موضوع الساعة

عبادة القبور مرة أخرى ؟!

عبادة القبور وهي اعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ، ويفرِّجون الكربات ، ودعاؤهم ونداؤهم ، والاستعانة والاستغاثة بهم ، تضاد توحيد الألوهية ، وهو توحيد العبادة ، وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد .
وأصل العبادة : التذلل والخضوع ، والعبادة اسم جامع لكل وظائف الشرع التي على المكلفين فعلها ، وهو خاضعون متذللون ، كالصلاة والصيام والطواف والنحر والنذر والحلف ، والاستعانة والاستغاثة والرغبة والرهبة والتوكل وغيرها .

وما خلق الله الجن والإنس إلا لهذا المقصد ، وهو إفراده بالعبادة كما قال سبحانه ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ( الذاريات : 56 – 58 ).
وهذا التوحيد هو الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم ، من عهد نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام ، إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ( ولقد بعثنا في أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ) ( النحل : 36 ) .
ودعاء غير الله من الأموات ، هو في الحقيقة سؤاله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وهو مضاد لقول الله سبحانه وتعالى : ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ( البقرة : 22 ).
أي : لا تتخذوا لله أشباها ونظراء ، فتعبدونهم كما تعبدون الله تعالى ، وتتقربون إليهم كما تتقربون لله تعالى ، وهم مثلكم مخلوقون مرزوقون مدبرون ، لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا ينفعونكم ولا يضرونكم .

( وأنتم تعلمون ) أنه ليس لله تعالى شريك ولا نظير ، لا في ذاته ، ولا في أسمائه وصفاته ، ولا في أفعاله سبحانه ، ولا في خلقه ورزقه ، فكيف إذا تعبدون معه آلهة أخرى ؟؟!!
فهذا أوضح دليل عقلي على بطلان الشرك ، وأعمال المشركين .

وقد أنكر تبارك وتعالى على من زعم أن له ولدا بغير برهان ولا دليل ، يدعوه ويتقرب إليه ، ويزعم أنه يخلق ويرزق ، ويحي يميت ، ويضر وينفع ، فقال تعالى ( قالوا اتخذ ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون * متاع قليل ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بماكانوا يكفرون ) ( يونس : 68 – 70 ).
وهكذا يقال لهؤلاء : من أين أتيتم أنتم بهذه الوسائط التي جعلتموها بينكم وبين الله وهي لا تضر ولا تنفع ؟! ومن أخبركم أن من شريعته ذلك ؟! هل عندكم من كتاب من الله يأمركم بذلك ؟ أو قول لرسول أو أثر ؟ ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) .
وماذا خلقوا من الخلق ؟ قال سبحانه ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) ( الأحقاف : 4 ) .
أي : هل خلقوا شيئا في السموات من شمس أو قمر أو نجوم ، أو نصبوا جبالا ، أو أجروا أنهارا ، أو أنبتوا أشجارا ، والجواب بأقرارهم بأنفسهم : لا .
ثم قال ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) .
أي : لا أحد أضل منهم ، يدعون من لا يسمعهم ، ولا يجيب دعاءهم ، هذا حالهم في الدنيا ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، ويتبرؤون منهم !

وقال تعالى ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطال والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) الحج : 73 -74 .

أي : من تعبدونهم من دون الله تعالى لو اجتمعوا كلهم على أن يخلقوا ذبابة ، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ولو تكاتفوا وتعاضدوا ، بل لو أكل الذباب شيئا من أطعمتهم ما استطاعوا استرداده منه ، فكيف تعبدونهم من دون الله عزوجل ؟؟؟!

وقال أيضا ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) ( النساء : 36 ) .
و( شيئا ) نكرة في سياق النفي ، تعم جميع أنواع الشرك ، صغاره وكباره ، ظاهره وخفيه .
وقال سبحانه ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ( الإسراء : 23 ) .
قضى : أي حكم وأمر .
وفي الصحيحين : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلت يارسول الله ، أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : ” أن تجعل لله ندا وهو خلقك ” . قلت : إن ذلك لعظيم ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ” .

وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم ، للشفاعة أو للتخليص من الشدائد ، والله يقول : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) ( النمل : 62 ).

وبعضهم يتخذ اسم الولي أو الشيخ ذكرا وديدنا ، يدعوه مستغيثاً به ، مستعينا به ، كلما قام وقعد وعثر ، وإن وقع في مصيبة أو كربة أو ضيق ناداه ؟! فهذا يقول : يا محمد ، وهذا يقول : يا علي ، وهذا يقول : يا حسين ، وهذا يدعو العباس ، وهذا ينادي السيدة زينب رضي الله عنهم ، وهذا يقول : يا بدوي ، وهذا يقول : يا جيلاني ، وهذا يقول : يا بدوي أو يا شاذلي ، وهذا يقول : يا رفاعي ، وهذا يدعو العيدروس ، والله تعالى يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين ) (الأعراف : 194) .

وبعض عُبَّاد القبور يطوفون بالقبور ؟ ويستلمون أركانها ، ويتمسَّحون بها ، كما يفعل بالبيت الحرام ؟! ويقبِّلون أعتابها ، ويُعفِّرون وجوههم في تربتها ، ويسجدون لها إذا رأوها ؟!! ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين باكين !! سائلين مطالبهم وحاجاتهم ، من شفاء مريض ، أو حصول ولد ، أو تيسير حاجة .
وربما نادى صاحب القبر قائلا : يا سيدي! جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني ؟! والله عز جل يقول : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة :
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ( الأحقاف : 5 ) .
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : ” من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا ، دخل النار” رواه البخاري .
وبعضهم عباد القبور يحلقون رءوسهم عند القبور ؟!! وبعضهم يزحف عند دخول المشاهد ، وألف بعضهم كتبا بعناوين مثل : ” مناسك حج المشاهد ” !! ويقصدون بالمشاهد القبورَ وأضرحةَ الأولياء ؟!!

وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون ؟! وأنهم يضرون وينفعون .
والله عز وجل يقول : ( قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) ( الإسراء : 56 ) .
ويقول ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )( يونس: 107 ).

ولا تجوز الصلاة في المسجد المؤسس على القبور والأضرحة .
لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ” لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ” يحذر ما صنعوا . متفق عليه .

ولقوله صلى الله عليه وسلم : ” ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ” رواه مسلم .

ولأن الصلاة عند القبور من وسائل الشرك ، والغلو في أهل القبور ، فحرم ذلك عملاً بالحديثين المذكورين ، وما جاء في معناهما من الآيات السابقة ، وسدًّا لذريعة الشرك .
فاللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ، ونعوذ بك مما لا نعلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى