صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 11 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :
14- لبس الحق بالباطل :
قال تعالى عن هذه الخصلة : { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } (البقرة : 42)
والآية وردت عطفا على تذكيرهم بنعم الله عليهم في قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } (البقرة:40) .
ثم جاء التحذير من الضلال ، في قوله تعالى :{ ولا تكونوا أول كافر به } (البقرة: 41) ثم التحذير من الإضلال ، في قوله تعالى : { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ) .
واللَّبس في اللغة : بفتح اللام : هو الخلط ، وهو من الفعل ( لَبَسَ ) بفتح الباء ، يقال: لَبَست عليه الأمر ألبسه : إذا خلطت حقه بباطله ، وواضحه بمشكله ، ومنه قوله تعالى : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } (الأنعام : 9) . ويقال : في الأمر لُبسة ، بضم اللام ، أي : اشتباه .
واللِّبس : بكسر اللام ، من الفعل ( لَبِسَ ) بكسر الباء : هو لبس الثوب ونحوه .
والحق : هو الأمر الثابت ؛ من حَقَّ الشيء ، إذا ثبت ووجب ، وهو ما تعترف به سائر النفوس ، بقطع النظر عن شهواتها .
والباطل : ضد الحق ، وهو الأمر المضمحل الزائل الضائع .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : قوله { ولا تلبسوا الحق بالباطل } أي : لا تخلطوا الحق بالباطل ، ولا تخلطوا الصدق بالكذب . وعن أبي العالية قال : لا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال قتادة : ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية ، وأنتم تعلمون دين الله الإسلام ، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من دين الله .
وروي عن الحسن البصري نحو ذلك .
فمعنى الآية : ولا تخلطوا أيها الأحبار على الناس في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند ربه من القرآن العظيم ، وتزعموا أنه مبعوث إلى العرب دون بقية الأمم ، وقد علمتم أنه مبعوث إلى الناس كافة ، بما فيهم أنتم ، أو تنافقوا في أمره ، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب ، والحق بالباطل ، وتكتموا ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته ، وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت عليكم في كتابكم الإيمان به ، وبما جاء به والتصديق بذلك .
فالمراد إذً ا: النهي عن كتم حجج الله ، التي أوجب عليهم تبليغها ، وأَخَذَ عليهم بيانها .
وقوله تعالى: { وأنتم تعلمون } جملة حالية ، وفيها دليل على أن كفرهم كان كفر عناد ، لا كفر جهل ، وذلك أغلظ للذنب ، وأوجب للعقوبة ؛ ثم إن التقييد بالعلم في الآية، لا يفيد جواز اللَّبْس والكتمان مع الجهل ؛ لأن الجاهل مطالب بالتعلم ، ومنهي عن البقاء على جهله ، وأن لا يُقْدِم على شيء حتى يعلم حكمه .
وعلى هذا ، فلَبْسُ الحق بالباطل ترويج للباطل ، وإظهار له في صورة الحق ! وهذا اللَّبْس والتلبيس هو أول التضليل ، وإليه المنتهى في الإضلال ؛ فإن أكثر أنواع الضلال الذي أدخل في الإسلام من قبل أهل الأهواء والبدع ، هو من قبيل لبس الحق بالباطل ، وتاريخ الإسلام خير شاهد على ذلك .
فيجب على المسلم أن يتفادى ما وقع فيه اليهود من الخلط واللبس للدين ، والكتمان للحق المبين .
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – : فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما ؛ كما قال عمر بن الخطاب : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة ، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية .
وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه ، فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها ، وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه من الجاهلية ، فإنها منسوبة إلى الجهل ، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل ، فمن لم يعرف سبيل المجرمين ، ولم تستبن له ، أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين ! كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة ، في باب الاعتقاد والعلم والعمل ، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل ، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم ، في سبيل المؤمنين ؟! ودعا إليها وكفر من خالفها ، واستحل منه ما حرمه الله ورسوله ؟! (الفوائد ص109 ) .
ومن لبس الحق بالباطل : أنواع التأويل الباطل لنصوص الوحيين ، فقد قال أهل السنة والجماعة : إن التأويل – الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره – لآيات القرآن الكريم ، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح ولا يجوز ، إلا إذا دلَّ عليه دليل قوي ، من قرآن أو سنة صحيحة ، أو لغة معروفة ، أو عرف جار ونحوها .
أما إذا وقع التأويل لما يُظن أو يُتوهم أنه دليل فهو تأويل باطل ، لا يُعرَّج إليه ، ولا يصح التعويل عليه ؛ إذ هو في حقيقته نوع من التحريف المحرم والتضليل . أما إذا وقع التأويل من غير دليل أصلاً !! فهو آكد في الحرمة ، وأوجب للمنع ، إذ هو نوع من أنواع التلاعب بالكلام ، والتكذيب والهزأ بآيات القرآن ، ولا يخفى ما فيه من الضلال .
فمن أمثلة التأويل بغير دليل : تأويل أهل البدع صفة الرحمة لله تعالى بالإحسان والإنعام !! ورضاه تعالى بالثواب ! واستواؤه على عرشه بالاستيلاء والقهر ! ويده سبحانه بنعمته ! ووجهه بذاته ! وهكذا تأويلات لهم باطلة ، تخالف ظواهر الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وما كان عليه سلف الأمة المباركين ، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، إذ لم ينقل عنهم حرف من ذلك .
وقد تقدم الكلام على هذا ، عند ذكر تحريفهم لكلام الله تعالى وكتبه ، وكلام رسله صلوات الله عليهم ، إما لفظا وإما معنى في ” صفة التحريف ” .
والأمر المهم الذي ينبغي التنبيه عليه هاهنا : أن الخطاب القرآني وإن كان متوجهًا في لفظه ونصه إلى بني إسرائيل ، إلا أنه في فحواه ومقصده خطاب عام يشمل الناس كافة ، والمؤمنين منهم على وجه أخص ، فهم أولى بالنهي عن خلط الحق بالباطل ، وهم أجدر بإظهار الحق وعدم كتمانه ، والله أعلم .
ومن صور اللبس والتضليل التي تقع في هذه الأمة ، نذكرها لنحذر من الوقوع فيها بأنفسنا ، ونحذر إخواننا المسلمين من الوقوع فيها ، والانخداع بها :
ا- ترك التحذير من البدع المحدثة ، والشركيات بأنواعها ، بدعوى الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية ، وعدم تفريقها ؟!
ب – المداهنة والسكوت عن المنكرات ، وضعف الولاء والبراء ، بحجة المداراة والتسامح ومصلحة الأمة ؟!
ج – الانفتاح على الدنيا والركون إليها ، بحجة التعفف عن الناس ، أو إنفاق المال في وجوه الخير ؟!
د – الاحتجاج بيسر الشريعة ثم ضغوط الواقع ، للتفلت من أحكام الشريعة والتحايل عليها ، وإتباع الهوى في الأخذ بالرخص والشذوذات الفقهية ، وكل هذا باطل وتلبيس وتضليل ، يتبناه أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات ، ويريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد !!
هـ – التشهير بالدعاة والمصلحين واغتيابهم بحجة النصيحة ، والتحذير من الأخطاء ؟!
ز – ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بدعوى خوف الابتلاء وتعريض النفس للفتن .
ح – التلبيس على الناس برفع لافتات إسلامية !! تخفي وراءها الكيد للدين وأهله ، من قبل أعداء الأمة من المنافقين والكفار .
وغيرها من أنواع التلبيسات التي تقع من قبل من أعرض عن التمسك بالوحيين واتباع السلف الصالح لهذه الأمة عقيدة وشريعة ومنهاجا .