صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 16 )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :
13- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
وقد كانت هذه الصفة سبباً لتفشي المنكرات ، وارتكاب المحظورات ، وشيوع الفواحش والشرور ، وعموم الفساد بين اليهود .
وقد ذمهم الله سبحانه على هذه الخصلة في مواضع من كتابه الكريم ، فقال تعالى ( وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) ( المائدة : 62- 63 ) .
أي : ترى كثيرا منهم يحرصون على الذنوب والمعاصي ، ويبادرون إلى الآثام ، والعدوان على عباد الله تعالى ، وأكلهم الحرام من أموالهم من الربا والرشوة وغيرها ، ومع ذلك ما نهاهم علمائهم عن تلك المحرمات والمنكرات ، ليزول عنهم الجهل ، وترتفع عنهم الغفلة ، وتقوم عليهم الحجة ، فإن هذا واجب أهل العلم والحكمة ، والدعاة إلى الحق ، في زمان ومكان ، وعلى كل أمة ، بل سكتوا عن ذلك ، وتقاعسوا عن واجبهم ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فعاقبهم الله تعالى ، وذمهم في كتابه الكريم .
وقال تعالى أيضا في موضع آخر : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) { المائدة : 78- 79 }.
قال ابن كثير : يخبر الله تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل ، فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام وعلى لسان عيسى بن مريم بسبب عصيانهم لله ، واعتدائهم على خلقه ، قال العوفي عن ابن عباس : لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان .
ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال تعالى ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) أي : كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك لـُُيحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوه ، فقال ( لبئس ما كانوا يفعلون ) انتهى .
وهذا الذم المتوجه لهم والمؤكد بلام القسم ، المحذر من ذنبهم ، فيه تعجب أيضا من سوء فعلهم ، وكيف أدى بهم إلى الوقوع في اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى .
وقد وردت أحاديث كثيرة تحذر من هذه الخصلة ، فمنها ما رواه الإمام أحمد ( 5 / 388 ) والترمذي في الفتن ( 2273 ) : عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ” .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ( المائدة : 105 ) . فتضعونها في غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ” . رواه الترمذي ( 2271 ) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ” رواه مسلم .
فالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، سبيل النبيين والمرسلين ، واتباعهم من الصالحين المصلحين ، والمرشدين الصادقين ، وبسببه صارت هذه الأمة خير الأمم ، كما قال سبحانه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ( آل عمران : 110 ).
وأمر الله تعالى بهذه الفريضة عباده المسلمين ، فقال ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( آل عمران : 104 ) .
وهي أيضا من واجبات من ولاه الله أمر الأمة ، من الولاة والحكام ، كما قال تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) ( الحج : 41 ) .
بما لديهم من القوة التي يستطيعون بها إقامة الواجبات ، ومنع المحرمات ، وردع المتجاوزين والمعتدين ، بإقامة الحدود والعقوبات الشرعية على العصاة والمجرمين .
14– حبهم وحرصهم على الحياة وجبنهم :
ومن قبائحهم في زمان ومكان : صفة التهالك على الدنيا ، والحرص على الحياة ، مهما كان هذه الحياة سيئة أو ذليلة ، أو غير شريفة ، وقد أدى بهم ذلك إلى الجبن الهالع ، والنكوص عن الجهاد في سبيل الله ، ونصرة الحق .
قال الله في ذلك ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هم بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) ( البقرة : 96 ) .
ومعنى الآية الكريمة : ولتجدن يا رسول الله هؤلاء اليهود ، الذين يزعمون أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس ، وهذا مما يكذب دعواهم هذه ؟! لتجدنهم أشد الناس حرصا على الحياة ، وأشدهم كراهية للموت ، من دون استثناء ، أي : الناس جميعا ، حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور ؟ ولو كانت تلك الحياة حياة بؤس وشقاء ، لا راحة فيها ولا طمأنينة ، كما يفيده التنكير في قوله سبحانه ( حياة ) أي بصرف النظر عن العزة والكرامة .
