، وخالفوه هم بأفعالهم وأحكامهم ، ولذلك أدى بهم الحال إلى تكذيب بعضهم ، بل وإلى قتل بعضهم!
فيقول الله : أفهذا فعلكم برسلي !!
وكذا قوله سبحانه ( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) ( آل عمران : 181) .
وقد ذكر أهل التفسير والسير أنهم قتلوا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ، واختلفوا في قتلهم لأبيه زكريا عليه السلام .
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ( 2/411) : وذكروا في قتله أسبابا كثيرة ، من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق ، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها ، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك ، فبقي في نفسها منه ، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها ، استوهبت منه دم يحيى ، فوهبه لها فبعثت إليه من قتله ، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها ، فيقال : إنها هلكت من فورها وساعتها … وروى عن سعيد بن المسيب بسند صحيح قال : قدم بخت نصر دمشق ، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي ، فسأل عنه فأخبروه ، فقتل على دمه سبعين ألفا ، فسكن . ( فسبحان الله العزيز ذي انتقام )
قال : وقد اختلفت الرواية عن وهب بن منبه : هل مات زكريا عليه السلام موتا ، أو قتل قتلا ؟ على روايتين … انتهى
ولم يكتف اليهود بتلك العظائم والجرائم مع أنبياء الله ، بل حاولوا قتل خاتم الأنبياء والمرسلين ، أكثر من مرة ، وظاهروا على قتله وقتاله وقتال أصحابه ، الكفار وعبدة الأوثان ؟!
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ) ( المائدة : 11 ) .
قال ابن كثير ( 2/34 ) : وذكر محمد بن إسحاق ومجاهد وعكرمة وغير واحد : أنها نزلت في شأن بني النضير ، حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى ، لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ، ووكلوا عمرو بن جحاش بن كعب بذلك ، وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار ، واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه ، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تعاهدوا عليه ، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه ، فأنزل الله في ذلك هذه الآية ( 1) .
وليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي حاول فيه اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم
فأحبط الله كيدهم ، وخيب مسعاهم ، بل هناك غيرها .
فقد أخرج الإمام البخاري : عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : ” لما فتحت خيبر وأطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتحها – أهديت إليه شاة فيها سم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن لاك منها مضغة ثم لفظها – : ” اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود ” , فجُمِعُوا له , فقال لهم حين اجتمعوا عنده : ” إني
سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي فيه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم , فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ” مَن أبوكم ؟ ” قالوا : أبونا فلان , قال : ” كذبتم ، أبوكم فلان ” – قال الحافظ ابن حجر : أي إسرائيل يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام – قالوا : صدقت وبررت , قال : ” فهل انتم صادقي عن شيء ، إن سألتكم عنه ؟ ” قالوا : نعم يا أبا القاسم , وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا , فقال لهم : ” مّن أهل النار ؟ ” قالوا : نكون فيها زماناً يسيراً ، ثم تخلفوننا فيها , فقال لهم : اخسؤا فيها – أي اسكنوا فيها سكون ذلة وهوان – والله لن نخلفكم فيها أبدا .
ثم قال لهم : ” هل أنتم صادقي عن شيء ، إن سألتكم عنه ؟ ” فقالوا : نعم , قال : أجعلتم في هذه الشاة سُماً ؟ ” قالوا : نعم ، قال : ” فما حملكم على ذلك ؟! ” قالوا : أردنا إن كنت كاذبا ، أن نستريح منك , وإن كنت نبياً لم يضرك ؟؟؟! .
هكذا جوابهم وردهم القبيح ، لسيد الخلق ، وإمام المرسلين ، صلوات الله عليه وسلامه .
فاليهود حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ، ولكن الله تعالى نجاه من شرهم ومكرهم ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (التوبة : 23- 33 ).
ومع هذا فقد ظل أثر السم فيه صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل بعد ثلاث سنين ، كما روى البخاري في المغازي ( 8/131) : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ، مازال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ” .
والأبهر : عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه .
فإذا كانت هذه الخصلة مذكورة عنهم في كتاب الله تعالى مرارا ، فلا يستغرب اجتراؤهم على الأنفس البريئة المعصومة ، من الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم .
والله من ورائهم محيط .
________________
1- وورد أنها نزلت في الأعرابي الذي أخذ سيف النبي صلى الله عليه وسلم فسله عليه … الحديث ، ولا مانع من تتعدد الحوادث والآية واحدة ، كما في علوم القرآن