أرشيف الفتاوى

ضوابط الإعلانات التجارية

ضوابط الإعلانات التجارية
 

السؤال :

ممَّا لا يخفى أهمية الإعلام التجاري في عصرنا الحالي ، وقد أصبح في عصرنا الحالي وسيلةً أساسيةً للتعريف بالسِّلع والبضائع والخدمات ، والسؤال الذي يفرض نفسه : ما هي ضوابط الإعلانات التجارية ؟
وما حكم تصميم الإعلانات لمختلف السلع التجارية وما تحويه أحيانا من صور للنساء وغيرها ؟ّ!
وكذا عرض اللوحات الإعلانية في مختلف الصحف والأماكن والطرقات وغيرها وأخذ الأجرة على ذلك ؟
أفيدونا جزاكم الله خيرًا .

الجـواب :

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين .
أمّا بعد :

فالإعلاناتُ التجاريةً في الصحف أو في غيرَها ، تدخل في قسم المعاملات والعادات ، والأصل فيها الإباحة والجواز ، ما لم يقترن بها محظورٌ شرعيٌّ ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، أي ما لم ينقل هذا الحكمَ إلى المنع والتحريم شيء .

ويمكن أن يحافظ الإعلان الإشهاري على حكم الإباحة والحِلِّ ، إذا ما انضبط بجُملةٍ من الشروط ، نجملها على الوجه التالي ، وهي مستفادة من كلام أهل العلم :

الأول : أن يكون الإعلان مباحًا في حَدِّ ذاته ، خاليًا من المخالفات الشرعية ، فلا تجوز الدِّعايات التي تُنافي الأحكام الشرعيةَ ، أو الأخلاق والقِيَمَ الإسلاميةَ وآدابَها ، كتصميم الإعلانات التي تحتوي على الصور المثيرة للغرائز ، والمهيجة للشهوات ، كعرض جسد المرأة أو بعضه ، ونحوها من الصور العُارية ، أو صور المتبرجات ؟!

وكذلك لا يحل الدعاية للأفلام الماجنة والمثيرة ، أو الأقوال الفاحشة والبذيئة .
وكذا يحرم نشر الكلام المثير للفتنة بين الناس ، أو السب والقذف ، أو إثارة العداوات والبغضاء ، ونحو ذلك مما هو محرم ، قال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يُصلح لكم أعمالكم ويَغفر لكم ذنوبكم ومَن يُطع الله ورسوله فقد فازَ فوزا عظيما ) الأحزاب : 70 – 71.
فالقول السديد : هو الموافق للحق والصواب ، من ذكر الله تعالى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتعليم الناس الخير ونحوه .

الثاني : أن يكون الإعلان للشيء مباحٌ أصلا ، فلا يجوز الدعاية لكتب الكفر والإلحاد والبدع والضلال مثلا ، أو كتب السحر والشعوذة ، والأفكار المنحرفة ، أو كتب أهل الفساد والفجور .
وكذلك لا يجوز الترويج والدعاية للخمر ولا المخدِّرات ولا الدخان وغيرها ، ولا الحفلات المنكرة ، ولا للنوادي الليلية ، ولا لنوادي القِمار والميسر والرهان ، سواء كان رياضيًّا أو غيرَ رياضي ، ولا بطاقات اليانصيب ، بل يجب تجنُّبَها والتحذير منها ، وتجنب الدعاية لها .
لأنَّ كُلَّ وسيلةٍ حرمها الشرعُ وأبطلها وذمَّها ، لشرها وضررها وفسادها ، وإفسادها للدِّين أو الخُلق ، فهي محرَّمة ، والتعاون عليها محرَّمٌ أيضا ، بنصِّ قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ واتقوا إن الله شديد العقاب ) [ المائدة : 2 ] .

الثالث : أن يتحرَّى المعلِنُ الصدقَ والأمانةَ في عرض السلع والمنتوجات ومواصفاتها المختلفة ، أو الخدمات التي يقدّمها ، فلا يصوِّر الأمر على غير حقيقته ، بالكذب أو إخفاء العيوب والتدليس ، أو بالمبالغة في حجم السلعة المراد تصميم إعلانها ، ونشرها كذلك في الصحف أو المجلات ، أو تضخيم محاسنها للمستهلك أو الزبون .

فالواجب على المسلم أن يتحرى الصدق والأمانة ، في كل أقواله وأفعاله ، فإن التحلِّي بالصدق سبب للبركة ، وأما الكذب وكتمان العيوب ، فإنه عِلة الكساد للسّلع ، وسبب المَحْقِ للبركات ، كما قال نبينا صَلَّى اللهُ عليه وسَلم : " المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا ، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيعِهمَا ، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا ، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " متفق عليه .

الرابع : كذلك لا يجوز إشاعةُ إعلان يقوم أصلا على الغِشٌّ والخِداع ، أو التهويل والمكرٌ والتزوير ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم : " مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " رواه مسلم .
وقال أيضا : " مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا ، وَالمَكرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ " رواه الطبراني وصححه ابن حبان .

وإذا كان بالسلعة عيبٌ أو نقص ، فإنه يجب بيانه للمشتري ، ولا يحل كتمانه ، لأنه خلاف النصح للمسلم ، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : " المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، وَلاَ يَحِلُّ لمِسُلْمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا ، فِيهِ عَيْبٌ ، أَلاَ بَيِّنَهُ له " رواه أحمد ( 4/157 ) وابن ماجة ( 2246) .

الخامس : أن لا يضر بإعلانه غيره من التجار ، أو يتعرّض لمنتوجاتهم وسلعهم بالتحقير ، أوالتهوين لأوصافها ، والذمِّ لها ، من أجل تحقيق مصالحه وربحه ، على حساب مصالح غيره من التجار ؟؟!
لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : " لا ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار " رواه أبوداود .

ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ، مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه .

السادس : أن يتجنب الخداع والتغرير بالمستهلكين ، وذلك باستغلال التشابه في الاسم التجاري ، أو في العلامة التجارية ، سواء وقع التشابه في التسمية موافقة ، أو تعمده بسوء نيته وتدليسه ، يبتغي بذلك إيهام المستهلكين والزبائن بأنها هي البضائع المشهورة في الأسواق ؟! أو المماثلة لها في الجودة والإتقان ، ليقع المستهلك فريسة التضليل والإيهام ؟!
فهذا كله مخالف للصدق والبيان كما تقدم ، ومخالف لقوله صَلى اللهُ عليه وسَلم : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : " للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رواه مسلم .

السابع : أن يحرص على شروط عقد االبيع أو الإجارة عند الإعلان عنها ، ومنها :
الإعلام بثمن السلعة ، وعددها أو وزنها ، وموعد تسليمها .
أو بيان مكان الإجارة ، ومُدَّتها بين المتعاقدين .
وأن يكون محلّ الإجارة منتفعًا به ، ومقدورا على تسليمه .
وخلو العقد من الجهالة والغرر .
ونحو ذلك من المحاذير .

هذه تقريبا ضوابط الإعلان التجاري ، والتي بها يحصل المحافظة على سلامة المجتمع المسلم من المخالفات للشرع المطهر ، والبقاء على ما يحب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عليه وسلم من الاستقامة ، والعمل الصالح ، وسلامة صدور المسلمين من حصول ما يثير العداوات والبغضاء والشحناء .

والله تعالى أعلى وأعلم ،،،

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى