صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 8 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :
10- قتلهم خيرة الناس من العلماء والدعاة إلى الحق :
قال الله تبارك وتعالى عن هذه الخصلة : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويَقْتُلُونَ الَذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فبشرهم بعذاب أليم ) ( آل عمران : 21 ) .
هؤلاء هم أشد الناس جرما ، وأي جرم وذنب أعظم من الكفر بالله تعالى وآياته القاطعة ، الواضحة البينة ، ثم قتل أنبيائه الكرام ، الذين حقهم أعظم الحقوق على العباد بعد حق الله سبحانه ، وقد أوجب عليهم طاعتهم ، ويقتلون أيضا الذين يأمرون بالقسط ، أي بالعدل ، فينصحون ويرشدون ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وهذا العمل من أعظم الإحسان للخلق ، وهي وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم .
فقابلوا هذا الإحسان شر مقابلة ، فاستحقوا العذاب الأليم من رب العالمين بما كسبت أيديهم .
وبين الحافظ ابن كثير رحمه الله أن استكبارهم وعنادهم للحق ، هو الدافع لهم لقتل الدعاة إلى الحق من النبيين وأتباعهم ، فقال ( 1/ 251) في الآية :
هذا من ذم الله تعالى لأهل الكتاب ، بما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله , قديماً وحديثاً , التي بلغتهم إياها الرسل استكباراً عليهم , وعنادا لهم وتعاظماً على الحق , واستنكافا عن اتباعه ، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم , إلا لكونهم دعوهم إلى الحق { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } وهذا هو غاية الكبر , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” الكبر بطر الحق وغمط الناس ” , ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق , قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا , والعذاب المهين في الآخرة ، فقال تعالى {فبشرهم بعذاب أليم } أي : موجع مهين انتهى .
لكن الحق جل جلاله ، ناصر دينه وكتابه ورسله وعباده الموحدين ، كما قال سبحانه ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ( غافر : 51 – 52 ) .
وقال سبحانه ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ( التوبة : 32- 33) .
ونور الله : هو دينه الذي أرسل به الرسل ، وأنزل به الكتب ، وسماه نورا لأنه يستضاء به في ظلمات الجهل والشرك والشك والشبهات ، والأديان الباطلة .
ونحن نؤمن أن الله تعالى سيصدق في وعده – ولو اجتمع من بأقطارها على إطفاء نوره- كما صدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه .
ولن يستطيع اليهود وأعوانهم من ملاحدة الغرب والشرق أن يوقفوا انتشار الإسلام ، ولو كادوا للدعوة الإسلامية ودعاة الإسلام ، وأبناء المسلمين ، بشتى طرقهم وأساليبهم الماكرة الخبيثة ، من التخويف أو السجن أو القتل ، واتهام دعاة الحق بالإرهاب والتطرف ! أو بالمادية والإغراء بالشهوات والملذات والمنكرات .
11 – كثرة دعاويهم الباطلة ، وكذبهم على الله تعالى وترويجهم له والإشاعات :
فهم من أكثر الناس كذبا على الله تعالى ، ورسله وأنبيائه ، وكتبه ودينه وشريعته ، أصحاب دعاوى عريضة ، وأقوال ملفقة ، لا أصل لها ولا دليل ، بل مجرد الهوى والتشهي والغرور ، ومعلوم أن القول على الله بغير علم من أعظم المحرمات ، كما قال سبحانه ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) إلى قوله ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ( الأعراف : 23) .
وقد حكى الله تعالى كثيرا من هذه الدعاوى الزائفة ، ورد عليها بالدليل .
فمن ذلك : قولهم ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ( البقرة : 80 ) .
وهذا محض افتراء وكذب ، لا دليل ولا برهان عليه ، وتزكية لأنفسهم ، وشهادة لها بالنجاة .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ( 1/ 79 ) :
يقول الله تعالى إخبارا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله ( قل اتخذتم عند الله عهدا ) أي : بذلك ؟! فإن كان قد وقع عهد ، فهو لا يخلف عهده ، ولكن هذا ما جرى ولا كان !! ولهذا أتى ” بأم ” التي بمعنى : بل ، أي : بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه .
روى مجاهد عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة ، فأنزل الله تعالى ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) .
