معنى الحزبية !
السؤال :
شيخنا الكريم
بعض الإخوة كلما سمع كلمة جمعية خيرية ، يقول : إنها حزبية ، فما معنى الحزبية التي ينبغي التحذير منها ؟ منعاً لكثرة القيل والقال في الجمعيات الخيرية التي تدعو إلى الله عز وجل دون تحزب ؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وبعد :
فالحزب هم الطائفة وجماعة الناس .
والتحزب هو التجمع ، وهم كل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم حزب .
والحزب قد يمدح ، وقد يذم ، فلله تعالى حزب ، وللشيطان حزب .
كما قال سبحانه بعد ذكره لأوصاف المؤمنين ، الذين يبغضون من حارب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ، ولو كانوا أقرب الناس إليهم ، قال سبحانه ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) المجادلة : 22 .
وقال عن الحزب الآخر ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) المجادلة : 19 .
فحزب الله تعالى هم أولياؤه الذين أحبوه ، وأحبوا فيه ، وأبغضوا فيه ولأجله ، فكان اجتماعهم وتحزبهم لله ، وفي الله سبحانه ، كما قال سبحانه عنهم ( إنما المؤمنون إخوة ) الحجرات : 10 .
ودعاهم سبحانه إلى التعاون والتكاتف ، والائتلاف والاجتماع ، ونهاهم عن التفرق والتشتت والاختلاق ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) آل عمران : 103 .
فأمرنا سبحانه بالاتحاد ، ونهانا عن الاختلاف والتفرق والتعصب والغلو ، سواء كان التعصب لبلد ، أو لقبيلة ، أو جنس ، أو لون ، أو جماعة أو شيخ ، أو مذهب .
وقد وصل التعصب والتحزب في بعض الأزمنة : أن منعوا زواج الحنفي من الشافعية ؟! وبعضهم أجازه قياسا على الكتابية ؟!
ومنها : التعصب للقومية العربية ، التي تفضل العربي على العجمي ، مهما كان دينه وخلقه ؟! وهي من دعوى الجاهلية المذمومة ، وسلم لموالاة الكفار من العرب .
وهكذا كل فكرة أو مذهب يفرق المسلمين ، ولا يجمعهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، واتباع الرعيل الأول من هذه الأمة ، فهو مذهب باطل ، يخالف الإسلام ومقاصده .
وقد قال تعالى في ذم الحزب المنسوب لغيره ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ) المؤمنون : 53 .
وهو ذم للمختلفين من اتباع الرسل ، المغيرين للعلم والدين ، بالبدع واتباع الأهواء ، وتقديمها على الشرائع ؟!
قال الحافظ ابن كثير : أي : يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون .
وكذا قوله سبحانه ( ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) الروم : 31 – 32 .
وأما جماعات الدعوة إلى الله تعالى ، والجمعيات الخيرية ، فإنه وسيلة من وسائل نصرة الدين ، وأداء بعض الواجبات الشرعية من خلالها ، كالإرشاد والتوجيه والتعليم ، ونشر الكتب والرسائل العلمية النافعة ، وجمع الزكوات والصدقات ، وتفريقها على الفقراء والمساكين ، كل بإذن ولي أمر المسلمين وسماحه بإنشائها ، فهي من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله تعالى بقوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة : 2.
ولا شك أن العمل جماعة لإسلام أقوى أثرا ، وأبلغ تأثيرا في الأفراد والمجتمعات .
بشرط أن تكون على منهاج النبوة ، ولا تتمحور حول شخص من الأشخاص ، بل تدور مع الكتاب والسنة ، بفهم سلف الأمة ، مع احترام المشايخ والعلماء .
ولا تخلو من بعض السلبيات أو الأخطاء .
فلا بد فيها من تحاشي التعصب للرأي ، والإعجاب بالنفس ، والتحزب لغير الحق ، وعقد الولاء والبراء على اسم شخص او شعار مستحدث ؟
وكذلك : إقامة الولاء والبراء على مسألة جزئية فرعية ، أو مسألة الخلاف فيها معتبر وسائغ .
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام :
إن الفرقة لا تصير فرقة إلا اذا :
1- تحزبت على أصل كلي مخالف لأهل السنة والجماعة .
2- أو تحزبت على ” جزئيات ” كثيرة مخالفة ، تقوم مقام الأصل الكلي .
فمن سلم من الأمرين كان له حق الولاء المبذول لأهل السنة ، ثم الناس فيه على قدر أعمالهم وطاعتهم ، فيوالى الرجل على قدر دينه .
ويمكن مراجعة ما كتبه أهل العلم في هذا الباب للتوسع ، ككتاب : حكم العمل الجماعي ، لشيخنا عبدالله السبت حفظه الله وغيره .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين
والله أعلم .