حكم إعفاء اللحية
حكم إعفاء اللحية
السؤال :
ما حكم إعفاء اللحية في الشرع ؟
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد :
فقد دلت الأدلة الصحيحة من الكتاب العزيز ، والسنة النبوية المطهرة من الأحاديث الصحيحة الصريحة ، وفتاوى علماء الأمة قديما وحديثا ، على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها ، وحرمة حلقها ، وقد تأكد ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، فلم يصح عنهم أنه حلق لحيته .
وفي حلق اللحية أربع مخالفات للشرع كما قال أهل العلم :
أولها : مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وتركها وتكثيرها ،
وقد قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) .
وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : " خالفوا المشركين ، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب " .
ولهما عنه أيضا " أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى " .
وفي رواية " أنهكوا الشوارب ، وأعفوا اللحى " .
واللحية : اسم للشعر النابت على الخدين والذقن ، وإعفاء اللحية تركها على حالها ، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء .
قال ابن حجر : وفروا بتشديد الفاء من التوفير ، وهو الإبقاء ، أي اتركوها وافرة ، وإعفاء اللحية تركها على حالها .
ثانيها : التشبه بالكفار والمجوس ، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : " خالفوا المشركين ، وفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب " .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم ، فخالفوهم فاعفوا اللحى ، واحفوا الشوارب " رواه البزار بسند صحيح .
ولمسلم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المجوس لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب " .
ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار ، والنهي عن مشابهتهم في الجملة ؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل وفي نفس الاعتقادات ، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن . كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر .
وروى الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى " الحديث ، وفي لفظ : " من تشبه بقوم فهو منهم " رواه الإمام أحمد .
وَرَدَّ عمر بن الخطاب : شهادة من ينتف لحييه انتهى .
فياأيها المسلم : إن اللحى جمال الرجال ، وشعار المسلمين ، وتوفيرها من سنن الأنبياء والمرسلين ، وعباد الله الصالحين ، وحلقها شعار الكفار والمشركين ، وقد ميز الله بها بين الذكور والإناث ، وأكرم بها الرجال .
ثالثها : أن في حلقها تشبها بالنساء ، فمن تمام خلق الله تعالى ، أن ميز الله عز وجل الرجال عن النساء بها وبغيرها من الصفات الرجولية ، وهي من علامات الكمال ، وحلقها يعد ميلا للجنس الآخر .
ونتفها وحلقها أيضا فيه : تشبه بالمردان ، وهو من المنكرات الكبار .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء " رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجة .
وروى البخاري في الأدب والترمذي : عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء " .
رابعها : أن في حلقها تغييرا لخلق الله تعالى الذي خلقهم عليه ، وطاعة للشيطان في ذلك ، كما أخبر الله عنه في كتابه أنه قال ( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) النساء : 119 .
فأخبر الله عن سعيه في إضلال بني آدم وإفسادهم ، وتزيين الشرور لهم ، وأمرهم بتغيير خلق الله تعالى ، وهذا يشمل كل تغيير للخلقة الظاهرة ، من الوشم والوشر والنمص والتفليج ، وحلق اللحى وغير ذلك مما أغواهم به ، فغيروا به خلقة الرحمن ؟!
ويشمل أيضا تغيير الفطرة وهي التوحيد والإسلام الذي يولد عليه الناس جميعا
، ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .
أما أقوال العلماء في ذلك :
فقد حكى الإمام ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ، واستدل بجملة أحاديث : منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق ، وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " صححه الترمذي .
قال ابن مفلح في الفروع : وهذه الصيغة عند أصحابنا – يعني الحنابلة – تقتضي التحريم .
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد : " يحرم حلق اللحية …
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ، رواه مسلم عن جابر ، وفي رواية : " كثيف اللحية " ، وفي أخرى : " كث اللحية " ، والمعنى واحد ، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع .
والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم