حقوق الإنسان الحقة في الإسلام
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، وما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والاتفاقيات الدولية اللاحقة ، ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ، ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة الإسلامية الغراء .
فقد قال الله تعالى في كتابه ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء : 70 .
وحقوق الإنسان كما جاء بها الإسلام في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المطهرة ، حقوق أصلية ثابتة ، لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً، بل إنها حقوق ملزمة للجميع ، شرعها الخالق سبحانه وتعالى ، فليس من حق أي بشر كائناً من كان أن يعطلها ، أو يتعدى عليها ، ولا تسقط بإرادة الأفراد بالتنازل عنها ، ولا بإرادة المجتمعات ، ولا السلطات التي تحكمه .
أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فهو ليس إلا مجرد تصريح صادر عن الأمم المتحدة غير ملزم للدول أو الحكومات !!
فحقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية ، أما في الإسلام فحقوق الإنسان عبارة عن فرائض تحميها عقوبات جزائية ، فللسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفرائض ، خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية ، والتي تعتبرها حقاً شخصياً مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.
إن كرامة الإنسان حق من حقوقه التي كفلها الإسلام للإنسانية عامة ، وواجب من الواجبات الشرعية الملزمة ، والتي يسأل عنها الحاكم والمحكوم ، لا تخضع لاجتهادات الجماعة فتختلف من زمان إلى زمان ، أو من مكان إلى مكان ، بل حقوق ثابتة وليس فضلا يمنحه المجتمع للإنسان .
بل الفرد نفسه ملزم بتحقيق هذه الحقوق التي تحقق له الكرامة الذاتية ، فأمره الله سبحانه بالابتعاد عما يمتهنها بذل وخضوع ، وعبودية لغير الله تعالى ، وهو الشرك بالله بأحد الأنداد أو الأصنام ، وكذا فليس له أن يقتل نفسه بالانتحار ، ولا أن يتعاطى المخدرات ، والمسكرات القاتلة والمهلكة للصحة ، والمذهبة للعقل الذي هو ميزة الإنسان عن الحيوان .
وهذا بيان مختصر لمضمون حقوق الإنسان في الإسلام ، وأحكام الإسلام فيها ، ومنها: حق الحياة ، وسلامة البدن ، والعقل ، والعرض والمال ، والأهل ، والحرية ، والمساواة ، والتكافل .
1. حق الحياة والسلامة في البدن والعقل والعرض والنسل والمال :
إنّ مما يدل على كرامة الإنسان في الإسلام ، هو تسخير الكون برمته للإنسان ، قال تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) البقرة : 29 .
وقال ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه ) لقمان : 20 .
وأن الاعتداء على الإنسان الواحد ، يساوي الاعتداء على البشرية قاطبة ، كما قال تعالى : ” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ” (المائدة : 32).
وعدم التهور في إلقاء النفس بالتهلكة ، فقال تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) البقرة : 195.
فجاءت الشريعة الاسلامية بكل ما فيه حماية للإنسان وحفظ نفسه ، فالإنسان محترم في حياته وبعد مماته ، فلا يجوز التمثيل بجثته ولو في الحرب ، حتى القتال لم يشرع إلاّ من أجل إحقاق الحق ، والدفاع عنه ، ورد الباطل والفساد ودرء شره عن الناس ، وذلك بعد الإنذار والإعلان ، مع وجود القيود الصارمة على العمليات الحربية ، فالإسلام حرم قتل غير المحاربين من النساء ، والأطفال ، وكبار السن والرهبان .
وما القصاص إلاّ دفاعٌ عن الإنسان وحياته ، فبالقصاص تحيا النفوس ، كما قال الله تعالى: ” ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ” ( البقرة : 179) .
كما أوجب لحمايتها تناول ما يقيمها من ضروري الطعام والشراب واللباس والسكن .
وجاءت الشريعة بالحفاظ على النسل والأنساب ، فمن ذلك الحث على إيجاد النفوس وبقاء النوع على الوجه الأكمل ، وذلك بالزواج والتناسل .
وأوجبت حفظ العرض بوسائل كثيرة ، منها : غض البصر ، وحفظ الفرج ، وتحريم الزنا والوسائل الموصلة إليه ، والمعاقبة عليه أشد العقوبات ، وفرض حد القذف .
وكذا حفظ الأموال فمن الضروريات التي لا تستقيم حياة الناس إلا به المال ، فهو عصب الحياة .
ولذا أوجبت للحفاظ على المال : السعي في طلب الرزق ، وأباحت المعاملات والمبادلات والتجارات ..
وللحفاظ على المال حرمت الشريعة السرقة والغش والخيانة ، والربا بكل صوره ، وأكل أموال الناس بالباطل وعاقبت على ذلك .
وكذا الحفاظ على عقله بتحريم الخمر والمخدرات ، وما يذهب العقل ، حرصاً على سلامة بدنه ، وعقله ، وعدم السخرية منه ، أو شتمه ، أو مناداته بلقب لا يحبه .
2. حق الحرية للإنسان :
فقد خلق الله تعالى الناس إحرارا إلا من العبودية له سبحانه وتعالى ، فمن استعبد الناس وأذلهم ، فقد عارض الله عزوجل في حكمه ، وقد وصف اللـه سبحانه وتعالى الإنسان بأنه الخليفة في الأرض ، قال تعالى: ” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ” (سورة البقرة : 30 ) .
وهذا الوصف له مدلولاته من حيث ما ذكر من الكرامة والاحترام ، والتميّز في هذا المخلوق ، الذي فُضل على غيره من المخلوقات .
ولقد عانت الإنسانية من العبودية لغير الله ، والاستذلال حقباً طويلة ، وما زالت تعاني إلى الوقت الحاضر ، بواسطة الدول الاستعمارية الكبرى ، وإن تغيرت مسميات هذه العبودية !!
وعند بزوغ فجر الإسلام ، جاءت تعاليمه صريحة في القضاء على العبودية والرق ، وتحرير الناس منه ، حيث ضيقت مداخله ووسعت طرق إلغائه بالكفارات والترغيب بالعتق ، فلم يبق من مداخله إلاّ الحرب التي تقوم بين المسلمين والكفار ، وأمّا طرق إلغائه فكثيرة جداً قد بيّنت في أبواب الرقّ في الفقه الإسلامي .
ولا يتنافى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحرية الفردية ، لأن قيام أفراد من المجتمع بذلك ، فيه الحرص على حماية الآخرين مما يضرهم ، ويضر أديانهم ونفوسهم وعقولهم وأعراضهم ، وتنبيههم للأخطار المادية والنفسية .
3. العدل والمساواة :
ومن الحقوق التي كفلتها شريعة الإسلام : مبدأ المساواة بين الناس ، فتعد المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات ، مبدأً أصيلاً في الشرع الإسلامي ، وهذا بخلاف الحال في الحضـارات السابقة للإسلام ، حينما كانت النظرة للإنسان حسب جنسه أو لونه ، أوغناه أوفقره ، أوقوته أوضعفه ، أوحريته أو عبوديته ، وكانت طبقة الحكام ورجال الدين ، من الطبقات المميزة ، بل إنّ بعض المجتمعات كالمجتمع الهندي الهندوسي ، عنده طائفة المنبوذين ، الذين يحرم عليهم ، أن ينتقلوا إلى طبقة أعلى ، حتى ولو كانت مَلَكاتهم وقدراتهم تتيح ذلك .
فالإسلام جعل المعيار الوحيد للتفاضل ، والذي يتساوى أمامه الخلق جميعاً على اختلاف الأجناس والألوان واللغات ، والحرية والعبودية ، معيار التقوى، قال تعالى : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم ” (الحجرات : 13) .
كما يتساوى الناس جميعا في الثواب عند الله والعقاب ، في الدنيا والآخرة ، قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل : 97.
وقال ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ) طه : 111 .
أي : لا يخاف أحد أن يزاد في سيئاته ، ولا يهضم شيء من حسناته ، وذلك لكل البشر دون تمييز لأحد على أحد ، كما قال سبحانه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
ولا تتنافى المساواة كما ذكرنا ، مع الاختلاف بين غير المتماثلين في الحقوق الفرعية ، والواجبات الشرعية ، كما هو الحال بين الرجل والمرأة ، فللرجل حقوق وعليه واجبات تناسبه ، وللمرأة حقوق وعليها واجبات تناسبها .
