أرشيف الفتاوى

حكم السحر وتعاطيه وحد الساحر

السؤال : ما حكم السحر وتعاطيه والعمل به ؟ وما حد الساحر في الإسلام ؟

الجواب :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه
وبعد :

أما بالنسبة للسحر : فالسحر عمل شيطاني ، يتعاون فيه شياطين الجن مع إخوانهم من شياطين الإنس ؛ وهو عزائم ورقى ، منه ما يؤثر في القلوب والأبدان ، فيمرض ، ويقتل ، ويفرق بين المرء وزوجه ، ومنه ما دون ذلك .

والسحر له تأثير وحقيقة ، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى ، وكما هو مشاهد ومحسوس ،  قال تعالى : (  ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة : 102 .
ولهذا فقد أمرنا بالاستعاذة منه ، قال تعالى : ( ومن شر النفاثات في العقد ) الفلق : 4 ، والنفاثات : هن السواحر اللاتي ينفخن في العقد من الخيوط  ويسحرن .

ولا ينكر وجود السحر إلا جاهل ، أو معاند مكابر .

والسحر كفر لا يجوز تعلمه ولا العمل به ، والأدلة على ذلك  من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح كثيرة ، أما من القرآن الكريم  فمنها :

1-  قوله تعالى : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) البقرة : 102.

2-  وقوله تعالى : ( وما يعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) .

3-  وقوله تعالى : ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) البقرة :103 .

4- وقوله تعالى: ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا مكن الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) إلى قوله ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )  النساء : 51 – 52 .
روي عن عمر رضي الله عنه قال : الجبت : السحر ، والطاغوت الشيطان .

أما من الحديث النبوي :

5-  فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر …” الحديث متفق عليه .

والموبقات : أي المهلكات .

6- وعن عمران بن الحصين مرفوعاً : ” ليس منا من تطيَّر أو تُطير له ، أو تكهَّن ، أو تكهِّن له ، أو سَحَر أو سُحِر له ، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”. رواه الطبراني والبزار .

قال الحافظ ابن حجر رحمه لله : ” وقد استدل بهذه الآية – آية البقرة السابقة – على أن السحر كفر ومتعلمه كافر ، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها ، وهو التعبد للشياطين والكواكب ، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة ، فلا يكفر به من تعلمه أصلاً .

وقال النووي : ” عمل السحر حرام ، وهو من الكبائر الموبقات بالإجماع ، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ، ومنه ما يكون كفراً ، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة ، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر ، وإلا فلا ، وأما تعلمه وتعليمه فحرام ، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ، ولا يقتل ، فإن تاب قبلت توبته ، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عُزِّر ” .

أما حد الساحر : فقد ذهب الجمهور: أبو حنيفة ، ومالك ، ورواية عن أحمد إلى أن الساحر زنديق يقتل ولا يستتاب .

وعن أحمد : يستتاب ، فإن تاب قبلت توبته ، وبه قال الشافعي ، لأن ذنبه لا يزيد على الشرك ، والمشرك يستتاب وتقبل توبته ، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم .
وقال الشافعي : لا يقتل الساحر بمجرد السحر ، إلا إذا ثبت أنه قتل بسحره .

والراجح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب قتله إذا لم يتب ، وذلك :

1-  لِمَا أخرج البخاري في صحيحه : عن بجالـة قال : ” أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة “.
زاد عبد الرزاق في رواية بجالة : ”  فقتلنا ثلاث سواحـر “.

2-  وصح عن حفصة : أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها .
رواه عبد الرزاق ( 10/180 ) وابن أبي شيبة ( 9/416 ) وغيرهما .

3-  ولِمَا خرجه الترمذي في سننه مرفوعاً وموقوفاً ، والموقوف أصح : عن جندب رضي الله عنه قال : ” حد الساحر ضربة بالسيف “.

والراجح – والله أعلم – أنه لا فرق بين الساحر المسلم والمعاهد ، ولا يرد على ذلك عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للبيد بن الأعصم ، لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، أو لأنه خشي بقتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار ، وهو من جنس ما راعاه من ترك قتل بعض المنافقين .
والله تعالى أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 

زر الذهاب إلى الأعلى