صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 14 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :
17 – تحايلهم على استحلال محارم الله تعالى :
من أخلاق بني إسرائيل وأعمالهم القبيحة ، والتي وقعوا فيها بفسقهم وظلمهم لأنفسهم ، وبسبب شدة جشعهم ، وحرصهم على الشهوات وطمعهم ، وضعف تمسكهم بأوامر الله تعالى ورسله الكرام : التحايل على المحرمات ، والاعتداء على حدود الله عز وجل ، ظانين أنهم بذلك ينجون من المخالفة والحرام ؟! والعقوبة من الله عز وجل !!
ا – ومن صور تحايلهم الكثيرة : ما ذكره الله تعالى من قصة صيدهم للحيتان يوم السبت – المحرم عليهم العمل فيه – حيث احتالوا على ذلك ، بأن نصبوا الشباك لها أو حفروا لها الحفر لتقع فيها ، قبل يوم السبت ليجمعوها بعده ، وقيل : ألقوا عليها الشباك يوم السبت وأخذوها يوم الأحد !!
قال تعالى في بيان قصتهم : ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِم حِيتَانُهُم يَوْمَ سَبْتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِم كَذَلِكَ نَبلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنهُم لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَينَا الَّذِينَ يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) ( الأعراف : 165-163 ) .
ومعنى الآيات : سل يا محمد بني إسرائيل الذين بحضرتك عن أهل القرية منهم ، الذين كانوا بقرب البحر ، قيل هي بلدة : أيلة على شاطىء بحر القلزم ( البحر الأحمر ) وقيل غيرها ، فأراد الله سبحانه أن يختبرهم ، لينظر مدى تمسكهم بدينه وعهوده ، فابتلاهم بتكاثر الحيتان ببحرهم يوم السبت دون غيره من الأيام ، تتراءى لهم ظاهرة على وجه الماء ، سهلة الأخذ والاصطياد ، فإذا ذهب السبت اختفت ! فاحتالوا على المحرم بما ذكرنا .
قال تعالى ( كَذَلِكَ نَبلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) فبفسقهم ابتلاهم الله ، ووجبت عليهم المحنة ، فلو لم يفسقوا لعافاهم الله من ذلك الشر والبلاء .
ولقد نصحهم فريق منهم بألا يفعلوا ذلك ، لئلا ينزل بهم بأس الله تعالى الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، فلم يستمعوا لنصحهم ووعظهم .
وانتقد الدعاة طائفة أخرى على تكرار نصحهم لهم ، مع عدم استجابتهم ، فقالوا للناصحين ( لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَابًا شَدِيدًا ) كأنهم يقولون : لا فائدة من وعظهم ونصيحتهم .
فقال الواعظون ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) أي : نعظهم وننهاهم لنعذر عند الله تعالى ، فلا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر في قومنا .
( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : لا نيأس من هدايتهم بل لدينا الأمل ، فلعلهم يخافون الله فيتركون ما هم عليه من المعصية ، ويؤثر فيهم الوعظ .
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي : تناسوا ما ذكروا به ، واستمروا على غيهم واعتدائهم ( أَنجَينَا الَّذِينَ يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ ) وهي سنة الله الجارية في عباده ، أنه ينجي الآمرين بالمعروف من العذاب إذا نزل بالقوم الظالمين ، كما قال هنا ( وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) وهم الذين اعتدوا وتحايلوا ، عذبهم الله عز وجل عذابا شديدا ، ومسخهم قردة خاسئين ، عبرة للعاصين ، وذكرى للذاكرين ( إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) .
وفي سورة البقرة ، ذكر الله تعالى قصتهم باختصار بآيتين في قوله ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) ( البقرة : 65 – 66 ) .
وقوله ( نكالا ) أي : عبرة تنكل من اعتبر بها ، أي تمنعه من أن يفعل كفعله ( ما بين يديها وما خلفها ) أي : زاجرة رادعة لمن شاهدها ممن حضرها ، ولمن أتى بعدها .
وفي سورة النساء ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ) ( النساء : 47) .
وكذا في سورة النحل ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وغن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) ( النحل : 124) .
ب – ومن صور حيلهم القبيحة : تحايلهم على الشحوم لما حرمها الله عليهم ، كما قال سبحانه ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جريناهم ببغيهم وإنا لصادقون ) ( الأنعام : 147 ) .
ما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” قاتل الله اليهود ، لما حرم الله عليهم شحومها ، جملوها ثم باعوها فأكلوها ” أخرجه البخاري ( 2236 ، 4633) ومسلم ( 1581 ) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بلغ عمر رضي الله عنه أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله سمرة ! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها – أي أذابوها – فباعوها ” .
وفي رواية : ” وأكلوا أثمانها ” متفق عليه .
وفي رواية أبي داود ( 3488 ) : ” وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء ، حرم عليهم ثمنه ” .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في ” إغاثة اللهفان ” في كلامه عن الحيل المحرمة ( 1/ 582 ) :
ومن مكايده – أي الشيطان – التي كاد بها الإسلام وأهله : الحيل والمكر والخداع ، الذي يتضمن تحليل ما حرمه الله ؟ وإسقاط ما فرضه ؟ ومضادته في أمره ونهيه ؟ وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه .
فإن الرأي رأيان : رأي يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار ، وهو الذي اعتبره السلف , وعملوا به .
ورأي يخالف النصوص ، وتشهد له بالإبطال والإهدار ، فهو الذي ذموه وأنكروه.
وكذلك الحيل نوعان : نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى عنه ، والتخلص من الحرام , وتخليص الحق من الظالم المانع له ، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي ، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه .
ونوع يتضمن إسقاط الواجبات ، وتحليل المحرمات , وقلب المظلوم ظالما ، والظالم مظلوما ، الحق باطلا ، والباطل حقاً , فهذا النوع الذي اتفق السلف على ذمه , وصاحوا بأهله من أقطار الأرض .
قال الإمام أحمد رحمه الله : لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق مسلم .
ثم قال : ” إن الله سبحانه أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة ، لما احتالوا على إباحة ما حرمه الله تعالى عليهم من الصيد ، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة ، فلما وقع فيها الصيد أخذوه يوم الأحد .
قال بعض الأئمة : ففي هذا زجر عظيم لمن تعاطى الحيل على المناهي الشرعية , ممن يتلبس بعلم الفقه , وهو غير فقيه ، إذ الفقيه من يخشى الله تعالى بحفظ حدوده وتعظيم حرماته ، والوقوف عندها ، ليس المتحيل على إباحة محارمه ، وإسقاط فرائضه .
ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيبا لموسى عليه السلام وكفرا بالتوراة ، وإنما هو استحلال تأويل واحتيال ، ظاهره ظاهر الاتقاء ، وباطنه باطن الاعتداء ، ولهذا والله أعلم مسخوا قردة ، لأن صورة القرد فيها شبه من صورة الإنسان ، وفي بعض ما يذكر من أوصافه شبه منه ، وهو مخالف له في الحد والحقيقة ، فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته , مسخهم الله تعالى قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة ، جزاء وفاقا انتهى .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع فيما وقعت فيه اليهود ، باستحلال محارم الله تعالى بالحيل المحرمة ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ” رواه أبو عبدالله بن بطة – انظر الإرواء (1535 ) .