صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 15 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :
13 – أكلهم أموال الناس بالباطل :
فمن صفاتهم المتأصلة فيهم : الإكثار من أكل أموال الناس بغير حق ، بالربا تارات كثيرة ، فاليهود سادة العالم في ذلك ، وأغلب البنوك الربوية ترجع ملكيتها لهم ، وكذا أكلهم أموال الناس بالاحتيال والخداع والميسر بشتى صوره ، قال تعالى : ( وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( المائدة : 62) .
وهذا في معرض تعداد معايبهم ، يقول تعالى : أنك ترى كثيرا منهم ليس فقط يقعون في الذنوب ، بل ( يسارعون ) أي : يبادرون إلى الوقوع في الآثام والمعاصي ، والعدوان على المخلوقين ، ( وأكلهم السحت ) وهو الحرام بشتى صوره وأشكاله ( لبئس ما كانوا يعملون ) أي : لبئس العمل كان عملهم ، وبئس الاعتداء كان اعتداؤهم .
ثم قال سبحانه ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) ( المائدة : 63 ) .
أي : هلا كان ينهاهم علماؤهم وأحبارهم ، عن هذه الأفعال المنكرة ، أي : أنهم تركوا أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر .
وقال تعالى أيضا في أكلهم للربا : ( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) ( النساء : 161 ) .
أي : أنهم أكلوا الربا مع علمهم بحرمته ، ونهي رسلهم لهم عنه ، لكن احتالوا عليه بأنواع الحيل والشبه .
وقال تعالى عنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( التوبة : 34 ) .
فيخبر الله تعالى أن كثيرا من الأحبار وهم علماء اليهود ، والرهبان وهم عباد النصارى ، والمقصود علماء السوء ، وعباد الضلال ، أنهم يأكلون الدنيا بالدين ، والمناصب والرياسة الدينية في الناس ، يأكلون بذلك أموالهم ، بما يفرضونه عليهم من أنواع الخراج ، والرشاوى المحرمة في سبيل التخفيف والمسامحة في الشرائع والفتاوى ، والأتاوات والضرائب ، التي تجبى إليهم بغير حق .
وهم مع أكلهم الحرام ، يصدون عن سبيل الله تعالى ، وعن اتباع الحق ، ويلبسون الحق بالباطل .
قال الحافظ ابن كثير : ” والمقصود : التحذير من علماء السوء ، وعباد الضلال ، كما قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى .
وفي الحديث الصحيح : ” لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ” قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : ” فمن ” وفي رواية : فارس والروم ؟ قال : ” فمن الناس إلا هؤلاء ؟ ” والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم ” انتهى .
وفي المسند ( 5 / 257 ) : عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : ” يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ” ثلاثا ، قال قلت : إني على دين ، قال : ” أنا أعلم بدينك منك ” فقلت : أنت أعلم بديني مني ؟! قال : ” ألست من الركوسية ؟ وأنت تأكل مرباع قومك ؟! – والمرباع : ربع مال الرعية – قلت : بلى . قال : ” فإن هذا لا يحل لك في دينك ! ” قال : فلم يَعْـُد أن قالها ، فتواضعت لها … الحديث ، وبعضه عند الإمام البخاري ( 3595 ) وغيره .
وهكذا صار الأمر في بعض أصحاب الأهواء والضلال ، من رؤساء الفرق التي تنتسب للإسلام ، بما يأخذونه من أتباعهم باسم النذور تارة ، وباسم الخمس تارة ، وغيرها من المسميات الباطلة ؟!
والذي دفعهم إلى هذا هو حب الأموال العاجلة ، وإيثارها على الدار الآخرة .
قال ابن كثير : ولهذا قال تعالى ( ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ) وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ، ومناصبهم ورياستهم في الناس ، يأكلون أموالهم بذلك ، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم ، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم ، طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات ، فأطفأها الله بنور النبوة ، وسلبهم إياها ، وعوضهم الذل الصغار ! وباؤوا بغضب من الله تعالى ! انتهى .
وكذلك تناسيهم وعيد الله تعالى فيمن كنز الأموال ، ولذلك قال تعالى بعدها (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) ( التوبة : 34 – 35 ) .
14 – صدهم عن سبيل الله تعالى :
وهي صفة متأصلة ومستمرة فيهم ، ومن مسالكهم الباقية فيهم إلى يومنا هذا ، وهي صدهم الناس عن سبيل الله تعالى ، ومنعهم إياهم من الوصول للهداية ، وثنيهم عن اتباع الحق المبين ، ومحاولة رد المسلمين عن دينهم بأنواع الحيل ، وصنوف الخداع والتلبيس .
قال تعالى ( قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون ) ( آل عمران : 99 ) .
وهذا تعنيف من الله سبحانه لهم ، على كفرهم وعنادهم وصدهم عن سبيل الله من أراده من أهل الإيمان ، بكل جهدهم وطاقتهم ، مع علمهم بأنه حق من الله تعالى بما علموه من كتبهم ، وما بشرتهم به أنبيائهم .
والله شاهد على أعمالهم وصدهم الناس عن الهداية والحق ، وعلى سائر أعمالهم وأقوالهم ، وسيجازيهم على ذلك .
ثم قال تعالى محذرا عباده من كيدهم ومكرهم : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) ( آل عمران : 100) .
وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وحسدهم للمؤمنين ، كما قال سبحانه ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ( البقرة : 109 ) .
* وقال تعالى أيضا فيهم ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) ( النساء : 160 ) .
أي : بسبب ظلم عظيم منهم – والتنوين للتفخيم – وهو جامع لما ارتكبوه من أنواع الآثام ، حرم الله تعالى عليهم بعض الطيبات ، ثم بسبب صدهم عن سبيل الله الذي لا أوضح منه ، ولا أعظم ( كثيرا ) أي : ناسا كثيرا ، أو صدا كثيرا ، إذ أنهم صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن الحق .
* ومن مكرهم بأهل الإسلام لردهم عن دينهم ، ما ذكره الله تعالى بقوله عنهم ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) ( آل عمران : 71 ) .
وهي حيلة ماكرة خبيثة ، لبث الخلل في صفوف المسلمين ، وإشاعة الاضطراب ، وهي أن يؤمنوا أول النهار، أي : يدخلوا في الإسلام ظاهرا ، ليحسن الناس بهم الظن ، حتى إذا اطمأنوا إليهم ، رجعوا إلى يهوديتهم ، وكفروا بالإسلام ، ليوهموا حديثي العهد بالإسلام أو ضعاف الإيمان أنهم يبحثون عن الحقيقة ؟! وأنهم وجدوا الإسلام دينا باطلا ؟! وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس هو النبي المرتقب ؟! وأنه كاذب فيما يدعيه ؟! وقد اطلعوا على بواطنه وخوافيه ؟! .
وهذه الحيلة الشيطانية سلكها الدهاة منهم من أجل الصد عن سبيل الله تعالى ، وصرف الناس عن الإسلام ، وإيقاع الشك والريبة في قلوب الخلق ، كما قال تعالى ( لعلهم يرجعون ) .
ولا يزالون على هذه الصفة الخبيثة الماكرة ، على مر التاريخ والأيام ، يحيكون المؤامرات تلو المؤامرات ، لكيد هذه الأمة المسلمة العظيمة ، بأنواع المكائد ، في الدعوة والسياسة وغيرها ، لإشاعة الخلل والاضطراب في صفوف المسلمين وغيرهم .