ويقال : إن في أمثالهم : الحياة وكفى !
وكثيرا ما نقل المجاهدون العرب ، كيف كان جنود اليهود يربطهم قادتهم بالسلاسل داخل دباباتهم كي لا يهربوا منها أثناء حروبهم !
وهم في حرصهم يتمنون أن تطول أعمارهم دهورا طويلة ، لا يصل إليها خيال أحد ؟! كما قال سبحانه ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) .
ثم بين تعالى أنهم لو عمروا كما تمنوا ، فإنه لن ينجيهم من عذاب الله تعالى وعقوبته ، لأن الموت مدركهم لا محالة ، فقال ( وما هم بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) أي : لا ينجيه عنه ولو طال عمره ، فلا أثر له . وقوله (والله بصير بما يعملون ) تهديد لهم ووعيد ، أنه سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون .
وكذا ما جاء في قصتهم مع موسى عليه الصلاة والسلام ، لما أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، فقال لهم ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )
( المائدة : 21 – 22 ) .
فقوله (التي كتب الله لكم ) أي : قسم لكم سكناها ، ووعدكم بها ، إن أنتم آمنتم به واتبعتم رسله ، وجاهدتم في سبيله .
أو كتب ههنا بمعنى : فرض عليكم دخولها ، وأمركم بها ، كما كتب عليكم الصلاة والزكاة .
وقوله (ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) أي : فحذرهم من التقاعس والجبن فقال لهم : لا ترجعوا عما أمركم الله تعالى به ، ولا ترتدوا عن الهداية وتجبنوا عن القتال في سبيل الله ، فإن ذلك يؤدي بكم إلى الخسار في الدنيا والآخرة ، وحرمانكم خيرات الأرض التي كتبت لكم .
لكنهم أبوا الانقياد لله ، والسمع والطاعة لرسول الله ، وأصروا على تضييع فريضة الجهاد ، وتعللوا بأن فيها قوما أولو قوة ، وأولو بأس شديد ، ولا قدرة لنا بحربهم .
ثم بين القرآن الكريم بعد ذلك أن رجلين منهم وصفا بأنهما من المتقين لله ، قد أنكرا عليهم تقاعسهم عن الجهاد ، وبشروهم بالنصر إن هم قاموا بما أمرهم الله تعالى به ، وتوكلوا على الله ربهم ، فقال سبحانه ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .
لكن هذه النصيحة لم تجد لدى بني إسرائيل أذانا صاغية ، ولا قلوبا واعية ، بل قابلوها بالإعراض ، والإصرار والعناد ، وكرروا رفضهم لدخول الأرض المقدسة ما دام الجبارون فيها ، وقالوا لموسى عليه السلام بكل وقاحة وجبن ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) (المائدة : 24 ) .
أي : لن ندخل هذه الأرض طول حياتنا ، ما داموا هؤلاء الأقوياء المتغلبين الذين لا قدرة لنا على قتالهم ، ساكنين فيها ؟
وهذه الآيات تصور لنا ما هم عليه من جبن شديد ، وخور وضعف ، وتعلق بالحياة ، وعصيان لرسل الله تعالى ، وإيثار للراحة والدعة والكسل ، على العزة والجهاد ؟!
حتى أنهم اخترعوا في زماننا هذا ، ما يسمى بالمستوطنات ، وهي قرى خاصة بهم ، لا يشاركهم فيها السكنى أحد من خلق الله ؟! والمحصنة والمحمية بالقوة العسكرية ، ثم اخترعوا الجدار الفاصل بينهم وبين المسلمين في فلسطين ؟! لئلا يدخل إليهم أحد ؟!
فوقع عليهم قول الحق سبحانه وتعالى ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ) ( الحشر : 14 ) .
أي : لا ثبات لهم ولا عزيمة لهم على القتال ، إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار ، معتمدين عليها ، لا على أنفسهم ، أي : بغير مواجهة ولا مقابلة .