موضوع الساعة

آيات الله عز وجل في الريح

نشهد في هذه الأيام أحيانا الريح العاصفة ، , وما تثيره من الغبار ، ونرى أيضا فيما حولنا في الأخبار الأعاصير المدمرة أحيانا ، التي تدمر كل شئ بأمر ربها ، فالريح والأعاصير أهلكت العديد من الناس والبيوت في البلدان في أوربا ، وأمريكا ، والصين ، والهند ، واليابان وغيرها .
فكان من الضروري معرفة المسلم بالهدي النبوي الصحيح ، في التعامل مع نواميس الكون وقوانينه بمقتضى شرع الله عز وجل ، وبعلم وموضوعية تامة .

فعن أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ” لا تسبوا الريح ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا : اللهم إنا نسألك خير هذه الريح ، وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها ، وشر ما أمرت به “.  رواه الترمذي .
لا تسبوا الريح : أي : لا تشتموها ، لأنها مأمورة من قبل خالقها ومولاها ، ولا تجري بنفسها .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” الريح من روح الله ، تأتي بالرحمة ، وتأتي بالعذاب ، فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلوا الله خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها “.  رواه أبو داود .

فقوله صلى الله عليه وسلم ” من روح الله ” أي : من رحمته بعباده .
وقوله ” تأتي بالرحمة ” : أي بالغيث ، والراحة ، النسيم العليل المفيد لللأبدان والقلوب .
وقوله ” وتاتي بالعذاب ” : أي تأتي بإتلاف النبات والشجر ، وهلاك الماشية وهدم البناء .

ثم دل النبي صلى الله عليه وسلم أمته على التصرف الصحيح حين هبوبها ، فقال : ” فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلوا الله خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها ” أي : اسألوا الله تعالى من الخير الذي تأتني به ، وتعوذوا بالله من الشر المقدر في هبوبها .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صفت الريح قال: ” اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، أعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به “. رواه مسلم .

وفي الأحاديث النبوية الشريفة السابقة من الهدي العلمي النبوي ، ما يبين أن الريح فيها الخير ، وفيها الشر ، فمن خير الريح ، أنها لواقح للنبات وللسحاب ، حيث تنقل في النبات حبوب اللقاح من الأزهار المذكرة ، إلى الأزهار المؤنثة ، قال تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) (الحجر : 22 ) .

وأيضا الرياح لواقح للسحاب ، أي : تلقح السحاب كما يلقح الذكر الأنثى ، فينشأ عن ذلك الماء في السحاب ، فيسقيه الله تعالى للعباد وللأنعام والنبات ، فهي ملقحات للسحاب وللأشجار ، فسبحان الواحد القهار .

والرياح أيضا : هي التي تحمل السحاب المحمل بالأمطار ، وتسوقه من مكان إلى آخر ، وهذا يتسبب في نزول المطر ، وإحياء الأرض بعد موتها ، قال تعالى : ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور) ( فاطر : 9).

قال المفسرون فتثير سحابا : أي تحركه وتهيجه .

كما أن الرياح من البشرى التي يرسلها الله سبحانه وتعالى لعباده ، بين يدي الغيث والمطر ، فتهب مبشرة بقدومة ، قال تعالى : ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء  فأخرجنا به من كل الثمرات  كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ) ( الأعراف : 57).

وقال تعالى: ( أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) ( النمل : 63).

ومن الرياح النافعة : تلك الرياح التي تحرك السفن الشراعية في البحر ، ولولاها لركدت السفن في مكانها ، ولم يستفد منها الناس ، ولا أمكنهم الانتقال من بلد إلى بلد ، كما قال تعالى: ( من آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) (الشورى: 32 -33).

وفي الجانب الآخر فإن الرياح يمكن أن تكون سببا في العذاب والعقاب والتدمير . قال تعالى : ( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ) ( آل عمران : 117).

و( الصر)  أي : البرد الشديد ، أو السموم الحارة ، ولها صوت ، أصابت حرث قوم : أي زرعهم ( فأهلكته ) فضاع عليهم تعبهم وعناؤهم ، وفائدة زرعهم وثمرته ، بما قدمت أيديهم ، وهكذا تكون أعمالهم في الآخرة .

والمعلوم حسيا وعلميا أن الرياح شديدة البرودة والصقيع ، تؤدي إلى إتلاف النبات واحتراقه وهلاكه ، وكذلك الرياح الساخنة تفسد الزرع وتهلكه.

ولقد أهلك الله سبحانه وتعالى أقواما وأبادهم بالريح العاتية ، كما أهلك عادا بالريح المدمرة العاتية ، قال تعالى عنهم : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم إعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية) (الحاقة : 6-8) .
فكانت الريح تحمل الرجل منهم إلى عنان السماء ، ثم تلقيه على رأسه على الأرض فتشدخ رأسه ، فيبقى جسما بلا رأس ! كجذع النخلة الخاوي ! نعوذ  بالله العظيم من غضبه وعقابه .

وقال تعالى ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك القوم المجرمين ) ( الأحقاف : 24 – 25 ).

أي : لما رأوا السحاب الذي فيه العذاب قد أتاهم ستقبل أوديتهم ، اعتقدوا أنه عارض مطر ، ففرحوا واستبشروا ، وكانوا ممحلين محتاجين للمطر ، فقال تعالى ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) أي : هذا بما جنيتم به على أنفسكم بأعمالكم ، حيث قلتم ائتنا بعذاب الله ، إن كنت من الصادقين .
ثم قال تعالى ( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك القوم المجرمين ) أي : قد أبادهم الله عزوجل عن آخرهم ، فلم يبق إلا المساكن ، وهذا حكم الله تعالى فيمن خالف أمره وكذب رسله ، وهي سنته الباقية في خلقه التي لا تتغير ( فلن نجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) ( فاطر : 43) .

وقد أرسل الله تعالى الريح على الأحزاب ، من مشركي مكة وغيرهم ، الذين اجتمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم ، وحاصروا المدينة ، فأرسل الله عليهم ريح الصبا وهي الشرقية ، باردة شديدة الهبوب ، فقلعت خيامهم ، وأطفأت نيرانهم ، وكفأت قدورهم ، ورجعوا خائبين ، وهزمهم شر هزيمة ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) ( الأحزاب : 9 ) .
وقال سبحانه ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) ( الأحزاب : 25 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ” نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ” رواه البخاري في الاستسقاء ( 2/ 520 ) وكذا مسلم ( 2 / 617) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
والدبور هي الريح الغربية .

وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله  في صحيحه ( 1392 ) : – باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي حميد : … وانطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ستهب عليكم الليلة ريح شديدة ، فلا يقم فيها أحد  منكم ، فمن كان له بعير فليشد عقاله ” فهبت ريح شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طئ .
قال النووي : هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيب وخوف الضرر من القيام وقت الريح .
وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته ، والرحمة لهم ، والاعتناء بمصالحهم ، وتحذيرهم ما يضرهم في دين أو دنيا ، وإنما أمر بشد عقل الجمال لئلا ينفلت منها شيء ، فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه فيلحقه ضرر الريح ، وجبلا طيء مشهوران يقال لأحدهما : أجاء ، والآخر سلمى انتهى .

فاللهم أرسل علينا الريح الطيبة المباركة غير المهلكة ، وقنا بفضلك وعفوك وإحسانك شر ريح السموم والعذاب ، واجعلنا من عبادك الشاكرين الذاكرين ، الذين يقدرون نعمك حق قدرها ، يا سميع الدعاء .

والله سبحانه أعلم ،،،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين

زر الذهاب إلى الأعلى