أرشيف الفتاوى

اجتماع العيد والجمعة

اجتماع العيد والجمعة 

السؤال :
هل يمكن أن يترك حضور الجمعة لمن صلى العيد ؟

الجواب :
 
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :

أولا : إتفق أهل العلم على إستحباب حضور العيد والجمعة جميعا .
لكن اختلفوا فيمن حضر العيد ، هل يُرخّص له في ترك الجمعة أم لا ؟

على أقوال :

القول الأول : الرخصة لأهل البر والبوادي في ترك الجمعة ، ويصلونها ظهرًا .

وهو قول الشافعي، ورواية عن مالك .

قال الشافعي: "وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلّى الإمام حين تحلّ الصلاة ، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاؤوا إلى أهليهم ، ولا يعودون إلى الجمعة ".

وقال: " ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة ، وإن كان يوم عيد " .

القول الثاني : أنّ الجمعة واجبة على كل من صلى العيد .

وهو قول أبي حنيفة ، ورواية عن مالك ، واختيار ابن حزم ، وابن المنذر، وابن عبد البر  .

قال أبو حنيفة: "عيدان اجتمعا في يوم واحد ، فالأول سنة ، والآخر فريضة ، ولا يترك واحد منهما " . 

القول الثالث : أنّ من شهد العيد سقطت عنه فرضية الجمعة ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، وأما من لم يشهد العيد فهي واجبة عليه .

وهو مذهب الحنابلة ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .

قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن عيدين اجتمعا في يوم يترك أحدهما ؟ قال : لا بأس به، أرجو أن يجزئه .

* أما أدلة أصحاب القول الأول :
وهو القول بالرخصة لأهل البر والبوادي في ترك الجمعة ، ويصلونها ظهرًا .
 فقد استدلوا بأدلة منها :

1- بما روي عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان ، وكان ذلك يوم الجمعة ، فصلى قبل الخطبة ، ثم خطب فقال : " أيها الناس ، إنّ هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان ، فمن أحبّ أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر ، ومن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له " .

* أما أدلة القول الثاني :
وهو أنّ الجمعة واجبة على كل من صلى العيد .
فقد استدلوا بأدلة منها :

1- قوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾ سورة الجمعة .
ولم يخص عيدًا من غيره ، فوجب أن يحمل على العموم .

2- قالوا : ليس للإمام أن يأذن لأحد في ترك الفريضة ، وفعل عثمان اجتهاد منه ؟! وإنّما ذلك بحسب العذر، فمتى أسقطها العذر عنه سقطت .  

ولا يخفى أن عمل عثمان رضي الله عنه إنما كان بالأحاديث الآتي ذكرها ، وهي حجة في المسالة .

* أدلة القول الثالث :

وهو أنّ من شهد العيد سقطت عنه فرضية الجمعة .

فقد استدلوا بأدلة منها :

1- حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه عن الجمعة، وإنّا مجمعون " رواه أبوداود وهو صحيح .

2- ما جاء عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية مع أبي سليمان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع ؟ قال: صلى للعيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل " رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وقال النووي في (المجموع): إسناده جيد ، وصححه الألباني .

3- حديث ابن عمر قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بالناس، ثم قال: " من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف " رواه ابن ماجة وهو صحيح .

والترجيح :

أن أولى الأقوال هو القول الثالث الذي اختاره الإمام أحمد وشيخ الاسلام ابن تيمية وغيرهما ؛ لأنّ الأحاديث التي في الباب صريحة وصحيحة ، وتدل على أن من شهد العيد فإن الجمعة تكون في حقه مستحبة .

وأما الإمام فإنه يصليهما جميعا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وإنا مجمعون " .

والقول بالرخصة فيه توسعة ، لا سيما لأهل البوادي كما في أثر عثمان ، لأن حضورهم إلى المصر  للجمعة مرة أخرى فيه مشقة عليهم وتضييق ، ويتنافى مع الترخيص لهم ورفع الحرج عنهم ، وحبسهم في البلد إلى وقت الجمعة يتنافى مع مقاصد العيد من إشاعة البهجة والسرور .

والله تعالى أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى