المطلوب من الإعلام
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
فإن العمل في مجال الاعلام النافع ، من متطلبات أمتنا الملحة في هذا العصر الذي كثرت فيه وسائل الأعلام من مسموع ومكتوب ومرئي ، على اختلاف توجهاتها ، وتشعبت فيه طرق المعرفة ، وكثير منها ضار بالأفراد والأسر والمجتمعات والدول .
ولعل أهم ما يسعى الداعية المسلم ، والصحفي المتمسك بدينه ، والمذيع أو مقدم البرامج ، هو بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة ، المبني على عقيدة الإسلام الصحيحة ، ومبادئه وقيمه العظيمة ، وتكوين المجتمع الإسلامي المتماسك المتكافل .
ولو رجعنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة ، نجد أنه اعتمد على وسائل الدعوة المتاحة في عصره كلها تقريبا ، منها الاتصال الشخصي وهي أكثر وسائله ، إذ هي المتوافرة آنذاك بسهوله ، ولذلك كانت أولى الوسائل الإعلامية التي استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته ، وبناء المجتمع المسلم المتماسك والمتكافل ، خصوصا في المدينة النبوية .
وكان المسجد هو المنبر الإعلامي الأول ، إذ كان المسجد مصدر التوجيه الروحي والمادي للمسلمين ، فهو مكان العبادة ، فهو محل فريضة الصلاة وصفوفها ، ومدرسة العلم .
وقد استخدم المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم أيضا كدار للشورى ، ومقر للقيادة والحكم ، والدعوة والإرشاد والتوجيه ، واستقبال الوفود والضيوف ، وهذه كلها تعد من العملية الإعلامية ، والعلاقات العامة .
ومن تلك الوسائل التي اعتمدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته المباركة : بعث الرسل والرسائل إلى الأمراء والملوك ، وهذه عملية إعلامية واسعة النطاق ، وكذلك استقباله صلى الله عليه وسلم للرسل والوفود والبعثات من الرؤساء والأمراء ، وهي من مظاهر النشاط الإعلامي ، والاتصال الشخصي .
ونرى أن أهم أعمال الإعلام الإسلامي هي فيما يلي :
أولاً : ترسيخ العقيدة الإسلامية :
فأول ما يجب أن يقوم به الإعلام الهادف ، هو ترسيخ مبادىء العقيدة الاسلامية والتوحيد في نفوس المسلمين ، وبيان الأركان الأساسية للإيمان ، والتي تقوي الدافع الإيماني للأمة ، والذي يحمي من الوهن والضعف أمام مكر الأعداء الذين يتربصون بالأمة الدوائر ، ولهذا لا بد من صياغة هذا الإعلام كي يكون إعلاماً منضبطاً بحدود التوحيد ، يوضيح المفاهيم الصحيحة للإسلام الحق ، ويحذر من الشركيات والكفريات المحبطة للأعمال .
ثانياً : المساهمة في صبغ المجتمع الإسلامي بالصبغة الإسلامية :
وذلك بعرض الإسلام الكامل ، فهو دين شامل للدنيا والأخرة ، كل لا يتجزأ.. وبيان عقيدته وشرائعه وعباداته ، وآدابه وأخلاقه ، وأحوال الفرد فيه والمجتمع ، فالكل ينبغي أن تظله مظلة الإسلام ، وأن يصطبغ بصبغتها ، وشرح ذلك وبيانه وتوضيحه ، والتحذير من العقائد والعبادات والعادات الغريبة والشاذة ، هي مهمة الإعلام الإسلامي الهادف المفيد ، سواء المقرؤ منه أو المرئي أو المسموع .
ثالثاً : السعي إلى تحقيق وحدة الأمة الإسلامية :
فلا شك أن السعي في وحدة الأمة الإسلامية مشروع كبير وعظيم ، ويحتاج إلى مؤسسات وحكومات وجمعيات ، كي تستطيع أن تقوم به أو بجزء منه ، ولعل الإعلام الإسلامي الهادف يستطيع أن يساعد ويساهم في بناء هذا المشروع الضخم ، فتبين الآيات والأحاديث الداعية إلى الاجتماع ونبذ التفرق ، ويحذر من العصبيات والعنصريات ، والدعوات القومية والإقليمية المفتتة لأمة الإسلام الواحدة .
رابعا : الاهتمام بقضايا الأمة الراهنة :
وذلك بتنبيه الناس وتوجيههم نحو قضايا الأمة الكبرى ، والمتعلقة بمصيرها ووجودها وبقائها حية ، ومشاكلها الاجتماعية ، والاقتصادية والسياسية ، وترتيب أولوياتها ، بالبدء بالأهم فالمهم ، والبعد عن توافه الأمور وسفاسفها ، والإغراق في اللهو ، تحقيقاً للمصالح الشرعية الدينية والدنيوية للجميع ، بشكل مدروس وبناء وهادف ، هو وظيفة من وظائف الاعلام اليوم .
ويكون ذلك بالتركيز على إحياء العقيدة الإسلامية الصحية في نفوس المسلمين ، لان العقيدة هي الرابطة الأساسية التي تجمع الأمة وتوحدها ، ولم تفترق هذه الأمة إلا بعد أن تمكن الأعداء من عقيدتها ، فشوهوها وغيروها وبدلوها في نفوس المسلمين ، فحل الخصام والشقاق ، محل الألفة والمحبة ، وهذا ما حذرنا منه القرآن الكريم حيث يقول تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } آل عمران : 103 .
خامسا : التوجيه التربوي والتثقيفي :
فلا بد أن يكون الإعلام الإسلامي مؤسسة علمية وثقافية متكاملة ، تبني المسلم المتعلم والمثقف ، وتوسع قدراته الذهنية والعلمية والفنية وتطورها ، من خلال المادة الثقافية والعلمية المقدمة ، والحوار الموضوعي والتربوي المعروض ، وعبر التحقيقات واللقاءات الهادفة والبناءة ، التي تبني الوعي الديني الشرعي ، والاجتماعي والسياسي والاقتصادي .
سادساً : الاهتمام بالطاقات لدى الأمة المسلمة :
أي : الاهتمام بالقدرات البشرية ، والطاقات الشبابية ، والمواهب الفنية لدى القراء والكتاب والمشاهدين ، وتنميتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ، والاستفادة منها في مجال الدعوة والإعلام والإرشاد .
لأن الاهتمام بهذه الطاقات والقدرات البشرية والفنية عبر وسائل الإعلام والدعوة ، وتدريبها وتوجيهها ، تعين المجتمع المسلم على النهوض من الجهل والضلال ، والتخلف عن ركب الأمم ، وتساعده على النمو والتطور نحو الأفضل والأحسن ، والقوة والمجد والرفعة .
هذه مجمل الأهداف المرجوة من الإعلام المسلم .
نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأن يسدد خطانا ، ويهدينا لما يحب ويرضى ، إنه هو سميع الدعاء .
والله أعلم ،،،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه