أرشيف الفتاوى

الصلاة على الكرسي

السؤال :

ما حكم الصلاة على الكرسي ؟

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :

فالقيام في الصلاة ركن من أركان الصلاة ، فمن استطاع القيام وجب عليه ، ومن عجز عنه لمرضٍ أو كبر سنٍّ ، فله أن يجلس على الأرض أو على الكرسي .
وكذلك الركوع والسجود هما من أركان الصلاة ، فمن استطاع فعلها على هيئتها الشرعية وجب عليه ، وإلا أتى منهما بما يقدر عليه ولو إيماء .
قال تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ( البقرة : 238 ).

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، فقال : ” صَلِّ قَائما ، فَإِنْ لَم تسْتَطعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَم تَسْتَطعْ فَعَلَى جَنْبٍ ” . رواه البخاري ( 1066 ) .

قال الإمام النووي :
أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ، ولا إعادة عليه ، قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ” .
” المجموع ” ( 4 / 226 ) .

وقال ابن قدامة المقدسي :
أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام ، له أن يصلي جالساً .. ثم ذكر حديث عمران بن حصين السابق .
وقال : وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به ، أو تباطؤ برئه ، أو يشق عليه مشقة شديدة ، فله أن يصلي قاعدا ، ونحو هذا قال مالك وإسحاق ، .. قال : ولنا قول الله تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( الحج : 78 ) .
وتكليف القيام في هذه الحال حرج ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن ـ رواه البخاري ( 1/ 106 ، 177) وغيره ومسلم ( 1/ 308 ) – والظاهر أنه لم يعجز عن القيام بالكلية ، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه ، فكذلك تسقط عن غيره … ” المغني ” ( 2 / 570 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

” وَقَد اتَّفَقَ الْمُسلِمون عَلَى أَنَّ المصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعضِ واجِباتِهَا كالقيَامِ أَو الْقِرَاءَة أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجود ، أَو سَتر الْعورة ، أَو اسْتِقبال الْقِبلة أَو غير ذَلك سَقَطَ عنه ما عَجَزَ عنه ” انتهى من مجموع الفتاوى (8/437) .

وبناءً على ذلك : فإن من صلى الفريضة جالساً ، وهو قادر على القيام فصلاته باطلة .

ومما ينبغي التنبه له : أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام ، فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده ، إذا كان يقدر على الركوع والسجود .

وكذا إذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما ، فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي .

فالقاعدة في واجبات الصلاة : أن ما استطاع المصلي فعله ، وجب عليه فعله ، وما عجز عن فعله سقط عنه .

قال ابن قدامة المقدسي ( 2/ 572 ) :

ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود : لم يسقط عنه القيام ، ويصلي قائماً فيومئ بالركوع ، ثم يجلس فيومئ بالسجود ، وبهذا قال الشافعي . قال : ولنا قول الله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) ( البقرة : 238 ) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ك ” صل قائما ” لأن القيام ركن قَدَر عليه فلزمه الإتيان به …

لقول الله تعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” صل قائماً ) ؛ ولأن القيام ركن لمن قدر عليه ، فلزمه الإتيان به كالقراءة ، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه ، كما لو عجز عن القراءة .
انتهى من “المغني” (1/444) باختصار .

ومن صلى جالسا على الأرض ، أو على الكرسي ، عليه أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع ، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع ، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : الجبهة – وأشار إلى أنفه – واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ” رواه البخاري وغيره .

وأما عن مكان وضع الكرسي في الصف ، فقد قال العلماء رحمهم الله : إن العبرة فيمن صلى جالساً مساواة الصف بمقعدته ، فلا يتقدم أو يتأخر عن الصف بها ، لأنها الموضع الذي يستقر عليه البدن .
انظر : ” أسنى المطالب ” (1/222) ، ” تحفة المحتاج ” (2/157) ، ” شرح منتهى الإرادات ” (1/279) .

هذا إذا كان المصلي سيجلس على الكرسي من أول الصلاة إلى آخرها .

أما إن كان سيصلي قائماً ، غير أنه سيجلس على الكرسي وقت الركوع والسجود ، فإنه يحاذي الصف بقدمه عند قيامه ، ثم إذا ركع وسجد حاذاه بمقعدته إذا استطاع ذلك ولم يؤذ المصلين .

والله تعالى أعلم .

زر الذهاب إلى الأعلى