وقال قتادة : ( إلا أياما معدودة ) يعني : الأيام التي عبدنا فيها العجل .
وروى الحافظ أبو بكر بن مردوية : عن أبي هريرة , قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم , شاة فيها سم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا ” فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” منم أبوكم ؟ ” قالوا : فلان , قال : ” كذبتم بل أبوكم فلان ” فقالوا : صدقت وبررت , ثم قال لهم : ” هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟! ” قالوا : نعم يا أبا القاسم , وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أهل النار ؟ ” فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها !! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اخسئوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ” … الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي بنحوه .
ومن دعاويهم وافتراءاتهم : قولهم ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ( البقرة : 111 ) .
فحكموا لأنفسهم وحدهم بالجنة دون غيرهم من خلق الله ، بمجرد الأماني والغرور ، وبلا حجة ولا برهان على صحة هذه الدعوى الباطلة ! العارية عن الدليل الصحيح من الشرع أو العقل ، بل هي من خدع الشيطان لهم وأباطيله .
ولهذا قال تعالى ( تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) قال أبو العالية : أماني تمنوها على الله بغير حق ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس وغيرهم .
ثم أخبر سبحانه عن واسع رحمته ، وعموم فضله ، فقال ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ) أي : بل الصحيح أن كل من أخلص العمل لله وحده لا شريك له ، وهو محسن فيه ، أي : متبع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهما شرطا قبول العمل ، ( فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي : قد ضمن الله سبحانه له أجره وثوابه ، وأمنه المحذور من عذابه وعقابه .
وما دام أنهم لم يسلموا ولم يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليسوا من أهل الجنة ، هذا ما تفيده الآية الكريمة .
ونحوها : قولهم ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) (المائدة : 18).
هذه أيضا من مقالات الباطلة ، فهم يرون أنفسهم أبناء الله وأحبابه ، وشعب الله المختار ، ولن يعاقبهم الله إلا بقدر ما يعاقب الوالد الرحيم أولاده المدللين !! يقسو عليهم ثم يرحمهم ويتغاضى عن سيئاتهم !!
فرد الله عليهم دعواهم بقوله ( قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أي : لو كنتم أحبابه ما عذبكم بذنوبكم ؟! لأن الله لا يعذب أحبابه وأوليائه ؟ تجري عليكم أحكامه الحكيمة العادلة ، فمن أتى بأسباب المغفرة غفر له ، ومن أتى بأسباب العذاب عذبه .
ومثلها قوله تعالى ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت عن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ) ( البقرة : 94 – 95 ).
فإنهم لما ادعوا أن الجنة خالصة وصافية لهم ، ومختصة بهم ، ليس لأحد حق فيها ، تحداهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يتمنوا الموت ! فإن من أيقن أنه من أهل الجنة ، اشتاق إليها ، وأحب أن يتعجل الوصول لها ، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا كما أخبر الله تعالى عنهم .
ومن افتراءاتهم التي سجلها القرآن : دعواهم إن الهدى والهداية إنما تكون باتباع ملتهم ، فمن لم يكن يهوديا فليس بمهتد ؟!
قال الله تعالى ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) ( البقرة : 135 ) .
جاء عن ابن عباس قال : قال عبدالله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد !! وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله عز وجل ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) – ابن كثير( 1/121)
فمعنى الآية : أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين اتبعوا طريقنا تهتدوا وتوافقوا الحق ؟! فرد الله تعالى عليهم بقوله ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) أي : ليس الهدى في اتباع ملتكم ، بل الحق في اتباع ملة إبراهيم عليه السلام ، وهي الحنيفية المائلة عن الشرك ، فاتبعوها أنتم كما اتبعناها نحن ، لتهتدوا حقا ، لأن ملتكم قد دخلها الشرك والكفر والتحريف .
ثم قال لهم ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق …) .
وهذه دعوة لهم إلى الهداية الحقيقية ، التي هي الإيمان بالله تعالى وبالقرآن الكريم الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين ، وعدم التفريق بين الأنبياء ، بالإيمان ببعضهم والكفر بالبعض الآخر !
فإذا فعلوا ذلك فقد أسلموا ، وأصابوا الهداية التي يريدوها الله منهم ، وإن أعرضوا فهم ضالون معاندون مستكبرون .