بدعة عيد الأم !
استحب البعض ما ابتدعه الغرب وغيرهم ، من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم ؟ أي يحتفلون فيه بتكريم أمهاتهم ، واحتج أن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم ؟!
وفيما أورده في هذا العيد من ادعاء ، فيه غفلة عن ان ما أحدثه من البدع الواضحة ، والمخالفة الصريحة للنصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ، وما في ذلك من الإضرار بالشرع ، ومشابهة المشركين والكفار ، فأردنا بهذه الكلمة الوجيزة أن ننبه على ما في هذه البدعة ونحوها مما أحدثه أعداء الإسلام ، والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا جماله ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك لبس وفرقة .
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين : مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” متفق عليه .
وفي لفظ لمسلم ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” .
والمعنى : فهو مردود على ما أحدثه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : ” أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ” أخرجه مسلم .
وفي الحديث الصحيح : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” لتتبعن سَنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ” متفق عليه .
وقد وقع ما أخبر به نبينا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، من متابعة كثير من هذه الأمة – إلا من شاء الله منها – لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في عصرنا ، متابعتهم في كثير من أخلاقهم وأعمالهم وعاداتهم ، حتى عادت غربة الإسلام ، وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال منتشرا ظاهرا ، وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ، عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام ، من الشرائع الكاملة ، الأعمال الصالحة ، والأخلاق الكريمة ،فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ولا شك أن تخصيص يوم من أيام السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة ، من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ، ولا الأئمة المرضيون بعدهم ، فوجب تركه وتحذير الناس منه ، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله .
ومعلوم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والحث على برها والاحسان إليها كل وقت وحين ، وليس في يوم واحد من السنة ؟! فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها ، والإحسان إليها بكل الوجوه ، والسمع لها في المعروف كل وقت ، وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله تعالى منها ، والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله ، والسير في ركابهم ، واستحسان ما استحسنوه من البدع والشرائع التي لم ينزل الله بها من سلطان .
كما أننا ننبه إخواننا وأخواتنا : أن البر والإحسان ليس خاصا بالأم فقط ، بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا : الأب والأم ، وتكريمهما والإحسان إليهما بالقول والعمل ، بل وصلة جميع القرابات ، وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة ، وإن كان قد خص الأم بمزيد من العناية والبر ؛ لأن عنايتها بالولد أعظم من غيرها ، وما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر من الأب ، كما قال الله سبحانه ( وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14 .
وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء/23 .
وقال تعالى في الأرحام : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد/22 ، 23 .
وفي البخاري وغيره : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ” الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ” وكان متكئا فجلس فقال : ” ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ” .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك ثم الأقرب فالأقرب . رواه أحمد وأبوداود والترمذي .
وقال عليه الصلاة والسلام ” لا يدخل الجنة قاطع ” متفق عليه .
يعني : قاطع رحم .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم في الحث على صلة الأرحام أنه قال : ” من أحب أن يبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أجَله فليصل رحمه ” متفق عليه .
والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الأرحام ، وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة ، وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواها .
وهي تدل مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات ، وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات ، ومن الكبائر التي توجب النار ، وغضب الجبار ، نسأل الله العافية من ذلك .
وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب وأهل البدع ، من تخصيص الأم بالتكريم في يوم واحد من السنة فقط ؟ ثم إهمالها في بقية العام ؟!! مع الإعراض عن حق الأب وحقوق سائر الأقارب ؟؟!
نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا للفقه في الدين ، وأن يصلح أحوالهم ، ويهدي قادتهم ، وأن يوفق كتابنا لنشر محاسن ديننا ، والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه جماله ، وتنفر منه ، إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ، ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين .