نظرة شرعية في الربيع العربي ؟!
نظرة شرعية في الربيع العربي ؟!
نظرة شرعية في الربيع العربي ؟!
السؤال :
ما هو الحكم الشرعي لما يسمى بالربيع ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وبعد :
كان الناس يفرحون بقدوم الربيع فتتبدّل الصحراء لتلبس أجمل حلتها وتخضرّ الارض ، ويغرد الطير ، ويظهر الزهر ، ويعتدل الهواء .
وأما اليوم فإن كلمة " الربيع " لها ظل ثقيل على القلوب ، بل تلقي الخوف في النفوس ، لما فيها من إراقة الدماء في ديار الإسلام ، وانتهاك الأعراض ، وتدمير الممتلكات وضياع الأمن ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ؟!
أما مطالبة الشعوب الاسلامية اليوم بحقوقها المختلفة ، كحرية الكلمة والرأي ، وحرية التدين والدعوة الى الله تعالى ، دون قيد ولا منع ، ولا ترهيب وتخويف من السلطات ، وكذا المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية ، ونفي الفقر والعوز والحاجة ، وتوفير الوظائف للشباب ، وتوفير متطلبات الحياة من التعليم والصحة والسكن وما أشبه ذلك ، هي مطالب مشروعة لا شك فيها ، ولا غبار عليها ، والجميع متفق على ذلك .
وكذا المطالبة برفع الظلم عن المظلومين ، ورفع القهر والاستبداد والطغيان عن الضعفاء والسياسين المخالفين وغيرهم ، هو أمرٌ يجب البت فيه ، وعدم التأخر عنه .
لكننا لا نرى أن يكون ذلك بالثورات ولا بالاعتصامات والإضرابات التي تشل حياة الناس ، وتعطل مصالحهم الحيوية والهامة ، كما لا يكون الإنكار بالفوضى ولا بالمظاهرات التي تحصل بها الفتن والشرور ، وضياع الأمن والأمان ، ولا بإثارة الناس على الحاكم علانية في المنابر وفي الصحف والميادين العامة ، ولا على نائبه ، فإن هذا منهيٌ عنه شرعا ، وبالأحاديث الصحيحة الصريحة .
فالنصح لولاة الأمور لا يكون بهذه الصورة ، لأنه مخالف للشرع والحكمة والعقل ، وقد جاءت الأحاديث النبوية بخلافه .
فمنها :
ما جاء عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلنا يا نبي الله ، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما حملتم " رواه مسلم (1846) .
والمعنى أن الله تعالى حمّل الوﻻة واجبات عظيمة ، ومنها إقامة العدل بين الناس ، وأداء الأمانة ، فاذا لم يقيموه أثموا ، وسيسألون عن ذلك يوم القيامة عند الله ، كما أن الله تعالى حمل الرعية واجب السمع والطاعة لهم ، فان قاموا بذلك أثيبوا عليه ، وإﻻ أثموا.
وما جاء عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده فيخلوا به ، فان سمع منه فذاك ، وإلا كان قد أدّى الذي عليه " أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1096) وأحمد ( 3/403-404 ) وصححه الألباني
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : " لا تسبوا أمراءكم ، ولا تغشوهم ولا تبغضوهم ، واتقوا الله واصبروا ، فان الأمر قريب " أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1015) وقال الألباني : إسناده جيد .
أما أقوال أئمة السلف في ذلك :
فقد قال الامام الحسن بن علي البربهاري- رحمه الله-: " اذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، واذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم انه صاحب سنة ان شاء الله تعالى ".
وقال رحمه الله : " ولا يحل لأحدٍ أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماماً ، براً كان أو فاجراً " .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم : لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف ، وان كان فيهم ظلم ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الفساد في القتال والفتنة ، أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة ، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته " منهاج السنة النبوية ، (391/3) ط المعارف .
إذن : لا يحل هذا الفعل – وهو الإنكار العلني على الولاة واستعمال العنف والقوة – بل الكلام العلني والتهييج هو بداية الخروج بالسيف .
وإليك نص كلام شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى حيث قال : "… فقد وجهت اﻻنتقادات إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين بل العجب أنه وجه الطعن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قيل له : اعدل ؟! وقيل : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ؟!
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : " إنه يخرج من ضئضء هذا الرجل ، من يحقر أحدكم صلاته عند صلاته " يعني مثله ، رواه البخاري (4351) ومسلم (1064)، وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف ، ويكون بالقول والكلام ، لأن هذا – أي الرجل – ما أخذ السيف على الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه أنكر عليه .
عسى الله تعالى أن يصلح أحوالنا جميعا ، حكاما ومحكومين ، ويهدينا الصراط المستقيم ، إنه هو السميع العليم .