الفرح المحمود والفرح المذموم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه . وبعد :
فالفرح منه ما هو مشروع وله سبب صحيح يصح الفرح به ، ومنه ما هو غير مشروع ومحرم ، وباعثه غير شرعي .
والإسلام يحرض أتباعه على أن يفرحوا بما يحمد من الأمور ، والأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ؛ ونهاهم جل وعلا عن أن يفرحوا بضد ذلك .
فالفرح يكون محموداً في مقابل نعمة التوفيق لطاعة من الطاعات ، أو قربة من القربات ، أو كفرحة المسلم بانتصار الاسلام ، أو ظهور ما يحبه الله على ما لا يحبه ، وكذا اندفاع الباطل بالحق فإذا هو زاهق ، قال تعالى : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (4-5) سورة الروم .
وللمسلمين أن يبتهجوا ويفرحوا ؛ إذا نالوا نعمة خالصة ، أو أمنية كريمة من الأماني المفيدة .
فمن الفرح المحمود : فرح الصائم بفطره ، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِه ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ” رواه الشيخان .
كما يفرح المؤمنون بإسلام عبد ، أو بتوبة عاصٍ ، أو بمن يرجع فيتمسك بدينه ، ويلحق بركاب الصالحين ، وينضم للطائفة الناجية المنصورة ، كما فرح الصحابة رضي الله عنهم بإسلام الفاروق عمر رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة .
وكما جاء في الحديث :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: ” كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة ، فدعوتها يوماً ، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، قلت: يا رسول الله ! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ؛ فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ” ، فخرجت مستبشراً بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جئت وصرت إلى الباب فإذا هو مجافى ، فسمعت أمي خجف قدمي فقالت : مكانك يا أبا هريرة ، وسمعت خضخضة الماء ، قال : فاغتسلت ولبست درعها ، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، قال : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح ، قلت : يا رسول الله ! أبشر قد استجاب الله دعوتك ، وهدى أم أبي هريرة ، فحمد الله وأثنى عليه ” الحديث .
* أما الفرح المذموم : فكالفرح بزخرف الدنيا ومتاعها الزائل ، أو الفرح بالعلو في الأرض بغير الحق ، والفرح بالمغصوب والمأخوذ بغير حق ، ونحوه مما لا يحل للعبد ، فهو مذموم بكتاب الله ، كما قال سبحانه : ( وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (26) سورة الرعد .
وقال تعالى ( ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ (75) سورة غافر.
والمسلمون إذا فرحوا واستبشروا ، فهم في الوقت نفسه لا يتعدون حدود الله ، ولا يتجاوزون المباح ، ولا يقعون في الكبائر والمحرمات ، فلا يبغون ولا يظلمون الناس بغير حق ، ولا يزيغون وينحرفون عن الصواب ، بل هم يعمرون فرحتهم بشكر ربهم وذكره ، الذي أتم عليهم نعمته ، ورزقهم من الطيبات ، وهيأ لهم كثيراً من أسباب الفرح والبهجة والسرور .
أما ما يحصل من بعض الناس اليوم في مواسم الأعياد والفرح ، من إيذاء للناس بالأقول أو الأعمال ، وفي الطرقات بسياراتهم بالمسيرات التي تعطل السير ، أو بأصوات التنبيه العالية ، أو بالاستعراضات الخطرة بالسيارات ، أو إيذاء المسلمين والعوائل بالمعاكسات ، والتحرش بهم بالقول والعمل ، فكله مما لا يحل ، قال تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما عظيما ) الأحزاب : 58 .
فأذية المسلمين عند الله عظيمة ، وإثمها كبير ، سواء كان الاعتداء على المال أو العرض بالسب أو القول الفاحش أو التحريض على الفجور ونحوها .
وهذا كله ليس من الفرح المحمود ، ولا من فرح المؤمن بشريعة ربه، وأمره ونهيه ، بل من الفرح المذموم ، والذي يولد الأشر والبطر والمعصية ، وهو نتاج الغفلة والخواء الروحي ، والواجب أن يضبط الانسان انفعالاته وسلوكه وخلقه ، فلا ينجرف وراء العواطف وغمرة الفرح فيقع في حفرة من النار والعياذ بالله تعالى .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ،،،
والحمد لله رب العالمين