وكذا الاختلاف بين الكبير والصغير ، والقادر والعاجز ، والصحيح والمريض
، والمقيم والمسافر ، والعالم والجاهل ، والحاكم والمحكوم ، لاختلاف هؤلاء الناس في العلم والقوة والحال ، والقدرات والمسئوليات ، وفي ذلك تحقيق لمصالح لا تخفى ، وبناءً عليها يختلف الناس اختلاف حساب ومسئولية ، وليس اختلاف كرامة ، كما قال سبحانه ( لا تكلف نفس إلا وسعا ) البقرة : 233 .
وقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) البقرة : 286 .
وقال ( ما جعل عليكم في الدين من حرج )
فالناس سواسية أمام اللـه تعالى ، مع اختلافهم في الفروع .
4. التكافل الاجتماعي :
لم تعرف البشرية نظاماً متكاملاً فعالاً للتكافل الاجتماعي ، مثل ما عرفته في ظل دين الإسلام ، وهو قاعدة أصيلة في بناء الإسلام وأركانه ، وليس وليد الظروف والتطورات الاجتماعية .
وقد تعددت في الإسلام أبواب التكافل الاجتماعي ، وتراوحت بين الإلزام والاختيار، ومن ذلك ما يلي :
أ- أداء فريضة الزكاة ، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة ، وحق واجب في المال إذا بلغ مقداراً معلوماً ، في وقت معلوم ، بنسبة معلومة ، في كل أنواع المال ، من : الذهب والفضة ، وما يقوم مقامها من النقود ، والحبوب والثمار ، والأنعام ، وعروض التجارة .
ب- الصدقات بكل صورها وأنواعها ، وهي عطاء اختياري من الأغنياء للفقراء ، لا منة فيها ولا أذى ، بل رغبة في الأجر والثواب من الله تعالى .
وصورها كثيرة : كالنفقة على الأرملة ، والمسكين ، واليتيم ، ومساعدة المحتاج ، والعاجز عن الكسب ، وإكرام الضيف ، وإعانة ابن السبيل ، والإحسان للجار ، وغيرها .
ج- النفقة على الأقارب ، فالنفقة واجبة على الإنسان لأسرته بحسب قدرته ، من زوجة ، وأبناء وبنات ، وآباء وأمهات ، وإخوة وأخوات ، وبقية الأرحام ، المحتاج منهم للنفقة ، ينفق عليه حسب الوسع والطاقة ، كما في قوله تعالى ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) الطلاق : 7 .
د-أحكام الديّات ، حيث يتشارك أقرب العصبة إلى القاتل خطأً ، في دفع الدية إلى ورثة المقتول .
والدية هنا ، تمثل ضماناً من المجتمع لورثة المقتول ، فلا يضيع دم إنسان هدراً في مجتمع مسلم .
هـ- التكافل الاجتماعي في الإسلام لم يقتصر على الجوانب المادية فحسب ، بل يمتد إلى ما التواصل المعنوي والروحي ، كصلة الأرحام بالزيارات ، وإفشاء السلام بين الناس ورده ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، والتعزية للمصاب ، وإجابة الدعوة إلى الولائم والأفراح .
ومن التوجيهات الإسلامية الرفيعة : ألاَّ يكتم الإنسان العلم النافـع عمّن يحتاج إلى التعليم ، ولا يبخل الإنسان بنصحه على من يحتاج إلى النصح والإرشاد ، من القريب والبعيد ، فالدين النصيحة ، كما ورد في الحديث .
ومن ذلك أيضاً : والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ونصرة المظلوم ، ومنع الظالم من التمادي بظلمه .
وهذا كله من الدعم المعنوي ، الذي يساعد على بناء المجتمع وقوته ، وتحقيق حقوق الإنسان فيه .
هذه بعض الكلمات في هذا الموضوع المهم ، والتي ترد على من حاول الطعن في الشريعة الإسلامية ، واتهامها بالتقصير في حقوق الإنسان أو الاعتداء عليه ، ومحاولة فرض النظم الجاهلية على أهله ، والأفكار الفاسدة التي هي في حقيقتها اعتداء على الانسان وحقوقه ، أو تضييع لواجباته الملقاة على كاهله .
ولا يمكن للمسلم أن يعرف حقوق الانسان في الاسلام إلا بالعلم والتعلم والنظر في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وما دونه علماء الإسلام في هذا المضمار .
والله تعالى أعلم ،،،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وآله وصحبه